الساعة الأخيرة في حياة “ناصر”.. من “قمة طارئة” إلى “راحة مرجوة”

إبراهيم جابر

رؤية – إبراهيم جابر:

القاهرة – اليوم 28 سبتمبر عام 1970، الساعة تقترب من الرابعة والنصف ظهرا، في خضم أحداث حرجة من عمر الوطن العربي، وفي أعقاب قمة طارئة لقادة الدول العربية في القاهرة، لوقف مذابح أيلول الأسود بين الجيش الأردني ومقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية، يعود الرئيس المصري جمال عبد الناصر إلى منزله ليعيش المشهد الأخير من حياته تاركًا خلفه إرثا ونضالا وقومية لا زالت أصداؤها تحيط بأفئدة العرب جميعا.

ناصر أو زعيم الأمة لم يكن مجرد رئيس لمصر، لكنه كان رمزا قوميا يعرفه القاصي والداني في العالم، باحثا عن قوة عربية ووحدة إذا اشتكى منها عضو تداعت لها سائر الأعضاء سندا وعونا.

“الساعة الأخيرة”

في تمام الساعة الرابعة والنصف ظهرا، عاد عبد الناصر إلى منزله بعد توديعه أمير الكويت الشيخ سالم الصباح بعد نهاية القمة الطارئة، وكان قبلها مريضا وألزمه الأطباء بالمكوث في منزله بضعة أيام من أجل الراحة حتى لا تتفاقم حالته الصحية، لكنه قطع إجازته بسبب الأزمة التي كان يعاني منها الوطن العربي وقتها.

وعقب وصوله اتصل أحد أفراد أسرته بطبيبه الخاص الدكتور الصاوي حبيب، لطلبه على وجه السرعة بسبب تردي الحالة الصحية للزعيم، وهنا يحكي “حبيب” في مذكراته الخاصة، قائلا: “توجهت إلى منزل الرئيس في منطقة منشية البكري، ودخلت إلى حجرة نومه فوجدته مستلقيا على سريره مرتديا بيجامته، ورأسه مرتفع قليلا، وقال له (ناصر) (شعرت بتعب شديد أثناء توديعي أمير الكويت، وأحسست أن قدماي تكادان لا تقويان على حملي”.

وتابع الصاوي: “فحصته، ولاحظت وجود عرق بارد على جبهته، كما كان وجهه شاحبا بعض الشيء، والنبض سريعا خيطيا يكاد ألا يكون محسوسا، وضغط الدم بالغ الانخفاض، وكانت أطرافه باردة، وأحسست في الحال بخطورة الموقف، وتوجهت إلى حجرة مكتبه الملحقة بغرفة النوم أطلب من السكرتارية استدعاء الدكتور منصور فايز، والدكتور زكي الرملي فورا”.

ويروي الصاوي: “شعرت بشيء من الخوف الغامض، ووجدت نفسي أدعو له بالشفاء، وقمت بعمل رسم القلب، وبدأت العلاج وحضر الطبيبان منصور فايز، وزكي الرملي بعد نصف الساعة، واستمر العلاج لفترة دون تغيير في رسم القلب، إلا أن بعض التحسن ظهر في الكشف الإكلينيكي”. 

اعتدل ناصر في جلسته قليلا ليفتح الراديو الموجود بجوار سريره خلال استماعه لنشرة الخامسة، قائلا لـ”حبيب”: “أرغب في سماع خبر في نشرة الخامسة” وظل يستمع إلى نشرة الأخبار دون أن يذكر الخبر الذي كان يريد أن يستمع إليه حتى انتهت النشرة دون أن ينطق بكلمة.

“الدقيقة الأخيرة”

يقول الصاوي: “عقب انتهاء النشرة أغلق الرئيس الراديو، وقال لي جملة واحدة (أنا استريحت يا صاوي) وفوجئت بعدها برأسه تميل إلى الجانب فجاة”، لتكون الجملة الأخيرة في حياة المناضل الذي ما لبث يومًا إلا وكان أحد همومه إما بحثا عن قيمة وطنية أو وحدة قومية رغم الأخطاء العديدة التي ارتكبت في عهده والهزيمة المهينة التي تعرضت لها خلال فترة حكمه في 6 يونيو عام 1967.

وتابع الصاوي: “في الحال تحسست النبض فوجدته قد توقف، وأخذت أردد (استراح جمال عبد الناصر، كما جاء في آخر عبارة قالها، استراح كما جاء في دعاء اللهم اجعل الموت راحة لنا من كل شر)، ومضيت إلى آخر الحجرة، وفي داخلى شعور بالحزن والمرارة، وعلى السلم الداخلي في المنزل ووجدتني أقول لمن وجدته في الخارج من أهل المنزل خلاص مفيش فايدة”.

نبأ وفاة “زعيم الأمة” هز الوطن العربي من شرقه إلى غربه، وعاشت مصر ليلة باكية، لتكون جنازته جزءا هاما من مسيرة نضال جندي مصري حتى إن عدد مودعيه بلغ حوالي 5 ملايين شخص من كل بقاع الأرض، تقدمها زعماء عرب في مقدمتهم: “ملك الأردن الحسين بن طلال والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات”، ليختتم بها المشهد الأخير في حياة الزعيم، وتبقى ذكراه تخاطب قلوب وأرواح المناضلين في شتى أرجاء العالم.

ربما يعجبك أيضا