هدى إسماعيل
بمجرد أن تلامسها بأطراف أصابعك حتى تجد كلماتك واضحة مميزة كلحن فريد لا يعزفه سواك، “برايل” نظام كتابة أبجدي يمكن فاقدي وضعاف البصر من القراءة والكتابة، وذلك بجعل الحروف رموزا بارزة على الورق ما يسمح بالقراءة عن طريق حاسة اللمس.
يحتفل العالم في الرابع من يناير من كل عام باليوم العالمي لـ”برايل“، وهي أحرف مستطيلة صغيرة تسمى بالخلايا التي تحتوي على المطبات الواضحة الصغيرة، تختلف الحروف الهجائية في لغة “برايل” من لغة إلى لغة باختلاف أنظمة الكتابة المطبوعة ورموزها.
رحلة لويس
دخلت كتابة “برايل” في اللغة العربية على يد “محمد الأنسي” في منتصف القرن التاسع عشر حيث حاول التوفيق بين أشكال الحروف المستخدمة في الكتابة العادية وشكلها في الكتابة البارزة وبهذه الطريقة نقل الأنسي عددا من الكتب إلا أن هذه الطريقة لم تنتشر على نطاق واسع، وقد قامت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة لهيئة الأمم المتحدة في عام 1951 بتوحيد الكتابة البارزة بقدر ما تسمح به أوجه الشبه بين الأصوات المشتركة في اللغات المختلفة ونتج عن هذه الحركة النظام الحالي للرموز العربية.
بدأت رحلة “لويس برايل” في القرن التاسع عشر، عندما كان عمره ثلاث سنوات عندما كان يلعب في محل والده في أحد أحياء فرنسا وهناك ما جرح عينيه بالصدفة، نقله والده على الفور إلى المشفى وتلقى أحسن علاج مناسب لحالته في هذا الوقت من الزمن ولكنه للأسف لم يكن كافٍ ليجعل الصغير يحتفظ بعينيه سلمية كما كانت، ففقد البصر في هذه السن المبكرة.
كان النظام القديم لقراءة المكفوفين يعتمد على طريقة بطيئة ومعقدة ومتعبة للكفيف بحيث تجعله يمل سريعًا من أي كتاب يقرؤه مما جعل تعلمه بالنسبة للأشخاص العاديين صعب.
ولكن في عام 1821 قام معلم “برايل” دكتور “أليكساندر فرانسوا” بدعوة “تشارلي باربير” لكي يتحدث أمام فصله من الطلبة المكفوفين في المعهد الوطني لشباب المكفوفين في باريس وقد عرف خلال المقابلة أن “باربير” قد طور نظام للكتابة الليلية لدى الجيش باستخدام التنقيط بعد أن طلب “نابليون” أن يتم وضع نظام يمكن الجنود من التفاهم خلال الظلام مع عدم إصدار أي صوت.
ولكن المشكلة أن “باربير” قد وضع نظام غاية في التعقيد وقد تم رفضه من قبل الجيش ولكن هذا لا يمنع أن يتم دراسة الموضوع بالنسبة للمكفوفين الشباب فدعاه دكتور “ألكساندر” للمناقشة حول الموضوع ودراسة ما يمكن أن يفيد، وقد عرض عليه دكتور “الكساندر” الطريقة الحالية في حضور “برايل” المراهق والذي لم يكن سوى صاحب الفكرة وملهمها، هذه الفكرة تعتمد على وجود مصفوفة من 6 نقاط يتحرك عليها الإصبع بحيث تعبر عن شفرة معينة للحرف أو الكلمة، وقد أقام “برايل” تجاربه بمساعدة دكتور “ألكساندر وباربير”.
وما أن بلغ “برايل” عامه السادس عشر حتى قام بتطوير الطريقة بشكل كبير نوعا ما ولكن لا تزال هناك بعض التعقيدات خاصة أنه يريدها أن تكون لغة عالمية لكل المكفوفين لا تقتصر على اللغة الفرنسية فقط ولكنها لا تزال أسهل من طريقة “باربير”.
كان الطبيب “ألكساندر” يشجع طالبه ويحثه على المثابرة والإستمرار وتطوير الفكرة وكان من وقت لآخر يعلن عن ميلاد طريقة جديدة ولكن للأسف عندما قام بعرض كتاب عن تاريخ فرنسا مكتوب بطريقة “برايل” على طلابه في المعهد أقيل من منصبه كمدير للمعهد بسبب القوانين الروتينية التي إعتبر هذا العمل أحد أعمال الدعاية التي تدعم إستغلال المنصب.
وتمر السنون ليصبح “برايل” أستاذا في نفس المعهد وعلم تلاميذه طريقته في القراءة كنوع من نشر المعرفة بين طلابه بسهولة.
وفي عام 1834 تم دعوة “برايل” لمناقشة طريقته في معرض للصناعة والذي يقام في باريس والذي أسهم بشكل كبير في تحفيز شعبية الطريقة وكان في ذلك الوقت في منتصف العشرينات ، ومنذ ذلك الحين وأصبحت طريقة “برايل” طريقة مشهورة يستخدمها كل المكفوفين وتطبع بها الكتب لهم.
