ليبيا 2017 .. أزمة سياسية تبحث عن مخرج وانتهاكات بلا حدود

دعاء عبدالنبي

أمنيًا.. داعش يعيد نفسه

في ظل استمرار الأزمة السياسية، لم تنجح جهود محاربة “داعش” في مدن ليبية أبرزها سرت من القضاء عليه، بعد أن كشفت تقارير أمنية أن التنظيم بدأ يعيد صفوفه مُجددًا في منطقة الجفرة جنوبي مدينة سرت، شرقي العاصمة طرابلس، نتيجة لانعدام الخطط الأمنية الفعالة لتأمين الحدود وغياب عمليات مطاردة مسلحي داعش.

ويقوم مقاتلوا داعش الفارين من سرت بين الحين والأخر بتنفيذ عمليات إرهابية، تستهدف المناطق النفطية والعسكرية في الجفرة، معتمدًا على تمويل نفسه بالعملة المحلية والأجنبية عبر سرقة المصارف وعمليات الخطف.

وتشكل إعادة إنتاج التنظيم الإرهابي فى الصحراء الليبية خطراً كبيرًا ليس على ليبيا وحدها، بل سيكون تهديداً إقليماً ودولياً، خاصة في ظل وجود حدود طويلة تتشارك فيها ليبيا مع 6 دول أفريقية أغلبها تعاني من مشاكل أمنية.

وبحسب المراقبين فإن الجنوب الليبي يمثل ملاذًا آمنا جديدًا للتنظيم حيث يمكنه إعادة تنظيم نفسه بعد خسائره، وهو ما أشارت إليه مجلة “إيكونوميست” البريطانية، في تقرير لها، من أن التنظيم الإرهابي تراجع إلى الصحراء الليبية ليجعل منها أكبر تهديد بعد الشام والعراق.

وبحسب بيان “أفريكوم”، فإن “تنظيمي داعش والقاعدة” استغلا أماكن غير خاضعة للسلطة في ليبيا لإقامة ملاذات للتآمر والاعداد لهجمات ارهابية وتجنيد وتسهيل حركة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وجمع الأموال وتحويلها لدعم عملياتهما.

كتبت – دعاء عبدالنبي 

تشهد ليبيا حالة من الفوضى السياسية والأمنية منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي 2011، نتيجة لصراعات محمومة بين الفرقاء الليبيين على إدارة شؤون البلاد، والتي كانت البوابة لدخول التنظيمات الإرهابية وتوغل داعش.. ورغم جهود مكافحة داعش في عدة مدن أبرزها سرت إلا أن الصراعات الداخلية حالت دون القضاء عليه فبقيت ذيوله تعيد نفسها من جديد، وسط تصاعد التحذيرات من تهديداته التي تعدت حدود ليبيا ليمثل خطرًا إقليميًا ودوليًا وفتح المجال لانتهاكات إنسانية على الحدود من قبل المسلحين ضد المهاجرين من خلال اعتقالهم وتعذيبهم بل وبيع المهاجرين الأفارقة منهم في المزاد العلني بدعم أوروبي.. دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنًا للتتوالى أزمات ليبيا التي قد تصبح بؤرة التوتر في العالم أجمع إذا لم تنجح الجهود الدولية في حل الأزمة السياسية والقضاء على داعش وتأمين الحدود.

سياسيًا.. الحل يبحث عن مخرج

منذ عام 2011، والأزمات تتوالى بسبب انقسام القوى السياسية، لاسيما وأن النظام السابق ساهم بشكل كبير في إضعاف المؤسسات وكان يدير الدولة بشكل عشوائي، ما دفع القوى السياسية للتكالب على المناصب، فتوالت الحكومات والمجالس لإدارة البلاد إلى أن وصل الحال إلى وجود حكومتين وقوات متصارعة في أنحاء مختلفة من البلاد.

وبات يحكم ليبيا ، “الحكومة المؤقتة” ومقرها في طبرق شرقي ليبيا ويترأسها “عبدالله الثني” ، وتحظى بدعم خليفة حفتر زعيم “الجيش الوطني الليبي” الذي تدعمه مصر والقوى الغربية.

وهناك “حكومة الوفاق الوطني”، وهي الحكومة المعترف بها دوليًا وتحظى بدعم الأمم المتحدة، ويترأسها ” فائز السراج” ومقرها في العاصمة طرابلس. ويراهن عليها المجتمع الدولي في مواجهة الجماعات المتطرفة و عصابات الاتجار بالبشر، وتشكلت بموجب اتفاق الصخيرات 2015.

