لو لم يكونوا فلسطينيين

دعاء عبدالنبي

كتب – محمد عبد الكريم

رام الله – لو كان طلاب الكلية العصرية ومن قبلهم طلاب “بيرزيت” الذين أثخن فيهم رصاص الاحتلال، طلابا صينيين قمعوا في ساحة تيانانمن لمطالبتهم بالحرية، لما توقفت أمريكا منذ العام 1989 وحتى الآن عن النفخ في حجم مأساتهم وتعظيم شجاعاتهم، لكنهم فلسطينيون والمستبد صهيوني.

ولو كانت عهد التميمي فتاة باكستانية أرادت الولايات المتحدة استغلال مأساتها لضرب صورة حركة طالبان، لأضحت أيقونة تعبر عن حقوق المرأة، ولسميت بـ”الناشطة” بدلا من “الإرهابية”، ولمنحت 43 جائزة اثنتان منها لنوبل والبقية لا تقل أهمية (14 جائزة من الـ43 أميركية) كحال الفتاة ملالا، بدلا من منحها القيد والزنزانة، لكنها فلسطينية والجلاد إسرائيلي.

ولو كان إبراهيم أبو ثريا شابا يشارك بمظاهرات في دولة تعتبرها أميركا معادية لها.. وقطعت قدماه في المسيرات وعاد جنود تلك الدولة ليقتلوه بالرصاص وهو أعزل ومقعد، لحوله الإعلام  الأميركي إلى رامبو القرن الحادي والعشرين ولكنه معدم، وفقير، وفلسطيني، ولاجئ من مخيم في قطاع تحاصره “إسرائيل”.

ولو كان المشهد البطولي لمسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني في جمعة الغضب الأولى، وهم يواجهون الموت في كل خطوة أو حركة لإنقاذ حياة الجريح محمد أمين عقل قبل استشهاده لاحقا عند المدخل الشمالي لمدينة البيرة، مشهد لأصحاب “الخوذ البيضاء” (وهي منظمة يقول مريدوها إنها إنسانية تساعد المحتاجين، ويتهمها معارضوها بأنها على صلة بالإرهاب وبشركة بلاك ووتر الأميركية) مشهد في حلب أو إدلب، لفازوا بجائزة الأوسكار الأميركية على المشهد الذي سجل شجاعتهم أمام بنادق الاحتلال، ولرشحوا لجائزة نوبل للسلام، لكنهم فلسطينيون والمنتهك لكافة المعاهدات والمواثيق هنا الاحتلال الإسرائيلي.

محمد ناصر عمر (25 عاما) من بلدة قراوة بني زيد، متطوع يعمل مسعفا في الدفاع المدني الفلسطيني كان على موعد مع الخطر مرتين في جمعتي الغضب الثانية والثالثة، عند واحدة من أخطر نقاط الاشتباك مع قوات الاحتلال في الضفة الغربية عند المدخل الشمالي لمدينة البيرة.

ويروي عمر كيف كانت شجاعة المسعفين أقوى من تهديدات الموت التي أطلقها جنود الاحتلال لهم، عقب إطلاقهم النار على الشاب محمد عقل، فبعد أن أطلقت قوات الاحتلال النار على الشاب بريعة طعن جندي، وأصبح مصابا وعلى الأرض تدخلنا فورا لننقذه بعد أن أمطروه بالرصاص أنا واثنان آخران من المسعفين، فكان جنود الاحتلال بحالة هستيرية تماما وصوبوا بنادقهم تجاهنا وكانوا في حالة رعب جنوني، ورغم ذلك تقدمنا ووضعنا الشاب الجريح (قبل أن يستشهد لاحقا) في السيارة فهاجمونا وسحبوا مفاتيح سيارة الإسعاف الأولى، ثم الثانية والثالثة وكنا في كل لحظة نرى الموت في كل خطوة نخطوها، إلا أننا أكملنا عملنا الإنساني.

ويضيف بعد ذلك وبأعجوبة استطعنا أن ننتزع الشاب من براثنهم وانطلقنا به مسرعين وهو على الحمالة ومشينا به مسافة 200 متر تقريبا على الأقدام، وهم يلاحقونا ويهددونا بإطلاق النار علينا من الخلف إذا لم نتوقف وكنا نسمع أصوات إطلاق النيران، لكن استمرينا بالركض بالجريح حتى استطاعت سيارة خصوصي أن تقلنا إلى اقرب مستشفى استطعنا الوصول إليه.

وفي جمعة الغضب الثالثة يروي المسعف عمر، كيف أنه تعرض لإصابة بعينيه، بعد أن حاول المسعفون التدخل لإنقاذ شاب جريح خلال محاولة قوات الاحتلال اعتقاله عقب المواجهات التي اندلعت عند المدخل الشمالي لمدينة البيرة.

