الزخم يعاود الضفة.. والنفير يهيمن على غزة

محمود

رؤية

كتب – محمد عبد الكريم

ما إن استحالت “انتفاضة العاصمة” نارًا، حتى عاد زخم المواجهات مع الاحتلال ليندلع كالنار في الهشيم عقب الملحمة الأسطورية للشاب أحمد نصر جرار، أو في نابلس “جبل النار – كما يسميها الفلسطينيون” في المواجهات التي هبت خلالها الجماهير حماية للمطلوب عبد الكريم عاصي، ليرتقي فيها الشاب خالد التايه شهيدًا.

وتتسارع وتيرة الأحداث في الضفة الغربية، من خلال عمليات إطلاق النار والطعن الفردية الغاضبة، بطريقة تشي إلى احتمالية الوصول إلى المواجهة الشاملة مع الاحتلال الصهيوني، في ظل ما تعانيه الضفة من تهويد واستيطان وما يحدث في قطاع غزة من تشديد للحصار، خاصة مع انسداد الأفق لأي تسوية سلمية في ظل التقدم الأمريكي على إسرائيل نفسها في تحقيق مصالح الكيان الصهيوني.

الفتى جرار الذي استطاع أن يؤجج بدمه المقاومة من جديد، حيث تكثفت العمليات ضد الاحتلال بعد استشهاده ففي الأمس وبحلول الصباح، شهد محيط مستوطنة كرمي تسور، شمال الخليل جنوب الضفة، عملية طعن جديدة أصيب فيها حارس أمن إسرائيلي، واستشهد منفذها حمزة زماعرة 18 عاما، سبقها ليلة ساخنة جدًّا في مواجهات نابلس، التي تحولت إلى ساحة حرب بين مئات الشبان الذين تسلحوا بالحجارة والغضب، لتتكشف غبار المعركة مع الاحتلال عن استشهاد الشاب خالد وليد التايه وإصابة 110 فلسطينيين خلال اقتحام المدينة، منها 32 بالرصاص الحي، سجلت منها حالتان خطيرتان، إلى جانب إصابة أخرى خطيرة لشابٍ دهسته آلية عسكرية.

وأظهر فيديو مصوّر من داخل إحدى الآليات العسكرية توتر أحد جنود الاحتلال معلقاً على المجريات: أنا في مدينة نابلس، هناك 10 آلاف فلسطيني يهجمون علينا… هذا آخر يوم في حياتي، كما يُظهر الفيديو نفسه الذي بثّه الناشطون تحطم جزء من الزجاج الأمامي للمركبة العسكرية، وذلك في ليلة وصفت بأنها الأعنف والأوسع منذ أربعة أعوام.

التقارير الإعلامية الإسرائيلية قالت إن الحملة في نابلس استهدفت عاصي، المتهم بتنفيذ عملية الطعن التي أدّت إلى مقتل مستوطنٍ حاخام، لكن المنفّذ هرب، ويوضح المتابع للشأن الإسرائيلي محمد أبو علان أن العدو اقتحم المدينة لوجود علاقة للمنفذ بها قائلا: صحيح أن عاصي يحمل الهوية الإسرائيلية الزرقاء لأن والدته من الداخل المحتل عام 1948، لكن والده من نابلس.

وجه آخر من الإخفاق كشفت عنه صحيفة “يديعوت أحرنوت” في تقرير أول من أمس، قال إن التحقيقات اكتشفت أن عاصي كان يتجول في مكان العملية قبل يوم من تنفيذها، بل تشاجر مع الجنود في المنطقة، الذين احتجزوه وأفرجوا عنه بعد أن تبيّن امتلاكه الهوية الزرقاء، ليعود في اليوم التالي ويقتل إيتمار بن غال بعدة طعنات في المكان نفسه.

اللافت في عمليتي حفات جلعاد التي نفذها جرار، وأريئيل التي نفذها عاصي، رغم اختلاف أسلوبهما، أنهما تتشابهان في عدة ظروف وتفاصيل، وليس في النتيجة وقتل مستوطنين متطرفين يقطنان قرب نابلس، بل في أن كلتا المنطقتين تمتاز بالمراقبة الأمنية المشددة، ووقوعهما على طريق استيطاني حيوي، وكذلك سرعة وصول الجيش إلى المكان، رغم ذلك كله، تمكن المنفذان من الانسحاب، وليس أخيراً تنفيذ رئيس أركان الجيش، جادي ايزنكوت، جولة تفقدية لموقع كلتا العمليتين، إذ زار منطقة العملية الأخيرة صباح أمس.

