“عفرين” و”منبج” في مرمى النيران التركية

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد  

التهديدات والحشود التركية باقتحام منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي لا تتوقف، وبات السؤال اليوم متى تبدأ المعركة وليس هل تحدث أم لا، والأمر الوحيد الذي قد يوقفها هو إعلان مليشيات “ب ي د” العامود الفقري لقوات “قسد” الانسحاب من منبج وعفرين. 

وقد زج الجيش التركي بتعزيزات عسكرية ضخمة باتجاه الحدود السورية وريف حلب الشمالي ونقاطه في شمال إدلب، وتقول أنقرة إنها معركةِ “أمن قومي تركي ضدَ مليشيات “ب ي د”.

ويرى محللون أتراك أن هذه المرحلة من أصعب المراحل في تاريخ تركيا لانتقال مشاكلها من الجانب السياسي إلى العسكري، وبحسب مقال تحليلي نشرته صحيفة “يني شفق” التركية، باللغة الإنجليزية، لرئيس تحريرها “إبراهيم قره غول”، قال فيه إن “التهديد الحقيقي لتركيا يكمن في الممر الواقع بين مناطق سيطرة YPG/PKK في غرب سوريا “.

التصريحات التركية

الرئيس التركي قال : “مضطرون لعرقلة الحزام الإرهابي المراد تأسيسه من أقصى شرق سوريا إلى البحر المتوسط، فلا يمكننا السماح بتنفيذ هذا المشروع”، وجدّد أردوغان انتقاده للقرار الأمريكي فيما يتعلق بتشكيل قوّة عسكرية في سوريا تحت إشراف ميليشيا قوات قسد، حيث قال: ستأتي أمريكا من مسافة 11-12 كيلو متر وتنشئ جيشا وتسميه بـ “أمن الحدود”، عن أي أمن حدودي تتحدث؟ النظام في سوريا بدوره أكّد على أنّ القرار يشكل تهديدا بالنسبة إليه، وهذا يعني أنّهم بدورهم لا ينظرون إلى الأمر بإيجابية”.

وتوعد أردوغان، بأن بلاده “ستدمر قريباً أوكار الإرهابيين في سوريا، بدءاً من مدينتي عفرين ومنبج، بالريف الشمالي لمحافظة حلب.
أما الحكومة التركية فأكدت أن عملية عفرين ستنطلق دون سابق إنذار، فيما قال مجلس الأمن القومي التركي إن أنقرة لن تسمح بتشكيل جيش “إرهابي” على حدودها.

فيما أكّد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على أنّ عملية عفرين لن تؤجّل، لافتا إلى أنّ التصريحات الأمريكية في هذا الصدد لم تكن مطمئنة بالنسبة إلى تركيا.

في حين، قال وزير الدفاع التركي، نور الدين جانكلي، إن أمريكا زودت حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، بأسلحة وذخائر تكفي لتسليح جيش قوامه 50 ألف جندي.

من جانبه شدد زعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي كلمته أمام الكتلة البرلمانية لحزبه على ضرورة الإسراع بعمليّة عفرين، قائلا: “على تركيا أن تبدأ بالتحرّك لتطهير الإرهاب في مصادره، فقطع الممر الإرهابي والحيلولة دون إيصاله بالبحر الأبيض حق حلال لتركيا، يجب تطهير عفرين”.

الاستراتيجية التركية

أشار أفق أولوتاش الكاتب التركي لدى صحيفة أكشام، إلى أنّ عملية عفرين دخلت مرحلة جديدة  بالنسبة إلى بلاده، لافتا إلى أنّ عملية عفرين لم تبدأ حديثا، وإنّما بدأت منذ زمن طويل.

وأضاف الكاتب أنّ استراتيجية تطويق المدينة من قبل القوات المسلحة التركية، كمرحلة أولى في العملية آتت أكلها، وأثمرت عن نتائج إيجابية، مؤكدا على أنّ المرحلة الثانية من العملية هي استهداف بشكل مباشر مواقع PYD وYPG.

وأردف أنّ أمام تركيا فيما يخص عملية عفرين سيناريوهين اثنين:

“السيناريو الأول: أن تعمل القوات المسلحة التركية التي انتهت من مرحلة التطويق، على دخول عفرين من خلال استخدام المدفعيات الحربية، والقيام بهجمات جوية من المناطق الحدودية القريبة، وهذا بمثابة الحل الجذري والأكثر فاعلية في المواجهة مع PYD وYPG، إلا أنّه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار باحتمالية حدوث مواجهات جديّة وذلك للاختلاف طبوغرافيا (طبيعة تضاريس) عفرين الكبير عن مناطق درع الفرات، ولكن يمكن استهداف سهل عفرين من خلال ضربات استراتيجية عبر إدلب”.
 
