من عفرين للغوطة .. تركيا تضغط والنظام يصطاد في الماء العكر

حسام السبكي

حسام السبكي

لنحو 7 سنوات تقريبًا، عانى خلالها السوريون، من ويلات ثورة، أو “حرب أهلية”، وفق توصيفات إعلامية، أحرقت الأخضر واليابس، فأهلكت الحرث والنسل، وشتت البلاد والعباد، وأضحى الشام مرتعًا ومسرحًا لأقطاب الشرق والغرب.

فبعدما بدأت الثورة السورية، بمظاهرات تمددت من درعا جنوبًا، فجابت البلاد طولها وعرضها، حتى تحولت، كدأب معظم “ثورات ربيع العربي”، إلى “ثورة مسلحة”، فسحقت معها كل مظاهر الحياة تقريبًا في بلاد الشام، واستقطبت الجهاديين من كل حدبٍ وصوب إلى صفوف “المعارضة”، لتتبعها الميليشيات الشيعية كـ “حزب الله” بقيادة “الحرس الثوري الإيراني”، لتلحق بها قوات “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بذريعة “محاربة الإرهاب” المتمثل في “داعش”، الذي أتى بالخراب على الثورة السورية والمنطقة بل والعالم بأسره، أعقب ذلك تدخل الإنقاذ الروسي إلى صفوف نظام الأسد، ويختتم بالتواجد التركي “غير المرحب به”، بمزاعم قتال “الأكراد”.

وبعيدًا عن التفصيلات المُعقدة للأحداث في سوريا المنكوبة، فالجديد هناك يتمثل في جبهتي “الغوطة الشرقية” و”عفرين”، واللتين تخضعان لحصارٍ محكمٍ، الأولى من قبل قوات النظام وداعميه، بهدف استعادتها من أيدي مسلحي المعارضة، والثانية من جانب الجيش التركي الساعي لطرد مسلحي “قوات الحماية الكردية” أو ” YPG”، وبين هذا وذاك، يظل الشعب السوري رهن كفة المصالح والعصبيات والأهداف غير المعلوم نهايتها.

عفرين.. الجرح الجديد في الجسد السوري

رغم الضغوط الدولية المفروضة على أنقرة مؤخرًا، تواصل القوات المسلحة التركية، وبتوجيهات مباشرة من “أردوغان”، محاصرة عفرين، والتوغل في بعض مناطقها، بالتعاون مع بعض عناصر المعارضة المسلحة، بهدف طرد المسلحين الأكراد، والذين تضعهم تركيا على قوائم المنظمات الإرهابية البغيضة، وتمكين ثوار المعارضة، من كسب أراضٍ جديدة، ولو على حساب حلفاء الأمس، في قتال داعش، في الرقة وغيرها، ضمن “قوات سوريا الديمقراطية”.

هذا، وتتضارب الأنباء، حول تواجد قوات النظام في المدينة، بعد اتفاق مع الأكراد، فيما ينفي الرئيس التركي ذلك، بعد اتصالات أجراها مع نظيريه الروسي والإيراني، نجحت – على حد زعمه – في تحييد قوات الجيش السوري من تلك المعركة، يأتي ذلك بعد ساعاتٍ قليلة، من تصريحٍ لوزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو”، والذي توعد بأن تسحق قوات بلاده قوات النظام، حال دخولها إلى عفرين، حين  قال: “في حال دخلت إلى جانب الوحدات، سنقضي عليها ولن يستطيع أحد إيقافنا عن مسيرتنا”، وذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره الأردني “أيمن الصفدي” في العاصمة الأردنية عمَّان.

في غضون ذلك، وخلال كلمته، اليوم الثلاثاء، أمام البرلمان، توعد الرئيس التركي بمحاصرة قوات بلاده عفرين، ضمن عملية “غصن الزيتون”، التي أتمت شهرها الأول، موضحًا أن قوات الجيش التركي لم تذهب إلى عفرين “لإحراقها” – على حد تعبيره، مؤكدًا أن الهدف الرئيسي من العملية هو “خلق بيئة آمنة وقابلة للعيش”، بالنسبة للاجئين السوريين في تركيا الذين فروا عبر الحدود، والذين تتجاوز أعدادهم حاليًا نحو 3 ملايين.

وعلى الرغم من تضارب الأنباء، حول تواجد قوات النظام في عفرين، فالمؤكد أن دخولها إلى المدينة، سيدخل المنطقة في آتون مواجهة، غير محمودة العواقب، وربما تكون بداية لحرب طويلة، على عكس المزاج التركي، الساعي لتنفيذ ضربة وقائية واستئصالية للأكراد، مالم تتدخل القوى الكبرى لوضع نهاية مُرضية لكافة الأطراف.

