ظاهرة “دومينو الانفصال” الأبرز في 2017

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

راود حلم الانفصال عن المركز العديد من المناطق حول العالم خلال 2017، وفيما يشبه انهيار أحجار “الدومينو” بدأت السلسلة من العراق تحديدا شمالا من كردستان في 25 سبتمبر باستفتاء شهد أغلبية ساحقة تتجاوز الـ92% أيدت الانفصال التام عن الحكومة المركزية في بغداد، لتحمل الرياح حمى استفتاءات الاستقلال إلى أوروبا وتحديدا كاتالونيا الأسبانية ومن ثم منطقتَي لومبارديا وفينيتو الإيطاليتَين، ورغم فشل هذه المحاولات، إلا أنها أكدت نمو المشاعر القومية والرغبة في الفكاك من فلك المركز للتمتع باستقلالية أكبر فيما يتعلق بمصير أبناء الإقليم الواحد.

السمة المشتركة بين الأقاليم المتطلعة للاستقلال وحتى تلك التي حصلت عليه بالفعل مثل جنوب السودان والقرم خلال الأعوام الماضية، هي وجود أقليات عرقية أوطائفية أونزعات قومية متشددة، لديها مطالب غير مسموعة من قبل المركز تتعلق بالتوزيع العادل للثروات ومصادر الدخل القومي.

كردستان كانت البداية

بين عشية وضحاها تحول إقليم كردستان إلى عنوان رئيس في الصحافة العالمية، إذا تحدى رئيسه السابق مسعود بارزاني القوى الإقليمية والدولية وقام بإجراء استفتاء شعبي على الاستقلال عن المركز في الـ25 من سبتمبر، لتأتي النتيجة صادمة لحكومة حيدر العبادي، إذ صوت أكثر من 92% من سكان كردستان والمناطق التابعة له لصالح الاستقلال.

نتائج الاستفتاء:

–  في 27 سبتمبر قرر البرلمان العراقي إغلاق المنافذ الحدودية للإقليم، وإلزام القائد العام للقوات المسلحة باتخاذ كافة الإجراءات الدستورية للحفاظ على وحدة العراق، كما أٌقرت الحكومة سلسلة من العقوبات ضد كردستان والمناطق المتنازع عليها، وقررت فرض سيطرتها بالقوة على تلك المناطق.

–  25 أكتوبر، أعلنت حكومة كردستان تجميد نتائج الاستفتاء، ودعت إلى تجميد وقف إطلاق النار في المناطق المتنازع عليها، وفتح حوار مع الحكومة المركزية على أساس الدستور العراقي الذي يكفل  لكردستان الحكم الذاتي وحقوقها في ثروات البلاد.

–  مطلع نوفمبر أعلن مسعود بارزاني تنحيه عن منصبه وتم تقسيم صلاحيات رئيس الإقليم بين رئيس الحكومة ورئيس البرلمان الكردي.

–  20 نوفمبر، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكما قضائيا يلغي الاستفتاء وكل ما ترتب عليه من نتائج.

–  21 نوفمبر، أعلنت حكومة كردستان احترامها الكامل للقرار الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا والقاضي بحظر انفصال الإقليم والمحافظة على وحدة العراق.

لينتهي بذلك حلم انفصال كردستان، وتنتهي مسيرة “عرابه” مسعود بارزاني على رأس السلطة، وسط اتهامه من قبل النخبة الكردية بالفشل في إدارة الإقليم.

الـ”دومينو” الثاني

إقليم “كتالونيا” كان الحجر الثاني الذي امتد له مفعول “دومينو” استفتاءات الانفصالات، ففي مطلع أكتوبر وافق نحو 90 في المئة من مواطنيه على الانفصال عن إسبانيا.

النتائج:

–  شهد الإقليم الواقع شمال شرق إسبانيا موجة عنف غير مسبوقة، عندما استخدمت الشرطة القوة لقمع المتظاهرين المطالبين بالانفصال.

–  وبعد دقائق من إعلان برلمان كتالونيا الانفصال عن إسبانيا في الـ 27 من أكتوبر، صوّت مجلس الشيوخ الإسباني على تفعيل المادة 155 من الدستور والتي تنقل إدارة الإقليم مباشرة إلى حكومة مدريد.

–  اتخذت الحكومة الإسبانية سلسلة من الإجراءات لاستعادة السيطرة منها إقالة كارلس بوجديمون رئيس الإقليم وحكومته، وحل برلمان كتالونيا وإجراء انتخابات مبكرة.

–  في نوفمبر وصلت هذه الإجراءات العقابية إلى ذروتها مع إصدر القضاء الإسباني لمذكرة اعتقال وتفتيش دولية بحق رئيس الإقليم السابق كارلس بيجديمونت، إضافةً إلى إصدار أوامر مماثلة بحق 4 أعضاء في حكومته المقالة غادروا البلاد برفقة كارلس باتجاه بروكسل.