ويقول محمد: بعد أن رأينا دماء الفتى الجريح تسيل من رأسه أسرعنا لتضميد جراحه، وعندما وصلنا الشاب الجريح سمعنا صوت قائد الجنود وهو يبلغ جنوده صراحة وبصوت عال أن اقتربوا (يقصد المسعفين والصحفيين) أطلقوا النار عليهم، ومنعونا من الوصول إلى الشاب واعتدوا بالضرب علينا، وأنا أصبت بشظايا في عيني.

وتشير أرقام جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني فقط، إلى أن عدد الانتهاكات على طواقمها بلغ منذ بداية العام وحتى نهاية أيلول، 52 انتهاكا منها 12  إصابة في صفوف المتطوعين والمسعفين، 53 حالة عرقلة لحركة سيارات الإسعاف، 8 حالة اعتداء على سيارات الإسعاف، فيما بلغت حصيلة الانتهاكات منذ إعلان ترامب المشؤوم من تاريخ 7/ 12-30/ 12/ 2017 هي: 25 انتهاكاً منها 12 إصابة بصفوف المسعفين والمتطوعين، 3 حالات عرقلة لسيارات الإسعاف أثناء تأديتها واجبها الإنساني، و10 حالات اعتداء على سيارات الإسعاف.

“هوليود” التي خلدت في الفيلم الشهير “بانغ بانغ كلوب” ذكرى المصور جريج مارينوفيتش الذي نال جائزة “بوليتزر” التصوير الفوتوغرافي في عام 1991 لتغطيته قتل أعضاء المؤتمر الوطني الأفريقي (هو الحزب الذي ينتمي إليه الراحل نيلسون مانديلا والمتعاطف مع القضية الفلسطينية) قتل جاسوسا أو هكذا كان يعتقد، وكيفن كارتر الذي حصل على جائزة بوليتزر لصورته خلال مجاعة عام 1993 في جنوب السودان الذي انفصل لاحقا عن السودان، وجيمس ناكتوي الذي أصيب خلال تغطيته لغزو الولايات المتحدة للعراق، وجواو سيلفا الذي فقد ساقه خلال مرافقته دورية احتلال أميركية خلال نشاطها في قندهار والذي كرمه الرئيس السابق باراك أوباما في مكتبه بالبيت الأبيض، لكنها لم تلتفت إلى مأساة الصحفي العامل أيضا في وكالة “الأسوشيتد برس” الأميركية حاتم موسى.

وكان موسى قد تعرض لانفجار من مخلفات الاحتلال بترت على إثره ساقه وخضع بعدها لـ45 عملية جراحية آخرها كان قبل شهرين بعد بدأت سوائل تخرج مجددا من بطنه، وفي ذات العام (2014) الذي استشهد فيه أيضا 17 صحفيا، وأصيب 18 آخرين، وقصف 17 مقر إعلاميا في قطاع غزة.

موسى الذي لا تسعفه أنفاسه حتى اللحظة من إكمال الكلام رغم أنه وفي إحدى العمليات الجراحية ثقبت الرقبة عند الحلق وركب جهازا لمساعدته على التنفس، يعاني أيضا من إزالة أجزاء من قدمه الأخرى، ومن وجود تجويف في بطنه بفعل الإصابة، وإصابة في اليد، حيث لا يزال حتى اليوم يتلقى العلاج في أجزاء جسده المتضررة.

(42 عاما) هو عمر حاتم موسى قضى منها 20 في العمل الصحفي ولايزال على عكازه، ورغم كل ما يعانيه يمارس ولو بشكل خفيف عمله كمصور، ويقول: “هذه الطريق رغم خطورتها إلا أنها دافع وطني وأخلاقي من الصحفي تجاه قضيته ووطنه”.

وبحسب نقابة الصحفيين فقد شهد شهر ديسمبر 2017 تصاعداً ملحوظاً في الانتهاكات ضد الصحفيين الفلسطينيين مقارنة بذات الشهر من العام الماضي، وتزامن هذا التصاعد الذي رصدته النقابة في تقريرها الشهري، مع التغطية الصحفية المهنية للاحتجاجات على “إعلان ترامب” منذ السادس من ديسمبر.

وسجلت النقابة 147انتهاكا مباشرا، مقارنة بــ25 انتهاكات خلال شهر ديسمبر من العام الفائت، و26 انتهاكا خلال نوفمبر الفائت، فيما أضيف للاعتداءات المباشرة حملة تحريض واسعة برعاية رسمية، رصدتها النقابة وخاطبت الاتحاد الدولي واليونسكو والمفوض السامي لوقفها، فيما خاطب الاتحاد الدولي حكومة الاحتلال وإدارة “فيسبوك” بضرورة اتخاذ إجراءات فورية لوقف التحريض بشكل مباشر.

وبلغت ذروة التحريض عبر الصحفي الإسرائيلي بن كاسبيت في مقال له نشر في صحفية معاريف في التاسع عشر من ديسمبر، طالب فيها بإبعاد الكاميرات عن عمليات “معاقبة” جيش الاحتلال لأهالي قرية النبي صالح، مشيرا إلى الطفلة عهد التميمي، ومطالبا جيشه بممارسة “عقابه” في الظلام بعيدا عن الإعلام.

ربما يعجبك أيضا