وفي حالة أريئيل، يبدو الأمر أخطر، فالعملية كانت في وضح النهار، عكس حفات جلعاد، وأمام بصر الجنود كما قال الإسرائيليون، وعلى طريق حيوي يربط شمالي الضفة بوسطها، كذلك فإن المتهم بتنفيذ العملية لم يمتلك سيارة للمغادرة، بل نزل من مركبة عمومية وفق كاميرا المراقبة، الأمر الذي يعني توافر فرصة سريعة لانقضاض قوات العدو عليه، لكن حدث العكس، إذ تمكن المهاجم من الانسحاب رغم دهسه مرتين بسيارة إسرائيلية واختفت آثاره بين أشجار الزيتون التي لم يجرؤ الجنود على ملاحقته فيها، رغم تمشيط طائرات الاستطلاع محيط العملية بعد وقتٍ قصير من وقوعها.

مقابل هذا الإخفاق، عمل الإعلام الإسرائيلي على التحريض على شخص عاصي، وادّعى أنه تعاطى المخدرات سابقاً، وفرّ عدة مرات من مراكز تأهيل وعلاج في الداخل المحتل، وذلك في تكرار لسيناريو سابق هوجم فيه الشهيد نشأت ملحم -منفذ عملية تل أبيب في اليوم الأول من عام 2016- وهو استمرار لدعاية أن منفذي العمليات هم أشخاص فارغون من المبادئ ومجرد أفراد يعانون من اضطرابات نفسية واجتماعية، لذلك يصبّون جام غضبهم على المستوطنين وجنود العدو.

وفق الأحداث الأخيرة، تتصاعد وتيرة المواجهات نوعاً وكماً في الضفة، إذ أفادت مصادر محلية بأن مقاومين أطلقوا النار تجاه قواتٍ إسرائيلية خلال حادثتين منفصلتين شمالي الضفة، وأضافت تلك المصادر أن قوات العدو تعرضت لصلياتٍ من الرصاص خلال العملية العسكرية في شارع عمّان شرق مدينة نابلس.

أما في طولكرم، فأعلن جيش العدو في بيانٍ تعرض قواته لإطلاق نارٍ آخر أثناء وجودها على حاجز عِنّاب شرق المدينة، ثم عثر على عدد من الرصاص الفارغ بمكان قريب.

وفي قطاع غزة، فقد نقلت مصادر صحفية عن حركة حماس قولها أنها أعلنت النفير العام في قطاع غزة، وقررت إخلاء مواقع كتائب القسام الذراع العسكري للحركة، وسط مؤشرات عن تصعيد عسكري إسرائيلي محتمل.

وقالت مصادر في حركة حماس إن قرار قيادة الحركة جاء بسبب المناورات العسكرية الضخمة التي بدأها الجيش الإسرائيلي يوم الأحد الماضي في غلاف مستوطنات قطاع غزة، مضيفة أن قيادة الحركة في القطاع تتعامل مع هذه المناورات بجدية بالغة، حيث قامت باتخاذ إجراءات احترازية واحتياطية، تضمنت تعميماً على جميع قياداتها السياسية والعسكرية، بضرورة التواري عن الأنظار، وتغيير أماكن السكن، إضافة إلى عدم استعمال الهواتف النقالة.

وأشارت الى أن كتائب القسام طلبت من عناصرها إخلاء مراكز التدريب والمعسكرات والمراكز الأمنية التي قد تكون صيدا سهلا لطائرات الاحتلال.

ورغم إعلان الجيش الإسرائيلي في بيانن سابق أن المناورات مخطط لها مسبقاً، لتحسين مدى الاستعداد والجاهزية لدى قوات الجيش في الجنوب، إلا أن المصادر أكدت أن ضخامة المناورات التي يجريها الجيش الإسرائيلي أثارت شكوك قيادة الحركة في القطاع، لذا تم إعلان النفير العام.

ربما يعجبك أيضا