الجامعات الإيرانية .. قوة ناعمة مستدامة في الخارج

يوسف بنده

رؤية

تعمل إيران على تأسيس أذرع ناعمة لها بعدد من الدول ذات الأهمية الاستراتيجية لتكون أداة في تمرير أجندتها وإبقاء شعلة ثورتها متقدة. وتأتي الجامعات على رأس هذه الأذرع تنفيذا لمبدأ التعبئة التربوية الذي أوصى به الخميني.

وكان في السابق يجري فتح فروع الجامعات في سرية أو دون احتفالات مبالغ فيها، لكن في الفترة الأخيرة بدا واضحا تعمد إيران الإعلان عن مشاريع فروع جامعاتها الكبرى في بلدان المنطقة، من ذلك مشروع جامعة المصطفى في العراق، وتطوير فرع جامعة آزاد الإسلامية في لبنان، والإعلان الأبرز كان إعلان كبير مستشاري السياسة الخارجية للمرشد الأعلى علي خامنئي علي أكبر ولايتي عن افتتاح عدة فروع للجامعة في مناطق مختلفة من سوريا، ضمن خطوة تحمل ظرفية الإعلان عنها وارتباطها بتطور الوضع السياسي في سوريا أبعادا كثيرة تؤكد أن النفوذ الإيراني في المنطقة لا يقتصر على تقديم الدعم العسكري والمالي للميليشيات والأحزاب والأنظمة الموالية بل يتعداه إلى تطوير القوة الناعمة المستدامة.

نشر فكر الثورة أكاديميًا

يستثمر النظام الإيراني في انشاء فروع لجامعات إيرانية في العراق وسوريا ولبنان وغريها من دول المنطقة والعالم. تتبع هذه الجامعات لمؤسسات دينية مقربة من المرشد علي خامنئي وتروج لأيديولوجيا ولاية الفقيه، من أبرز هذه الجامعات:

جامعة المصطفى: لها فروع في 60 بلدا وتمرر أجندة الثورة الإيرانية تحت غطاء برامج ثقافية ودعائية وحقوقية. ومؤخرا تم الاتفاق على انشاء فرع للجامعة في منطقة الكاظمية في بغداد، وتملك فرعا في لبنان.

جامعة الفارابي: أول جامعة إيرانية في سوريا، وتم توقيع الاتفاق على افتتاحها سنة 2009، وهي فرع لجامعة إعداد المدرسين “تربية مدرس” الإيرانية.

جامعة آزاد الإسلامية: تعد ثاني أكبر جامعة بعد جامعة طهران وإلى جانب الفروع التي سيتم إنشاؤها في مدن سورية مختلفة تملك الجامعة فرعا رئيسيا في لبنان.

البقاء في دمشق

افتتحت جامعة آزاد الإسلامية (الجامعة الإسلامية الحرة) الإيرانية مؤخرا فروعا جديدة لها في سوريا والعراق. واحتفت إيران بشكل لافت بهذا الافتتاح الذي يحمل طابعا سياسيا يخرج الخطوة من سياقها التعليمي الثقافي لتكون جزءا من إستراتيجية تصدير الثورة على المدى الطويل.

وجامعة آزاد هي الجامعة الإيرانية الثالثة التي تفتح في سوريا، إذ سبق أن افتتحت إيران كلا من جامعة المصطفى وجامعة الفارابي منذ بدء التدخل العسكري الإيراني في سوريا إلى جانب النظام عام 2011. وتملك الجامعة فرعين في لبنان وفرعا في العاصمة الأفغانية كابل وهناك أحاديث عن مشروع فرع في اليمن.

ولا تهدف الجامعات الإيرانية خارج إيران بالضرورة إلى الربح المادي، يتأكد ذلك من خلفية الجامعة نفسها، التي افتتحها سنة 1982 روح الله الخميني لتنشئة جيل يؤمن بمبادئ الثورة الإسلامية، وهو الأمر الذي أكد عليه رئيس الهيئة التأسيسية والأمناء في الجامعة وكبير مستشاري السياسة الخارجية للمرشد الأعلى علي خامنئي علي أكبر ولايتي خلال حفل أقيم لتكريم أساتذة الجامعة، والإعلان عن افتتاح فروع للجامعة -التي تخضع لإشراف وزارة الإرشاد الإسلامي والثقافي في إيران- في سوريا، مضيفا أن “جامعة آزاد تستطيع خلق جيل جديد واع ومثقف في البلدان المجاورة لإيران”.