“برايل”.. على قوائم الطعام
بفضل القرار الصادر عن الاتحاد الأوروبي عام 2005 أصبحت “برايل” في أوروبا كلها، وفي السنوات الأخيرة أصبح الأمر لا يقتصر على القارة الأوروبية.
كانت مجموعة “Co-op” البريطانية في طليعة الشركات التي استخدمت طريقة “برايل” في بعض منتجاتها، قبل أن يشيع استخدامها مع منتجات أخرى في متاجر متنوعة.
وتتاح حاليا قوائم طعام بطريقة “برايل” في الكثير من المطاعم البريطانية كما يكثر استخدامها في عبوات الأدوية مثل دواء السعال إلى أقراص علاج ضغط الدم.
تناقضات
الغريب في الأمر أن في المملكة المتحدة هناك أقل من 1 في المئة من مليوني معاق بصريا في المملكة المتحدة يستخدمون طريقة “برايل”.
يشير “بيتي أوسبورن“، رئيس مكتب “برايل” في المعهد الوطني الملكي للمكفوفين، إلى حدوث تحول داخل المحلات التجارية وغيرها من الشركات البارزة ، حيث أن الشركات المصنعة حاليا لا تتساءل عن جدوى استخدام طريقة “برايل” ، ولكنهم يفكرون في الوسيلة المثلى لذلك.
ولكن ثمة حالة من التناقض، فعلى الرغم من انتشار طريقة “برايل” في الشؤون اليومية كافة، إلا أن عدد الأشخاص الذين يستخدمونها تراجع على المدى الطويل.
ويضيف “أوسبورن” إن عددهم في أفضل الأحوال يتراوح بين 18 الف إلى 20 الف ، حيث أن من بين مليون معاق بصريا داخل المملكة المتحدة، تجاوز عمر الأغلبية الخامسة والستين.
ولا يتعدى عدد الأشخاص الذين يطلبون كتبا بصورة منتظمة من مكتبة “برايل” عند 2000 شخص فقط، مما يعني أن الأغلبية تستخدمها لأسباب عملية.
ويشير”أوسبورن” إلى أن هناك دراسات أمريكية تؤكد على أن مستخدمي “برايل” أوفر حظا في الحصول على عمل لأن لديهم معرفة أوسع بالقراءة والكتابة، على العكس في بريطانيا يأتي ضمن العاطلين 66 % من المكفوفين أو المصابين بضعف بصر رغم أنهم فى مرحلة عمرية تسمح لهم بالعمل والإنتاج، لذلك هناك مشكلة في الدول المتطورة، حيث أن المؤسسات تنفق عادة على الإنتاج أكثر من التعليم، وهذه مشكلة نحتاج الى التعامل معها.”
وعلى الرغم من أن “جيمس بودين” يشغل منصب رئيس مجموعة طريقة “برايل” في الرابطة البريطانية للأشكال سهلة الاستخدام، فأنه يفضل في وقت الفراغ الاستماع إلى شريط مسجل لأحد الكتب على قراءة كتاب بطريقة “برايل”.
ويرى “بودين” أن طريقة “برايل” أفضل للوفاء بحاجة فورية للمعلومات وليس للمتعة ، حيث كان عضو البرلمان ووزير الداخلية السابق “ديفيد بلونكيت” يقرأ بياناته بلغة “برايل” بعد أن قال عنها “إنها وسيلة بطيئة رغم أنها ضرورية وأنا مدين لها بالكثير.”
أما”فيليب جيفز”، مسؤول الأرشيف بالمكتبة الوطنية التابعة للرابطة الوطنية الملكية للمكفوفين إنه قبل منتصف القرن التاسع عشر كانت قراءة الكتاب المقدس حافزا يدفع إلى تعلم طريقة “برايل” أكبر من الرغبة في الحصول على وظيفة، ولكن مع ظهور طابعات “برايل” في تسعينيات القرن التاسع عشر، استطاع فاقدي البصر االقيام بعمل حرفي.
الهند الأعلى في فقد البصر
وفقا لاحصائيات منظمة الصحة العالمية الصادرة في مارس عام 2011 هناك نحو 284 مليون نسمة ممن يعانون من ضعف البصر في جميع أنحاء العالم منهم 39 مليون نسمة كفت أبصارهم و245 مليون نسمة ضعفت رؤيتهم ، ويعيش نحو 90% ممن يعانون من ضعف البصر في البلدان النامية .
وقد تم الحد بشكل كبير في السنوات العشرين الماضية من عدد الناس الذين ضعفت أبصارهم بسبب الأمراض المعدية، ويمكن تجنب أو علاج نحو 80% من مجموع حالات ضعف البصر، ووفقا للمنظمة يتحول شخص كل خمس ثوان في العالم إلى فاقد للبصر، وكل دقيقة يتحول طفل في العالم إلى فاقد للبصر، ويتوقع أن يرتفع عدد فاقدي البصر في عام 2020 إلى 75 مليونا .
أما عن عدد فاقدي البصر في الدول فتشير الاحصائيات إلى الهند تضم أكثر من نصف فاقدي البصر بنسبة مليون فرد ، أما في أفريقيا حوالي 7مليون، الصين 6 مليون ، وفي العالم العربي حوالي 7 مليون .
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=344701