الغوطة الشرقية.. هل تتحول إلى حلب جديدة؟

تشهد الغوطة الشرقية، والتي تعاني حصارًا خانقًا من النظام، في مواجهة عناصر وقوات المعارضة المسلحة منذ سنوات، حملة جديدة لقوات الأسد وداعميه من الميليشيات الشيعية والحرس الثوري الإيراني، والتي تتمتع بغطاء جوي ودعم روسي غير محدود، ساهم بشكلٍ أو بآخر، في استعادة نظام الأسد، بعضًا من هيبته المفقودة، وأعادت له الكثير مما فقده على مدار السنوات السبع من عمر الثورة السورية.

720 قتيلًا وجريحًا، هي الحصيلة غير النهائية، والمرشحة للارتفاع، مع تواصل الهجمات الدامية للنظام الأسدي، في الغوطة الشرقية، وذلك خلال الساعات الـ 36 الماضية فقط، وفق ما أعلنه المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وأوضح المرصد، إن 123 شخصًا لقوا حتفهم، فيما أصيب 610 آخرون في الهجوم الجوي والبري المستمر على الغوطة الشرقية لدمشق.

جدير بالذكر، أن منطقة الغوطة الشرقية، والتي يقطنها أكثر من 400 ألف سوري، والواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية، من حصار خانق منذ العام 2013، تسبب في نشر سوء التغذية لدى الأطفال بسرعة كبيرة وخاصة عند حديثي الولادة، فلا طعام ولا غذاء ولا حليب للأطفال، فضلا عن الموت بشظايا القذائف والصواريخ المتساقطة بشكل يومي على الأحياء السكنية المكتظة بالمدنيين.

“ما أشبه الليلة بالبارحة”، وهذا المثل يصدق تحديدًا على الوضع القائم في الغوطة الشرقية، حيث يمارس فيها النظام، نفس النظام المتعربد تقريبًا، أو ما يُعرف بسياسة “الأرض المحروقة”، التي تهدف إلى كسر قوات المعارضة المسلحة في المنطقة، والدفع بهم إلى قبول مفاوضات مُذلة، تدفعهم إلى “خروج” آمن من المنطقة، على غرار ما شهدته مدينة حلب، في العام قبل الماضي.

وما يجعل الوضع في الغوطة قريب الشبه بما حدث في مدينة حلب أيضًا، هو حجم الحشد الذي دفع به النظام السوري إلى المنطقة، حيث تم الزج بما يُعرف بميليشيا “العشائر”، والتي شاركت النظام من قبل في معارك ريف دير الزور والرقة والحسكة، إضافةً إلى ريفي حلب الشرقي والجنوبي.

ويهدف النظام، بحسب تصريحات مسؤوليه، من تلك العملية، السيطرة على ريف دمشق بشكلٍ كامل، وإنهاء أي وجود للمعارضة حول العاصمة، قد يشكل له تهديدات جديدة في المستقبل.

ومن قلب الغوطة، تتحدث التقارير، عن محاولات حثيثة للنظام، إلى جانب المواجهة العسكرية، لإخلاء المنطقة، تأتي هذه المرة، من خلال سياسة جديدة، تتمثل في إغراء المدنيين بالخروج عبر معبر مخيم الوافدين إلى مركز إيواء في ضاحية قدسيا، لإرسال صورة أن النظام يحاول حماية المدنيين وأن كتائب الثوار كانت تستخدمهم كدروع بشرية، وذلك عبر إجبار كل شخص يريد مغادرة الغوطة توقيع على عدد من الأوراق تثبت هذا الكلام.

إلى ذلك، فلم تتوقف سيل الإدانات والتي بدأت من الأمم المتحدة مرورًا بالمملكة العربية السعودية وانتهاءً بفرنسا، التي أبدت خارجيتها اليوم استيائها من الحملة المنظمة للنظام السوري على المنطقة، وأعربت على لسان “أغنيس فون دير مول” المتحدثة باسمها، عن إدانتها للهجمات لانتهاكها حقوق الإنسان بشكل خطير، والتي طالت الأحياء السكنية والمستشفيات، مشيرة إلى أن النظام السوري وروسيا وإيران مسؤولة عنها.

الخاتمة

تظل الإدانات والضغوط الدولية، سواءً في عفرين أو الغوطة الشرقية، أو في غيرها من المناطق، التي تتعرض إلى حملات عسكرية، لا تفرق بين مدني أو مسلح، في حالة إعاقة، عن تحقيق أدنى متطلبات الحياة الآدمية الكريمة، ويبقى الشعب السوري يدفع الثمن كل يوم، من دمائه وأعراض أبنائه، ومن مستقبل في حكم المجهول، حتى تضع الحرب أوزارها، ويقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

ربما يعجبك أيضا