تسعى إيران من خلال الانتقال إلى مأسسة النفوذ الثقافي لجعل تلك الدول مرتبطة بنيويًّا بالعصب العقائدي للنظام الإيراني بغض النظر عن التفاهمات والتسويات والضغوط التي قد تطرأ على المستوى السياسي والتي قد تعيد تعريف النفوذ الإيراني في كامل المنطقة.

ويؤكد أحمد ماجيديار، الباحث في معهد الشرق الأوسط أن هذا التوسع جزء من استراتيجية إيران الناعمة والمتطورة التي تعزز الأهداف الأيديولوجية والسياسية لطهران، وهو أمر عبّر عنه ولايتي صراحة بالقول: إن “تأثير إيران في القوة الناعمة يساعد على نشر الإسلام (الشيعي وفق رؤية الولي الفقيه) في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الصين والهند والعالم العربي”.

التعبئة التربوية

يشكل الطلاب والجامعات قاعدة رئيسية في الفكر الخميني، فطلاب الحوزة والجامعات كانوا وقود الثورة الإسلامية الذي ألهب شوارع إيران وهز أركان إمبراطورية الشاه رضا بهلوي. لذلك تعمّد الخميني في خطاب الثورة أن يتوجه للطلاب والجامعيين، بالقول: “أيتها الأمة الإسلامية العالمية، السلام على الجامعيين والطلبة الأعزاء يا من تكونون جنودا للإسلام”، ولم يكن الجمهور المستهدف فقط الطلاب الإيرانيين بل الطلاب في كل أنحاء العالمين العربي والإسلامي الذين كانوا يتابعون بشغف وإعجاب التطورات في إيران سنة 1979.

لذلك، وبعد أن قامت الجمهورية الإسلامية، بدأ النظام يعمل على مبدأ تصدير الثورة، وذلك عبر استقطاب الطلاب من الدول العربية والإسلامية في مرحلة أولى ثم المساهمة في بعض الأقسام الخاصة بالفارسية والثقافة الإيرانية وإنشاء المراكز الثقافية في المنطقة وصولا إلى بناء المدارس وتمويل الجامعات خصوصا في الدول الأفريقية الفقيرة، ثم بدأت الخطوات الأولى في لبنان بعد سيطرة حزب الله فالعراق بعد 2003 واليوم في سوريا.

وحتى قبل إنشاء فروع الجامعة، وقبل أن يأتي دور حزب الله وفيلق القدس والميليشيات المسلحة، كانت هناك طرق أخرى تعتمد عليها إيران كقوة ناعمة من ذلك المراكز والملحقيات الثقافية والأيام السينمائية واتفاقيات التوأمة بين المهرجانات والجماعات بالإضافة إلى البعثات الطلابية والحسينيات ومراقد الأئمة عند الشيعة.

تغلغل إيراني في العراق وسوريا

يعكس الكشف عن موافقة الرئيس السوري بشار الأسد على فتح فروع لجامعة آزاد في “كافة المناطق السورية”، توجها إيرانيا نحو تأكيد الوجود الإيراني في سوريا ليس فقط على المستويين العسكري والأمني، وليس عن طريق الميليشيات الرديفة التابعة للحرس الثوري الإيراني، بل أيضا من خلال هيمنة ثقافية تُدخل عقيدة الولي الفقيه وجهود التشيّع لاختراق النسيج الاجتماعي السوري.

وفي الظاهر يبدو فتح مدارس وفروع لجامعات إيرانية دينية يتعارض مع خطاب النظام السوري الذي يفاخر بأنه علماني يحارب التيارات الإسلامية. ولا يعتبر قرار الرئيس السوري مفيدا للتعليم في سوريا على النمط الذي عهدته البلاد وفق برامجها الدراسية والتربوية المعروفة، بل جاء استجابة للإرادة الإيرانية في تأكيد حضور طهران هذه الأيام كما في المستقبل داخل التفاصيل المتعلقة بثقافة العيش وتقاليده في سوريا.

