بعد تهديدات ترامب.. باكستان تنتفض والصين تتدخل

حسام السبكي

حسام السبكي

مرحلة جديدة هي الأسوأ من نوعها – على الأرجح – تدخلها العلاقات الباكستانية الأمريكية، بعد تلويح أمريكي مباشر بقطع المساعدات عن إسلام آباد، وذلك في تغريدة استهل بها الرئيس المثير للجدل “دونالد ترامب” العام الجديد.

فبعد حالة من التلميح والذي وصل إلى التصريح، باتهام الولايات المتحدة لحليفتها الآسيوية الكبرى باكستان بدعم وإيواء الإرهابيين، وفق ما جاء بتصريحات صدرت مؤخرًا عن “مايك بنس” نائب الرئيس الأمريكي، خلال زيارته الأخيرة إلى أفغانستان، سبقها اتهام مماثل من رئيسه قبل نحو أربعة أشهر من الآن، فقد اختار “ترامب” افتتاحية تغريداته في العام الجديد لتكون سهمًا مسلطًا في وجه الباكستانيين.

ردود الأفعال أتت سريعة، حيث قامت وزارة الخارجية الباكستانية باستدعاء السفير الأمريكي للاحتجاج، فضلًا عن إصدار بيانٍ بالإدانة، شاركته فيه وزارة الدفاع، وإن اختلفت الصياغة، كما شهدت العاصمة “إسلام آباد” مظاهرات واحتجاجات حاشدة رفضًا لتصريحات الرئيس الأمريكي، كما تخطت ردود الأفعال الرافضة الحدود الباكستانية، لتدخل الصين على خط الأزمة، وتؤكد رفضها للاتهامات الأمريكية، وتؤكد دعمها جارتها باكستان.

أما أفغانستان والهند، فقد شاركتا الولايات المتحدة في كيل الاتهامات لباكستان بإيواء الإرهابيين، حيث اختارت الأولى الانضمام إلى صف التحالف الأمريكي، في ظل الاستراتيجية الأمنية الجديدة التي أعلنها ترامب مؤخرًا، فيما ترتبط الثانية بعداء تاريخي مع جارتها الشمالية.

التقرير التالي يلقي الضوء على “تغريدة الأزمة”، ويرصد أبرز ردود الأفعال الناجمة عنها، وشكل العلاقات المستقبلية بين الولايات المتحدة الأمريكية.

ترامب.. تغريدة الأزمة

يبدو أن قرار إدارة “تويتر”، بتجاوز حدود الـ 140 حرفًا، والذي أثار سعادة الكثير من المغردين، قد أتى وبالًا على البعض، حيث استغل الرئيس الأمريكي تلك الخاصية، ليشن هجومًا صارخًا على الحليفة التاريخية لبلاده “باكستان”، ليصفها في تغريدة، اقتربت من الحد الأقصى المسموح به، ليكون بمثابة الصفعة على وجه إسلام آباد.

فقد كتب ترامب في تغريدته: ” الولايات المتحدة منحت باكستان بحماقة أكثر من 33 مليار دولار في شكل مساعدات على مدى 15 عاما وهم لم يمنحونا سوى الأكاذيب والخداع معتقدين أن زعماءنا حمقى”.

وأضاف ترامب:”يوفرون ملاذا آمنا للإرهابيين الذين نتعقبهم في أفغانستان دون مساعدة تُذكر. كفى!”.

حافظ سعيد.. كلمة السر!

يعد الزعيم الإسلامي “حافظ سعيد”، والذي أفرجت عنه السلطات الباكستانية، في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعد براءته من قضية هجمات مومباي عام 2008 والتي خلفت نحو 166 قتيلًا، هو أحد الأسباب الرئيسية في الخلافات التي اشتعلت بين واشنطن وإسلام آباد، فبينما تعتبره الولايات المتحدة “إرهابيًا”، وطالبت السلطات الباكستانية بإعادة توقيفه، مهددة بتأثير سلبي على العلاقات بين البلدين حال رفض إسلام آباد.

وقد وصل الأمر بالإدارة الأمريكية، إلى أن رصدت مكافأة قيمتها 10 ملايين دولار، لمن يُدلي بمعلومات تؤدي إلى إدانة الزعيم الإسلامي “المغضوب عليه” في هجمات مومباي، رغم نفي سعيد للاتهامات الأمريكية في مراتٍ عدة.

