ماذا يفعل المسلمون بصور المسيح وأمه مريم؟

هالة عبدالرحمن

كتب – هالة عبدالرحمن

كانت اللوحة، المعروفة باسم “سالفاتور موندي” (مخلص العالم) بيعت مؤخرًا في نيويورك بمبلغ قياسي بلغ 450 مليون دولار، لتصبح أغلى لوحة تباع في مزاد على الإطلاق، وكان المشتري، الذي لم يكشف عن هويته إلا بعد المزاد العلني الذي استمر لمدة 20 دقيقة، حديث الصحافة العالمية لعدة أيام حتى كشفت التقارير الصحفية لاحقًا أن اللوحة اشتراها أمير سعودي اسمه بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، بحسب وثائق اطلعت عليها.

وأكدت سفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن، أنها استفسرت من مكتب الأمير بدر آل سعود عن التفاصيل المتعلقة بشرائه “لوحة دافنشي”، عقب نشر تقارير بوسائل إعلام مختلفة عن شرائه اللوحة.

وعلمت السفارة أيضًا – من خلال المعلومات التي أعلنها مكتب الأمير – أن العمل الفني تم الحصول عليه من قبل دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي لعرضه في متحف “اللوفر أبوظبي” في الإمارات العربية المتحدة حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس”، إلا أنه بقى تساؤلا حول أهمية اقتناء متحف “اللوفر أبوظبي” لهذه اللوحة.

وطرحت مجلة “نيوزويك” الأمريكية تساؤلات عديدة حول هوية المشتري المسلم لأغلى لوحة في العالم، مشيرة إلى أن السبب الوحيد الواضح للجميع هو أن إدارة متحف “لوفر” أبو ظبي تريد جذب المزيد من السياح الأجانب وبيع المزيد من تذاكر متحف اللوفر، إلا أن هناك أسبابًا أخرى قد تكون ذات أهمية أكبر من تلك المعلنة.

وأضافت الصحيفة أن الإمارات العربية المتحدة، صاحبة اللوحة، ذات أغلبية مسلمة، والإسلام يحرم أي عمل فني يجسد الأنبياء وعلى الرغم من ذلك حرصت إدارة المتحف الإماراتي على اقتناء صورة تجسد المسيح كما أنها آخر عمل للفنان المسيحي دا فينشي، حيث تمثل المسيح في وضعية سالفاتور مندي أي مخلّص العالم وهي الوضعية التي يتخذها يسوع المسيح ويظهر فيها جالساً رافعاً يده اليمني، وفي يده اليسرى حاملاً كرة زجاجيةً يعلوها صليب، وترمز الكرة إلى كوكب الأرض.

وأوضحت الصحيفة أنه ليس من الغريب على الإسلام والمسلمين الحفاظ على آثار وتراث الديانات الأخرى، فعلى مر التاريخ احتفظ العالم الإسلامي بتراث وتاريخ المسيحيين واليهود منذ ظهور الإسلام، وعثر على الكثير من صور المسيح في الدولة الفارسية والتركية والأراضي الهندية أيضًا.

ومن أقوال السيرة في كتاب تاريخ الإسلام للإمام الذهبي، في مجلد السيرة النبوية، طبعة دار الكتاب العربي، الطبعة الرابعة ،1421هـ 2001 م ، ص 72- 74 🙁 أورد فيه أحاديث مرفوعة حول إبقاء النبي، صلى الله عليه وسلم، لصورة عيسى وأمه عليهما السلام، في الكعبة بعد أن محا سائر الصور والأصنام).

ويشير هذا الأمر إلى أنه على الرغم من تحريم الإسلام للصور والأصنام والسعي لمحوها والإطاحة بكل رموز الجاهلية، إلا أنه تم التأكيد على قيمة المسيح وأمه مريم في أقدس مكان للإسلام والمسلمين منذ عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم حتى العصور الحديثة.

فعلى سبيل المثال فإن السلطان العثماني محمد الثاني المعروف باسم “الفاتح” قضى على الدولة البيزنطية المسيحية، ولكنه وصف كنيسة القبة بأنها جنة على الأرض ولم يمنع إقامة الصلوات المسيحية.

وحقيقة الأمر، أن فتح القسطنطينية كانت له آثاره السياسية الأخرى، إذ سقط مركز الكنيسة الأرثوذكسية في العالم المسيحي، وبمجرد أن دخل السلطان الفاتح المدينة حوّل كاتدرائية “أجيا صوفيا” إلى جامع “آية صوفيا” العظيم، الذي يعد أحد أهم معالم مدينة إسطنبول اليوم، إلا أنه منح البطريركية الأرثوذكسية مقرًا جديدًا وفتح معها حوارًا دينيًا كبيرًا إلى الحد الذي دعا بعض المؤرخين الغربيين للظن بأن محمد الفاتح كان مستعدًا لاعتناق المسيحية، وهو أمر مستبعد تمامًا في ظل نشأته الإسلامية.

وخلال فترة العصور الوسطى بالقرن 13، كانت توجد صور تاريخية مسيحية في شمال العراق بالموصل والتي تجسد صورة مريم العذراء، فضلا عن المشاهد التي تصورالمسيح في فلسطين بكنيسة القدس.

لذلك ليس من الغريب أن نجد صورًا متعددة من التراث المسيحي في العالم الإسلامي، لأن التعاليم الإسلامية السمحة أتاحت وعاءً لاحتواء الديانات الأخرى وثقافتهم المختلفة.

ربما يعجبك أيضا