“السيناريو الثاني: إضعاف عفرين -المطوقة أصلا- عبر استهدافها للمدى الطويل بالمدفعيات، ويمكن للطائرات الجوية أيضا من دون الحاجة إلى قطع الحدود باتجاه سوريا أن تنفذ هجمات جوية، وهذا خيار أشبه ما يكون بدرء المخاطر عن النفس، وبعيد هذه المرحلة من الممكن أن تعمل تركيا بالتعاون مع قوّات درع الفرات انطلاقا من غرب مارع على إنشاء نقطة وصل بين حلب وإدلب”.

ونوّه الكاتب إلى احتمالية لجوء التنظيم فور شعوره بالهزيمة إلى طرق أبواب النظام، كما فعل في مرات سابقة، وبالتالي قد تُترك عفرين لسيطرة النظام.

أمريكا والتحالف الدولي

الموقف الأمريكي جاء متذبذبا، فمن جانب خرج التحالفَ الدولي الذي تقوده أمريكا من المعادلة وأعطى ضوءاً أخضر لتركيا بقوله إن عفرين تقعُ خارجَ نطاقِ مسؤولياتِه، فيما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها لا تدعم عناصر تنظيم “ب ي د” في عفرين، شمالي سوريا، ولا تراهم جزءًا من قوات مكافحة تنظيم “داعش”.

في حين دعت وزارة الخارجية الأمريكية، “أنقرة إلى عدم اتخاذ أي إجراء من هذا النوع، وإلى عدم إدخال قواتها لعفرين”.
الجيش السوري الحر

وقال أردوغان: إنّ مقاتلين من الجيش السوري الحر سيشاركون في عملية عفرين.

وكشفت وسائل إعلام تركية، في شهر آب/ أغسطس الماضي، أن نحو 20 ألف مقاتل من الجيش السوري الحر سيشاركون في العملية العسكرية التركية، لطرد “ب ي د”.

والجدير الذكر، أن “قوات سوريا الديمقراطية” التي تهيمن عليها “وحدات الحماية الكردية” سيطرت من قبل على عدة مناطق في ريف حلب الشمالي، أبرزها مدينة “تل رفعت” وبلدة “منغ” ومطارها العسكري وقرى أخرى، بدعم جوي من الطيران الروسي، مستغلة انشغال الفصائل المقاتلة في مواجهة تقدم قوات الأسد والميليشيات الإيرانية بالريف الحلبي.

“ب ي د”

وقد ناشدت ميليشيا “ب ي د” قوى العالم لإيقاف القصف التركي لمنطقة عفرين وتحمل مسؤولياته تجاه عفرين”، كما طالبت الأمم المتحدة ومجلس الأمن التحرك الفوري والعمل بما يلزم كي تكون منطقة شمال سوريا بغرب الفرات وشرقها منطقة آمنة”.
فيما أعلنت ميليشيا “المقاومة السورية لتحرير لواء اسكندرون” التي يقودها “علي كيالي” أو ما يعرف باسم “معراج أورال” (نفذت مجازر بحق السنة في الساحل السوري) وقوفها إلى جانب ميليشيا حزب “ب ي د”، في حال شنت تركيا عملية عسكرية على مدينة عفرين شمال حلب.

رد النظام

أما نظام الأسد فوجه تحذيراً إلى تركيا من أنه سيتصدى على الفور لأي هجوم قد تشنه القوات التركية على عفرين شمال حلب، وذلك بعد أن أكّد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على أنّ عملية عفرين  لن تؤجّل، وأن بلاده تنسق مع روسيا وإيران بما يخص استخدام المجال الجوي السوري.

وقال نائب وزير خارجية النظام فيصل المقداد “سنقابل أي تحرك تركي عدواني وشن أي عمل عسكري يطال الأراضي السورية بالتصدي الملائم، وأنه في حال المبادرة إلى بدء أي عمل عسكري في منطقة عفرين، فإننا سنعتبره عدوانا يشنه الجيش التركي على أراضي سوريا”.
وزعم المقداد أن “قوات الدفاع الجوي السورية استعادت قوتها الكاملة وهي جاهزة لتدمير الأهداف الجوية التركية في السماء السورية، وهذا يعني أنه في حال اعتداء الطيران التركي على سوريا فيجب عليه ألا يعتبر نفسه في نزهة”.

الخطير أن دخول الجيش التركي إلى عفرين ومنبج، قد يؤدي إلى وقوع اشتباكات بينه وبين قوات النظام والمليشيات الإيرانية المتواجدة في “نبل” و”الزهراء”، خصوصا بعد التهديدات الأخيرة لبعض أركان النظام وتوعدهم بالتصدي للقوات التركية، وهذا يعني أن المنطقة بأكملها قد تشهد صراعا جديدا لم يكن في الحسبان.

   

ربما يعجبك أيضا