–  في الخامس من ديسمبر، قامت المحكمة العليا الإسبانية بسحب مذكرات الاعتقال الصادرة بحق مسؤولي الإقليم أوروبيا، في محاولة لتهدئة الأوضاع، إلا أنها أكدت أنهم مازالوا مطلوبين في جرائم تتعلق بمحاولة الانفصال تصل العقوبة فيها للسجن لعقود.

–  22 ديسمبر  فاز انفصاليو كاتالونيا بـ92% من أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات المحلية المبكرة.

جدير بالذكر هنا أن إقليم كاتالونيا يتمتع بالحكم الذاتي، ويتمتع بمصادر ثروة عدة ويحتل المرتبة الرابعة لجهة إجمالي الناتج المحلي للفرد بمتوسط 28.6 ألف يورو، وكان لتراجع الاقتصاد الأسباني خلال الأعوام الماضية أبلغ الأثر في تأجيج النزعة الانفصالية في كتالونيا حيث يعتقد الكثيرون أن الإقليم يدفع أكثر مما ينبغي لمدريد.

دومينو ميلانو والبندقية

الحجر الأخير في دومينو استقلال 2017، حركه إقليما لومبارديا وفينيتو في إيطاليا، عندما اتفقا على الاتحاد من أجل الحصول على حكم ذاتي أوسع نطاقا للتفاوض مع روما على المزيد من الصلاحيات القانونية والاقتصادية،  وفي 23 أكتوبر أجاب الناخبون بـ”نعم” على سؤال: “هل ترغبون بأشكال إضافية وشروط خاصة للحكم الذاتي؟” في  لومبارديا وعاصمته ميلانو بنسبة 95% و98% في فينيتو وعاصمته “البندقية”، على التوالي.

على الرغم من أن هذا الاستفتاء الذي نظم بمبادرة من رئيس لومبارديا روبرتو ماروني، ورئيس فينيتو لوكا تسايا يعد غير ملزم، إلا أن التصويت بـ”نعم” سيعطي للرئيسين هامشا أكبر من الحرية للتفاوض مع الحكومة الإيطالية، من أجل الحصول على حصة أكبر من الإيرادات الضريبية والصلاحيات.

ولا زالت حكومة باولو جينتيلوني المثقلة بديون تفوق الـ2300 مليار يورو تحاول احتواء تداعيات هذا الاستفتاء، وفي حال فشلت فقد تضطر  للتخلي عن نحو 70 مليار يورو كانت تجنيها من الناتج المحلي لاثنين من أكثر المناطق ديناميكية في البلاد.

الحبل على الجرار

يبدو للمتابع أن المناطق الحالمة بالانفصال والتي يكافح بعضها منذ قرن من الزمان كما في حالة كاتالونيا، لديها إرادة قوية -رغم تكرار الفشل- في مواصلة المسيرة وتحدي الفكرة الحديثة لوحدة الدولة الوطنية، وهي تنشط بدرجات متفاوتة، سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط.

–  ففي أوروبا قد يشهد العام 2018 استمرارا لمفعول دومينو الانفصال، إذ أعلن إقليم الباسك شمال اسبانيا الذي يراوده حلم الاستقلال منذ خمسينيات القرن الماضي، عن رغبته في تنظيم استفتاء تقرير مصير، فيما أكدت السلطات في اسكتلندا رغبتها في الاستقلال عن التاج البريطاني، وهناك استعدادات حثيثة لتنظيم استفتاء في 2018 أو في ربيع 2019 مع إعلان لندن رسميا لانفصالها عن الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي رفضته غالبية ناخبي اسكتلندا.

–  وفي إقليم الفلاندرز في بلجيكا، حيث تقطن أغلبية من السكان ناطقة بالهولندية يعتزم التحالف الفلامنكي الجديد تنظيم مسيرة لأجل الاستقلال في 2019، أما الأرخبيل الفرنسي كاليدونيا الجديدة فمن المتوقع أن يجري استفتاء لتقرير المصير في خريف 2018.

–  في الشرق الأوسط، لا زال شبح التقسيم يهدد سوريا واليمن وليبيا، والخطير هنا أن التقسيم إذا ما حدث سيكون على أساس عرقي وطائفي ما يخلق أرضية خصبة لإشعال حرب بلا نهاية بدلا من إخماد النيران.

والواقع أن حلم الانفصال عن المركز في حال تحققه قد يحل بعض المشاكل السياسية والاقتصادية، لكنه يفتح بالتأكيد صندوق باندورا ليطلق شرور انتقام المركز والنزاع المسلح على النفوذ.

ربما يعجبك أيضا