وهناك حكومة لم تنل الاعتراف الدولي، وهي “حكومة الإنقاذ” التي شكّلها المؤتمر الوطني العام الليبي في 2014 ومقرها في طرابلس، ويترأسها خليفة الغويل، وتسيطر على مناطق واسعة من غربي وجنوبي ليبيا ،وتحظى بدعم “مجلس شورى ثوار بنغازي” وهو تحالف يضم كتائب إسلامية تتصارع مع قوات “الجيش الوطني الليبي”.

الأزمة السياسية، وجهت حراك الدول العربية والغربية لدعم اتفاق الصخيرات الموقع عام 2015، وتنفيذ خطة المبعوث الأممي “غسان سلامة” بتعديل الاتفاق السياسي وحل الأزمة والدعوة للحوار لإنهاء المرحلة الانتقالية، وهو ما أكده الاجتماع الأخير لوزراء خارجية تونس ومصر والجزائر .

وهناك عدة تصورات يمكن أن تواجه ليبيا خلال المرحلة المقبلة، أبرزها:

ــ استمرار الوضع القائم كما هو عليه، بوجود حكومتين وقوات متصارعة ما يعني مزيدًا من الانقسام والتوتر الأمني.

ــ الاتفاق على الحل السياسي بدعم حكومة الوفاق الوطني، ومن ثم يمكن التوصل لنتائج إيجابية بتغليب لغة الحوار وحل المشاكل العالقة ومواجهة التحديات .

ــ التقسيم وعسكرة الدولة بحسم الأزمات عسكريًا من قبل قوات “حفتر”، لتنزلق ليبيا وسط نزاعات وصراعات مُسلحة لا حدود لها، قد تُهدد دول الجوار واستقرار المنطقة.

وفي ظل التعقيدات والأزمات الحالية فإنه هذه التصورات ستظل مفتوحة ، والأمر مرتبط بإرادة القوى الليبية المتصارعة بالدرجة الأولى، وبإرادة الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الصراع الليبي.

انتهاكات حقوقية

وفقًا لإحصائيات اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، فقد أسفرت الهجمات المتفرقة للمسلحين خلال هذا العام عن، مقتل 365 شخصًا، فضلًا عن التعذيب المنهجي والاحتجاز المستمر والاعتقالات التعسفية التي تم توثيق 24 حالة منها، بل وتعدتها لبيع المهاجرين الأفارقة في المزاد العلني.

من جانبها، اتهمت منظمة العفو الدولية حكومات أوروبية بأنها متواطئة في تعذيب وانتهاكات ضد لاجئين ومهاجرين في ليبيا، معتبرة أن الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا لمنع المهاجرين غير الشرعيين من الوصول إلى أوروبا عبر البحر يجعله شريكًا في انتهاكات حقوق الإنسان.

وبعد تحقيق استقصائي نشرته شبكة “سي إن إن” عن تجارة الرقيق في ليبيا، أكدت المعاناة الإنسانية التي يعيشها المهاجرون والعالقون في ليبيا بعد فشلهم في العبور إلى أوروبا، حيث اعتمد التقرير على مقاطع مصورة بطريقة سرية أظهرت سوقاً لبيع البشر عبر مزاد علني لبيع المهاجرين، لاستخدامهم كعمال أو مزارعين.

وكانت منظمة الهجرة الدولية قد ذكرت فى وقت سابق أنها تملك أدلة قوية عن وجود “أسواق عبيد” حقيقية في ليبيا، وقال مدير بعثة المنظمة في ليبيا إن تحديد أسعار المهاجرين يخضع للمهارات التي يمتلكونها “يختلف السعر حسب المؤهلات”.

من جانبها، أعلنت حكومة الوفاق الليبية برئاسة “فائز السراج” فتح تحقيق بشأن أنشطة بيع المهاجرين الأفارقة “كعبيد” في ليبيا، ليعيد تسليط الضوء على المآسي والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي تحدث على الأراضي الليبية في ظل الفوضى الأمنية وغياب سلطة الدولة.

ويمكن القول أن غياب دولة مركزية موحدة يطرح العديد من التساؤلات حول قدرة حكومة الوفاق على مراقبة الحدود وتفكيك شبكات التهريب من جهة، ومن جهة أخرى فإن عدم الاستقرار السياسي قد يدفع إلى زيادة عدد المهاجرين من ليبيا نفسها، ومن ثم تهديد دول الجوار.

ربما يعجبك أيضا