تحت قبة البرلمان.. رُفعت الجلسة ولا عزاء للسياسة

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

ليس مجرد مبنى فخم ذا جدران أنيقة عالية، فهو رمز في العديد من الدول حتى لو اختلفت مسمياته “مجلس النواب” أو “المجلس التشريعي” ، كلها مجرد مسميات لقبة واحدة هو “البرلمان” أو المتحدث الرسمي عن الشعب.

في عام 2015 أصدر معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية دراسة عن دور البرلمانات في الدول العربية والتغييرات التي طرأت على الكثير منها منذ اندلاع الربيع العربي، وتشير معدّتا الدراسة إلى أن الإصلاحات التي شهدتها العديد من الدول العربية بعد 2011، أعطت دورا أقوى إلى المؤسسات التشريعية، ولم تعد أغلب البرلمانات العربية تبدو وكأنها “أصداف فارغة” تصادق شكليًّا على قرارات الحكومة.

أقدم مؤسسة تشريعية

تشير الدراسة التي أصدرها “معهد الاتحاد الأوروبي” إلى أن المواطنين العرب يرون أن برلماناتهم ليس لها تأثير يذكر على العملية السياسية،أضف إلى ذلك غياب الثقة الأمر الذى له عدة أسباب:-

 أولًا – غالبًا ما يرتبط البرلمانيون في العالم العربي ارتباطًا وثيقًا بالنخب السياسية ومن ثَمّ بالأنظمة الاستبدادية.

ثانيًا – يُتهمون أنهم يَرْشون الناخبين بالمال والوظائف وغير ذلك من الامتيازات.

ثالثًا- بمعدل أعمار يصل إلى 55 عاما، يعتبر أعضاء البرلمان العرب من أكبر البرلمانيين على وجه الأرض سنًّا.

ففي مصر ومنذ إعادة الانتخابات في سنة 1976 تراوحت نسب المشاركة في الانتخابات التشريعية بين 18 بالمئة و30 بالمئة، وحتى الانتخابات الحرة التي جرت في سنة 2011 جذبت 65 بالمئة فقط ممّن يحق لهم التصويت.

وفي تونس بقيت نسبة المشاركة بين 50 و65 بالمئة منذ الثمانينات من القرن العشرين، ونجد نسبًا مماثلة في لبنان، وبصفة عامة ترتفع نسبة المشاركة عندما يشعر المواطنون بأن أصواتهم لديها تأثير حقيقي، بينما تدل النسب الضعيفة على نفور المواطنين من النظام.

تجارب عربية

انتهت الحرب الأهلية اللبنانية باتفاق بين البرلمانيين الناجين في سنة 1990، وحسب هذا الاتفاق السياسي تم تخصيص كل المقاعد في البرلمان لممثلين عن طوائف دينية.

وفي المغرب قوّى دستور سنة 2011 البرلمان؛ إذ يتولى أكبر حزب تعيين رئيس الوزراء، ويجب أن تحصل الحكومة على موافقة المجلس، ولديه إشراف أوسع على الحقوق المدنية والمسائل الانتخابية.

وهذه بضعة أسابيع متبقية على عمر البرلمان العراقي الذي كان مثيرًا للجدل وحافلًا بالخلافات والانقسامات طيلة الأربع سنوات الماضية.
وها هو البرلمان المصري يعوض الانتقادات السياسية الموجهة ضده من الخارج بتحركات تخص محاصرة الرشاوى والفساد.
وهؤلاء النواب الكويتيون يمنحون الثقة لوزيرة الشؤون الاجتماعية بعد استجوابها.

أما السعودية وهي الأبرز في المشهد العام هذه الأيام- فتشهد تطورات تشريعية متتالية وغير مسبوقة رحّبت بها كل الأطراف الدولية.

ليسوا مجرد دمى

الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، في زيارته الأخيرة إلى تونس، ألقى كلمة تحت قبة البرلمان أمام نواب مجلس الشعب، وهذا خير دليل على الاعتراف الدولي بأن أعضاء هذا البرلمان العربي ليسوا مجرد دمى في يد السلطة أو قطع ديكور تابع للدولة بل هم فاعلون ومؤثرون داخل بلدانهم.

الأمر ينطبق على برلمانات عربية أخرى وبنسب متفاوتة، كان ولا يزال في تاريخ البرلمانات العربية من يرفض ويعارض ويشاكس على أداء الحكومات، وإن تفاوتت مستويات وهوامش الحرية من بلد إلى آخر.

فلا يستطيع أن ينكر أحد أن السلوكيات الشاذة والممارسات الفاسدة موجودة في أعتى وأعرق الديمقراطيات الغربية، قد يكون البرلمان الأوكراني “الحلبة الأشهر” للملاكمة بين البرلمانيين في العالم، فقلما تمر دورة انتخابية دون حدوث ملاكمات وعراك بالأيدي بين ممثلي الشعب، وغيرها الكثير، فما بالك في تجارب ما زالت تتلمس طريقها وسط عوائق تزيد كل يوم.