ولم تشفع التقارير التي أفادت بعزم الحكومة الباكستانية السيطرة على جمعيتَي “جماعة الدعوة” و”مؤسسة فلاح الإنسانية” الخيريتين التابعتين للزعيم الإسلامي، للإفلات من لسان ترامب “السليط”.

فقد نقل التقرير، عن ثلاثة مسؤولين حضروا واحداً من اجتماعات عقدت على مستوى بارز في هذا الصدد، إن الحكومة وضعت تفاصيل خططها، في أمر سري وجّهته إلى الإدارات الحكومية المحلية والاتحادية في 19 كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

ووفق هذا الأمر “السري”، وجّهت وزارة المال الشـــرطة والحكومات المحلية في الأقاليم الخمسة لباكستان، من أجل تقديم خطة عمل بحلول 28 ديسمبر/ كانون الأول، لـ “السيطرة” على الجمعيتين اللتين تعتبرهما الولايات المتحدة “جبهتين إرهابيتين” لجماعة “عسكر طيبة” التي أسّسها سعيد عام 1987 وتحمّلها الولايات المتحدة والهند مسؤولية هجمات مومباي عام 2008.

انتفاضة باكستانية في وجه ترامب

لم يقل الرد الرسمي وحتى الشعبي الباكستاني حدة، عن قوة التصريحات الصادرة عن الرئيس الأمريكي، والتي بدأت باستدعاء السفير الأمريكي لدى إسلام آباد للاحتجاج.

فقد نقلت وسائل إعلام محلية باكستانية، عن استدعاء وزارة الخارجية، مساء أمس الإثنين، السفير الأمريكي في إسلام آباد، للاحتجاج على اتهامات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للبلاد بـ”توفير مأوى للإرهابيين”، حسب مصدر دبلوماسي باكستاني.

ونقل موقع “داون نيوز” الباكستاني الخاص، عن مسؤول بارز في مكتب الخارجية الباكستانية، قوله إن “الخارجية الباكستانية، استدعت السفير الأمريكي في إسلام آباد، “ديفيد هيل”، لتسجيل الاحتجاج على التصريحات الاتهامية التي غرد بها ترامب”.

من جانبه، أكد المتحدث باسم السفارة الأميركية في إسلام آباد، ريك سينلسين، هذا التطور قائلًا: إن السفير هيل دعي إلى اجتماع في وزارة الخارجية في التاسعة مساء، حسب الموقع، غير أن سينلسين، قال إنه ليس على علم بأجندة اللقاء.

ولم تكتف الخارجية الباكستانية بذلك، فعلى لسان وزيرها “خواجة آصف”، صرح أن بلاده سترد قريبًا على تغريدات الرئيس الأمريكي، مؤكدًا، أن العالم سيدرك الفرق الشاسع بين الوقائع والحقائق، والخيال أو التكهنات، على حد تعبيره.

ولاحقًا، صرح “آصف” لتلفزيون “جيو” الباكستاني بالقول: ” لقد أخبرنا الولايات المتحدة أننا لن نفعل المزيد، لذا فإن ما قاله ترمب ليس له أي أهمية”.

وأشار آصف إلى أن الجيش الأميركي استخدم الأراضي الباكستانية لخدمة مصالح واشنطن في أفغانستان، موضحًا أن الأموال التي قدمتها الولايات المتحدة لبلاده طيلة السنوات الـ15 الماضية، لم تكن عملا خيريا، بل “كانت لقاء خدمات”، دون تفاصيل إضافية.

وأعرب الوزير عن استعداد بلاده للكشف عن تفاصيل المساعدات الأمريكية، وكيفية استخدامها في جلسة علنية.

في هذا السياق أيضًا، أطلق وزير الدفاع، “خرم دستغير خان” رداً نارياً، وقال في تغريدة على حسابه “إن الولايات المتحدة لم تعط باكستان سوى الذم وعدم الثقة”.

وأضاف: “أن باكستان كحليف للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب قدمت كل شيء على مدى 16 عاماً لتدمير تنظيم “القاعدة”، من اتصالات وتعاون وقواعد عسكرية براً وجواً، ولكن أميركا لم تعطنا شيئا سوى عدم الثقة”.

من جانبها، رفضت الحكومة الباكستانية بشدة، الثلاثاء، تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحرمانها المساعدات على خلفية عدم فاعلية دورها في الحرب ضد المتطرفين، مشددة على التضحيات الكبرى التي بذلتها في مكافحة الإرهاب.