وأنشطة التشيع ماضية على قدم وساق في سوريا منذ أكثر من عقدين وتكثّفت غداة انطلاق المواجهات في سوريا عام 2011. ويأتي قرار الأسد الأخير ليؤطّر الوجود العقائدي والمذهبي الإيراني داخل مؤسسات جامعية تنقل إلى الطلاب السوريين أيديولوجيات الجمهورية الإسلامية. وسيؤمن لنظام الولي الفقيه قاعدة اجتماعية واسعة في سوريا كما في بقية البلدان التي تنشط طهران داخلها.

ويأتي القرار السوري متكاملا مع جهود قامت بها إيران تأخذ نفس الطابع التعليمي خدمة لأغراض التشيع وفق نظرية نظام ولاية الفقيه. ويشير حسين عبد الحسين، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والخليج، إلى أن النفوذ الإيراني في المنطقة لا يقتصر على تقديم الدعم العسكري والمالي للجماعات الموالية لها فقط، بل يتعداه إلى ما يسميه الإيرانيون “التعبئة التربوية”.

ويضيف عبد الحسين، في تصريحات نقلتها قناة الحرة الأميركية، في تغطية حول دور الجامعات الإيرانية في نشر التشيع وتصدير مبادئ الثورة، أن إيران “تعمل على تطوير مشروع متكامل لتعزيز نفوذها سياسيا وعسكريا وثقافيا في المنطقة، بدأ في لبنان وانتقل إلى سوريا والعراق ومن ثم اليمن، وقد ينتقل مستقبلا إلى دول أخرى”.

وكانت وسائل إعلام عراقية ذكرت أن الحكومة الإيرانية تواصلت مع نظيرتها العراقية لإنشاء فروع لجامعة آزاد الإسلامية. وجاء الرد العراقي على لسان همام حمودي عضو البرلمان العراقي ورئيس المجلس الأعلى الاسلامي، بأن دولة العراق ترحب بمقترح الحكومة الإيرانية، وسيتم الاتفاق على إنشاء أكثر من فرع للجامعة في مدن عراقية مختلفة، منها كربلاء والنجف والعاصمة بغداد.

وأكّد صحة هذه المعلومات ولايتي الذي أشار، خلال مراسم تقديم المشرف على دائرة الشؤون الدولية للجامعة، علي رضا شيخ عطار وتكريم المشرف السابق حسين ابراهيمي، إلى لقائه الرئيس الجديد للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي همام حمودي، موضحا أن الأخير أعرب عن موافقته أيضا على تأسيس فروع للجامعة في المدن العراقية، لافتا إلى أن مذكرة تفاهم قد تم التوقيع عليها مع السيد عمار الحكيم لفتح فروع للجامعة في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة وبغداد والبصرة وأربيل.

وكانت مواقع إيرانية رسمية أعلنت عن وضع حجر أساس أول جامعة إيرانية تشمل خمس كليات للعلوم التجريبية والإنسانية والإسلامية. وسيكون مقر الجامعة في مدينة الكاظمية ذات الأغلبية الشيعية في بغداد وتحمل اسم “المصطفى”، وتضم كليات الآداب والفقه والقانون.

وتتخذ جامعة المصطفى من مدينة قم مقرّا رئيسيّا لها. وللجامعة فروع في 60 بلدا، تمرر أجندة الثورة الإيرانية تحت غطاء برامج ثقافية ودعائية وحقوقية.

وتملك جامعة المصطفى، وهي مؤسسة تعمل على نشر التشيع في جميع أنحاء العالم، من إندونيسيا إلى بوركينا فاسو والنيجر، فرعا في لبنان. كما يوجد في لبنان فرعان لجامعة آزاد. وقد أبدى ولايتي استعداده لتطوير فرع الجامعة في لبنان، خلال لقائه السيد حسن نصرالله، حيث أعلن أمين عام حزب الله، وفق تصريحات ولايتي عن استعداده لاكتساب الرخصة من وزارة التعليم العالي في لبنان. واستغربت دوائر لبنانية مفاتحة ولايتي لنصرالله بالأمر بدل المرور من خلال الحكومة اللبنانية ووزاراتها المتخصصة.

