عملية غصن الزيتون وتداعيات الصراع التركي – الكردي المستقبلية

يوسف بنده

رؤية

ما تزال عمليات الجيش التركي متواصلة واستخدام مفرط لجميع أنواع الأسلحة مع إمدادات لا تنقطع لحدات الجيش المتقدمة.

كأنه سباق مع الزمن، تركيا تتنظر إحراز نصر سريع بخسائر أقل يثبت أقدامها على الشريط الممتد في الشمال السوري في موازاة حدودها.

التعجيل في النصر عبّر عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يقود العمليات الحربية بنفسه ويشرف عليها مع أنه لم يعرف عنه في تاريخه أنه كان ضابطا يوما.

الرئيس التركي وعد أنصاره بنصر قريب هو في أمسّ الحاجة إليه لثبيت دور تركيا لاعبا إقليميا يحسب له حساب في المنطقة من جهة، ولاستثمار النصر المفترض لجني نقاط إضافية على أعتاب الانتخابات المقبلة.

لكن في وسط ذلك تريد تركيا أن تنجو سريعا من وابل الانتقادات الدولية والتحذيرات المتواصلة على أعلى المستويات.

خارجية أردوغان كانت قد اشتبكت في ملاسنات بائسة ولا طائل من ورائها مع فرنسا وأميركا وألمانيا وغيرها، فكل من يعترض على غصن الزيتون يلاحقه لسان سليط لا يمت للدبلوماسية بصلة لكنه يتماهى مع أسلوب أردوغان الخطابي الهجائي بل ويستخدم مفردات أردوغان حرفيا.

إذن تنتظر تركيا نصرا حساما سريعا يقبر ما بنته أميركا وعدد من حلفائها الغربيين من جسور ثقة مع اكراد سوريا فناصروها في حربها على الارهاب واذا بها تتركهم لمصيرهم تحت مدافع الجيش التركي وقاصفاته.

هنا في هذه البقعة الدامية من الأراضي السورية يختلط الحابل بالنابل، فالأكراد السوريون الذين قاتلوا تلبية لدعوة أميركا وتحت سمعها وبصرها وبإشراف ضباطها ودخلوا وكر الدبابير في الرقة وقاتلوا تنظيم داعش بضراوة وقدموا تضحيات هم في نظر تركيا الرسمية مجرد ثلة من الإرهابيين.

وبهذا اختلط الأمر في دوامة الصراع، أرادت لهم أميركا حكما ذاتيا شبيها بحال أقرانهم في شمال العراق وإذا بهم يجدون أحلامهم يجري وأدها تباعا.

بالطبع إن الحرب سجال وما زالت الأمور في بداياتها وصراع تركيا الدامي مع خصومها اللدودين الأكراد ها هي تنقله إلى خارج حدودها.

تركيا الرسمية تذكر دول الاستعمار القديم بأدوارهم يخاطب وزير الخارجية التركي فرنسا قائلا: “نحن لسنا مثل فرنسا التي اختلت الجزائر ودول المغرب العربي وأفعالهم في القارة الأفريقية معروفة للجميع وليس لفرنسا الحق أن تعطينا دروسا”.

أما الرئيس أردوغان فقد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك قائلا: “بعض الدول تأتي من بُعد آلاف الكيلومترات للقيام بعمليات في أفغانستان وغيرها في كثير من المناطق بدعوى تشكيلها تهديدا لها، بينما يقال لتركيا التي لديها حدود بطول 911 كيلومتر مع سوريا أنه لا يمكنها التدخل لمواجهة الخطر هناك، نحن لا نقبل بهذا المنطق الأعوج”.

هذان التصريحان هما عينة تفسّر إلى حد كبير جوانب غير معلنة وراء العملية التركية من أهمها تحوّل تركيا إلى قوة تدخل إقليمي ودولي فيما وراء الحدود أسوة بما فعلته وتفعله دول أخرى.

يزيد من التصميم التركي على هذه الوظيفة المستجدة أن تكتفي تركيا بإمكاناتها في التسليح مع جيش ضخم عديده ثاني أكبر جيش الناتو بعد الولايات المتحدة.

في المقابل تجد تركيا في الصراع الدامي مع الأكراد سواء الأتراك أو السوريين أو قواعد بي كا كا في العراق خيارا استراتيجيا.

تركيا في ظل هذه الرؤية التي تسير عليها تعيد القضة الكردية في بلادها ومقاربتها للأقلية الكردية برمتها إلى الوراء وإلى المربع الأول ألا وهو مربع الصراع الدامي الذي لا أمد لانتهائه.

العودة إلى الماضي القريب ستحيلنا إلى طبيعة المقاربة التركية في صراعها مع الأكراد ، فبعد اعتقال الزعيم الكردي التركي عبد الله أوجلان نجحت تركيا في تحجيم النفوذ الكردي إلى حد كبير.

وصولا إلى العام 2013 عندما قدم أردوغان نفسه حزمة من الإصلاحات والحقوق للأقلية الكردية في تركيا مما أهلها لتدخل الحياة السياسية بقوة وتتحالف مع الدولة التركية ويدخل قادة الأكراد الأتراك من السياسيين البرلمان ويصبح لهم قوة سياسية مرموقة.

لكن تسارع الأحداث على الأرض السورية وتنامي القوة المسلحة لأكراد سوريا وتداخل الحلم الكردي تركيا وعراقيا وسوريا باتجاه الانفصال والدولة الكردية المستقلة سرعان ما غيّر المعادلة.

كان من العلامات البارزة استفتاء بارزاني الشهير في العراق في سبتمبر 2017، كل ذلك جعل الموقف التركي يدخل في أزمة حقيقية مع الأكراد ثم في صراع سياسي بتصفية وجودهم في البرلمان وزجّ زعمائهم في السجون ثم في خوض الحرب الطاحنة التي نشهد فصولها على الأرض السورية اليوم.

الحاصل أن تركيا -ومن خلال عملية غصن الزيتون- تريد إثبات حقائق وأمر واقع جديد ومقاربة مختلفة للقضية الكردية.

بالطبع هي حسابات متفائلة وربما غير واقعية، فالظن أن محو الوجود الكردي بالمدافع والقاصفات غير ممكن أصلا ومن جهة أخرى لابد من مقاربة أخرى مختلفة مع النزعة المليشياوية لدي فصائل وأجنحة كردية متعددة لا يعرف بعضها غير لغة الحرب والانتقام.

من الجانب الآخر تشهد فصول الصراع نزعات أقرب إلى الشوفينية من خلال تأجيج النزعات القومية المتبادلة بين الطرفين وكل قومية تنادي بشعاراتها وأهدافها وتشخص عدوّها ممثلا في الطرف الآخر.

الصراع التركي – الكردي بعد هذا العرض مرشح إلى مزيد من التصعيد والتعقيد ومزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات ومزيد من الدمار وانعدام لغة التعايش السلمي مع تصاعد نزعات الانتقام العرقي والإثني التي لا تجد إلا في السلاح أداة لفرض الأمر الواقع.

المصدر: أحوال تركية

ربما يعجبك أيضا