وفي بيان أصدرته عقب اجتماع لمجلس الأمن القومي شارك فيه قائد الجيش ومسؤولون عسكريون كبار بالإضافة إلى مسؤولين حكوميين، أعلنت رئاسة الحكومة الباكستانية أن باكستان “خاضت الحرب ضد الإرهاب اولا بمواردها الخاصة وبكلفة باهظة على اقتصادها”، بالإضافة إلى “تضحيات كبرى” شملت “خسارة عشرات آلاف المدنيين وقوات الأمن”.

وأضافت رئاسة الحكومة أنه لا يمكن “التقليل من اهمية” الأمر “باختصاره بالقيمة المالية”، معربة عن “خيبة أمل كبيرة” بعد “التصريحات الأخيرة للقيادة الأمريكية التي لا يمكن فهمها على الإطلاق والتي تناقض الواقع بكل وضوح”.

وكانت الحكومة الباكستانية شددت قبل ساعات في تغريدة على “تويتر” على “تضحيات لا تعد ولا تحصى” قدمتها البلاد، التي خسرت بحسب الحكومة أكثر من 62 ألف شخص و123 مليار دولار في الحرب على الإرهاب بين 2003 و2017.

على المستوى الشعبي، شهدت شوارع العاصمة الباكستانية “إسلام أباد” عدة تظاهرات احتجاجا على تغريدة للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” اتهم فيها إسلام أباد بالكذب بشأن الحرب على الإرهاب في وقت تتلقى فيه مليارات الدولارات من المساعدات.

ونقل تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، اليوم الثلاثاء، لقطات للمتظاهرين الذين حملوا أعلام باكستان بالإضافة إلى لافتات مناهضة لترامب.

إشادة أفغانية وهندية.. واستنكار صيني

انضمت كل من أفغانستان والهند، إلى المعسكر المؤيد لتصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة بشأن أفغانستان، حيث ذكر الجنرال “دولت وزيري” المتحدث باسم وزارة الدفاع الأفغانية وفقًا لـ “رويترز”، أن الرئيس الأمريكي “أقر بالواقع، لم تساعد باكستان قط أو تساهم في التعامل مع الإرهاب”.

وفي سياقٍ متصل، أكد “جيتندرا سينغ” وزير الدولة بمكتب رئيس الوزراء الهندي: “إن تغريدة ترامب دافعت عن موقف الهند فيما يتعلق بالإرهاب وبدور باكستان في التعامل مع الإرهاب”.

وعلى النقيض، انتقدت وزارة الخارجية الصينية، الثلاثاء، اتهام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لباكستان بتوفير مأوى آمن للإرهابيين.

وأوضح متحدث الخارجية الصينية كينغ شوانغ، في مؤتمر صحفي، أنّ باكستان بذلت جهوداً كبيرة لمكافحة التنظيمات الإرهابية، ودفعت من أجل ذلك ثمناً باهظاً.

ودعا كينغ المجتمع الدولي إلى تقدير الجهود التي تبذلها إسلام أباد في مكافحة الإرهاب.

وتابع المتحدث قائلاً: “الصين تعرب عن امتنانها من رؤية باكستان وهي تتعاون مع الدول الإقليمية والعالمية لمكافحة الإرهاب، وإحلال السلام والاستقرار في العالم”، مؤكدًا أن بلاده ستواصل شراكتها الاستراتيجية مع باكستان، مشيراً إلى رغبة بكين في تعميق علاقاتها مع إسلام أباد بكافة المجالات والقطاعات.

الخلاصة

منحى خطير، باتت تسلكه العلاقات الأمريكية الباكستانية، التي شهدت حالة من التوافق والتعاون على أعلى المستويات خلال السنوات الماضية، كانت ذروتها، حين تمكن عناصر من الجيش الأمريكي، من تنفيذ عملية أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية في بوت آباد الباكستانية، وأسفرت عن مقتل أحد أخطر الشخصيات التي هددت الولايات المتحدة الأمريكية، وهو “أسامة بن لادن” زعيم تنظيم القاعدة، وذلك في مطلع مايو من العام 2011، قبل أن تتحول الأمور في عهد الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب”، والذي يرى أن الدور الباكستاني في محاربة الإرهاب لا يكفي لإرضاء واشنطن، وما يزيد من خطورة الأزمة هو دخول الصين، القوة الصاعدة عالميًا، على خط الأزمة، وهو ما قد يفاقهما خلال الفترة المقبلة.

ربما يعجبك أيضا