نائب لكراسٍ فارغة

يختلف نواب المجالس الشعبية من بلد لآخر، ولكنهم في الدول العربية لا يختلفون كثيرًا طالما هناك تشابه في المجتمعات والإدارات السياسية، لذلك يسهل تصنيفهم فهم إما جماعة مفروضة من قبل القيادات الأعلى في الدولة، أو أسماء تقليدية مكررة داخل الدوائر الانتخابية، وهناك نوع آخر هم جماعة النفوذ والمال السياسي، وهم كثيرون في الوطن العربي، بالإضافة إلى حالات منفردة والتي قد تتميز بإراداتها الحرة والمستقلة ثم سرعان ما تفقد حماسها ويخبو بريقها.

ثمة نواب يحضرون لمجرد عدم التغيب وربما خشية أن لا يقتطع من رواتبهم كما هو الحال في برلمان تونس، وما أثاره قرار الاقتطاع الذي احتجّ عليه أغلب الأعضاء بشدة، وثمة نواب يحضرون للاستعراض وتسجيل النقاط ضد خصومهم من الكتل البرلمانية الأخرى.

“الجردل والكنكة”.. في البرلمان

ولأن النائب جزء من الشعب كان لابد من ظهوره في الأعمال الفنية بشكل كوميدي حتى لا يتعرض القائمون على العمل للمساءلة القانونية، فقد ظهر إما خارجا عن القانون أو مرتشيا أو تاجر مخدرات، ولكنه في نهاية الأمر عضو في البرلمان وممثل عن الشعب ولكن أي شعب يمثله؟

 في فيلم “صراع في الوادي” ، الذي قام ببطولته “عمر الشريف – وفاتن حمامة – وزكي رستم – وفريد شوقي”، ناقش الفيلم الاستبداد الذي كان يمارسه أصحاب النفوذ والأموال على الفلاحين والبسطاء، وكيف أنهم يذهبون إلى القرية التي نشأوا منها فقط من أجل تحسين علاقتهم بأهلها للحصول على أصواتهم في الانتخابات البرلمانية، ولكنه بعيد تمامًا عن مشاكلهم وقضاياهم، ويكسب أصواتهم بتهديدهم بالاستيلاء على أراضيهم، وهو ما يظهر لنا معاناة البسطاء في هذه الفترة من تاريخ مصر.

الزعيم” عادل إمام أكثر الفنانين الذين قدموا أفلامًا عن فساد نواب البرلمان، فقد قدم أفلامًا لا يمكن أن يستهان بها في هذا الباع ، ففي فيلم “الجردل والكنكة” وهو الجزء الثاني لفيلم “بخيت وعديلة” ، رصد إجراءات العملية الانتخابية منذ بدء النية في الترشح، وصولًا لمرحلة الدعاية والسمسرة وشراء الأصوات والمال السياسي، لخطف مقعد مجلس النواب لتحقيق المصالح الشخصية.

فهو “بخيت” الذى يحلم بدخول مجلس الشعب، ليكشف ذلك الوجه الخفي من أصوات الناخبين المغيبين وكيفية استقطاب أصواتهم بشكل كوميدي وهزلي، حيث يدخل المناطق العشوائية ليُعرّف بنفسه “بخيت حنيدق مهيطل” مرشح الدائرة عن فئة العمال رمز “الجردل” ولكن الكل منشغل في شرب “الشيشة” ، مرورا بمشاهد أخرى ترصد عملية سير العملية الانتخابية من مؤتمرات وصراع النواب بينهم البعض، إما بالطرق الملتوية أو الشريفة حتى يصل “بخيت” ومعه “عديلة” إلى مجلس الشعب كمواطنين شرفاء من الشعب لكن في نفس الوقت يصل أصحاب النفوذ وغير الشرفاء بأساليبهم الملتوية إلى مجلس الشعب.

تأتي عبارة برلمان من كلمة “برليه” الفرنسية، “أي تكلم”، وتعني بالدرجة الأولى مكانًا تُجرى فيه النقاشات، وهذا المفهوم غالبًا ما يؤخذ حرفيًّا في الأنظمة غير الديمقراطية، إذ تلعب البرلمانات الضعيفة دورًا رمزيًّا.

يعدّ البرلمان المصري أقدم مؤسسة تشريعية في العالم العربي تم إنشاؤها وفق النمط الغربي الحديث، في إقامة المؤسسات التشريعية المنتخبة التي تقوم بتمثيل جمهور الناخبين والتعبير عن مصالحهم في مواجهة السلطة التنفيذية.

الصوت المؤثر

ربما يعجبك أيضا