يربط المراقبون ما بين توقيت الإعلان عن فتح فروع جامعة آزاد الإسلامية والتطورات الميدانية في الداخل السوري والتي لا يبدو أن طهران تضمن نتائجها، حيث تدرك إيران صعوبة اختراقها لمناطق نفوذ صارت تخضع لروسيا والولايات المتحدة وتركيا والأردن وفق خارطة مناطق خفض النفوذ، لذلك أعادت التركيز على المناطق المفترض أنها خاضعة للنظام السوري بغية ضمان خضوعها الكامل نظاما ومجتمعا ومؤسسات، بما فيها التربوية منها، داخل الفضاء الثقافي الإيراني.

تصدير الثورة

تأمل طهران تأمل من خلال نشر الثقافة الإيرانية واللغة الفارسية في جعل أسواق سوريا ولبنان والعراق واليمن جاهزة لاستيعاب السلع الإيرانية سواء كانت منتجا ثقافيا أو منتجا سياسيا أو دينيا أو مذهبيا.

ويكشف الإعلان السوري عن مواصلة إيران سياستها في تصدير الثورة وفق أنماط مختلفة، كما يكشف عزم إيران على عدم الخضوع لضغوط الشارع الأخيرة والتي جاهرت بالمطالبة بأن تكون “إيران أولا” ووقف الهدر المالي المُنفق من الخزينة الإيرانية لصالح أجندات الحرب والنفوذ الإيرانيين في العالم العربي.

وفيما رفع المتظاهرون شعارات “لا غزة لا لبنان لا اليمن”، ما زال الحاكم في طهران يعتبر أن انتشار نفوذ النظام الذي يمسك به الولي الفقيه ويحميه الحرس الثوري ويحضنه التيار المحافظ، يحتاج إلى تأكيد انتشاره في الخارج كشرط من شروط البقاء في الحكم في طهران.

وتتأسس الأزمة الاقتصادية في إيران على هدر مالي على حساب الفئات الشعبية في البلاد وعلى إنفاق لا يتعلق بالتنمية الداخلية في البلاد بل جزء كبير من مداخيل البلد يذهب إلى المؤسسات الدينية والمذهبية القريبة من مؤسسة ولاية الفقيه والرافدة لها.

على سبيل المثال تفوق ميزانية جامعة المصطفى العالمية حجم الميزانيات المشتركة لوزارة الطرق والتنمية الحضرية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية والمنظمة الوطنية للغذاء والدواء.

ويؤكد أحمد ماجيديار أن طهران تستخدم “أسلحة القوة الناعمة هذه لتكمل استراتيجيات إيران في مجال القوة العسكرية، حيث تقوم عن طريق المنظمات التعليمية والجمعيات الخيرية والثقافية باستقطاب الشباب الشيعة في المنطقة وربما تجنيدهم في الصراع الإقليمي الذي تشارك فيه إيران من أجل السلطة والهيمنة”.

ويضيف ماجيديار أن الجمعيات الخيرية والثقافية الإيرانية توفر غطاء مدنيا للحرس الثوري وعناصر قوة القدس السرية للقيام بأنشطة تخريبية. ويقدم كمثال المركز الثقافي الإيراني في لبنان الذي يؤكد ماجيديار أنه يعمل ضمن شراكة وثيقة مع الدائرة الثقافية لحزب الله من أجل تنفيذ مشاريع مشتركة وجمع الأموال. وتعمل لجنة الإمام الخميني للإغاثة، التي تعتبر ظاهريا منظمة خيرية، على تعزيز الأهداف الأيديولوجية والسياسية لطهران في المنطقة وتساعد جهود الحرس الثوري الإيراني من وسط وجنوب آسيا إلى الشرق الأوسط وما وراءه.

المصدر: صحيفة العرب

ربما يعجبك أيضا