إفشال الديموقراطية في تركيا.. وأد حزب الشعوب

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

كانت تجربة حزب الشعوب الديموقراطي الداعم للأكراد وحقوقهم السياسية، تجربة مفصلية في تقديم وجه جديد للأحزاب الكوردية اليسارية، واستندت هذه التجربة على مبادئ سياسية.

وكان حزب الشعوب الديمقراطي اثار مفاجاة في الانتخابات التشريعية في حزيران/ يونيو 2015 بحصوله على ثمانين مقعدا، وحرم بذلك حزب العدالة والتنمية الحاكم من الأغلبية المطلقة. لكن في انتخابات جديدة جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه خسر الحزب 21 مقعدا.

وتم القضاء على رئيس الحزب صلاح الدين ديمرتاش باعتقاله، وتم توقيف نواب حزب الشعوب الديمقراطي بعد رفع الحصانة البرلمانية في أيار/ مايو 2016 عن النواب الملاحقين قضائيا، في إجراء واجه تنديدا شديدا من الحزب الذي اعتبره مناورة من الحكومة موجهة ضده.

وتتهم السلطات التركية حزب الشعوب الديمقراطي بأنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني المحظور والذي تصنفه أنقرة وواشنطن وبروكسل “إرهابيا”. لكن الحزب رفض باستمرار هذه الاتهامات، مؤكدا أنه مستهدف لأسباب سياسية بسبب معارضته الشديدة لأردوغان.

محاولة بقاء

يوم الأحد 11/ 2/ 2018، عقد حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للكرد مؤتمره العام يوم الأحد وسط أجواء مشحونة بالضغوط والتحديات، إذ لم يكن من السهل على الحزب خوض غمار السياسة التركية منذ أن حقق مفاجأة كبرى في أولى مشاركاته في الانتخابات البرلمانية في 5 يونيو 2015 بعدما تجاوز عتبة الـ10% ودخل البرلمان للمرة الأولى، ناهيك عن إعلان زعيم الحزب صلاح الدين دميرتاش أن الحزب “لن يسمح لرجب طيب أردوغان بأن يصبح رئيسا لتركيا”.

وفي حين لم يتعرض الحزب للحظر والإغلاق كسابقيه، واجه ما هو أسوأ من ذلك مع تعرض صلاح الدين دميرتاش وشريكته في قيادة الحزب فيجن يوكسيكداغ للاعتقال برفقه سبعة نواب من الحزب والمئات من الأعضاء، من بينهم العديد من رؤساء البلديات المنتخبين.

يواجه حزب الشعوب الديموقراطي تحديات كبيرة تتهدده وتلقي بظلال حادة على مسيرته في ظل الأجواء الاستثنائية الضاغطة التي تعيشها تركيا منذ الصعود المدوي للحزب في انتخابات العام 2015 وحتى الآن.

لقد سعى حزب العدالة والتنمية قبيل تلك الانتخابات إلى استمالة هذا الحزب وقواعده الشعبية العريضة في المحافظات ذات الأغلبية الكردية، لكن ما لم يكن في حسابات العدالة والتنمية، أن يحصد حزب الشعوب الديمقراطي 80 مقعدا في تلك الانتخابات وبذلك زعزع سيطرة الحزب الحاكم على الأغلبية البرلمانية.

كان الشعوب الديمقراطي قد اختط نهجا سلميا استجابة لدعوات أردوغان التصالحية التي سبقت انتخابات العام 2015، لكن ذلك لم يكن كافيا للحيلولة دون انقلاب أردوغان على الحزب وقواعده بشراسة لم يسبق لها مثيل ظلت متواصلة حتى الآن وتوجت بإلقاء قيادات الحزب في السجون.

رافق ذلك اعتقال آلاف الأعضاء والنواب والرؤساء المشاركين ومديري المحافظات والمقاطعات ومئات رؤساء البلديات المحلية ومواجهة الحزب كل يوم بعملية جديدة.

في هذا الوقت يأتي انعقاد المؤتمر الأخير للحزب متزامنا مع تقديم زعيمه صلاح الدين ديمرتاش إلى المحاكمة التي من المتوقع أن تنتهي بأحكام قضائية تصل إلى عشرات السنين بتهم طالته كما طالت قيادات الحزب تتعلق بالإرهاب.

قيادة جديدة واستمرار تهديد

المفارقة الأخرى أنه ما إن اختتم المؤتمر الأخير للحزب وانتخبت قيادة جديدة له حتى لوحت السلطات التركية لزعيمة الحزب الجديدة المنتخبة بروين بولدان بتهم الإرهاب.

كل ذلك يتزامن مع الحملة العسكرية التركية على شمال سوريا باستهداف التنظيمات الكردية الموالية لأميركا والتي يعدها أردوغان ليست إلا عصابات إرهابية.

في هذا الصدد قالت زعيمة الحزب المشاركة الجديدة بروين بولدان: إن على أنقرة أن تقبل بمكاسب القوات الكردية السورية على الأرض عند حدودها الجنوبية وإنهاء العملية العسكرية ضدها والعمل عوضًا عن ذلك على حل المشكلات عبر الحوار.

وتحقق السلطات حاليًّا مع بولدان، بتهمة الإرهاب لإدلائها بتصريحات عن التوغل في سوريا.

بولدان من جانبها قالت: إن “الأمر المنطقي الذي ينبغي القيام به هو إيجاد حل عبر الحوار والحل الوحيد الممكن يأتي عبر الاتفاق. على تركيا القبول بإنجازات الأكراد في سوريا”.

تتهم أنقرة بالطبع حزب بولدان بإقامة صلات مع حزب العمال الكردستاني وهو ما ينفيه الحزب. مع أن حزب الشعوب الديمقراطي هو ثاني أكبر حزب معارض في البرلمان. وله ثقله في الشارع الكردي – التركي.

بولدان أصرت على موقفها بأن العملية التركية في شمال سوريا إنما تستهدف مدنيين أكرادا. وقالت: “الحكومة تعمل ضد الأكراد ليس فقط في تركيا لكن في أي مكان هم فيه. التدخل التركي ضد الأكراد الذين يعيشون في سلام (في سوريا) مع غيرهم من الجماعات العرقية غير مقبول”.

وقالت بولدان: إنها ترغب في إحياء عملية السلام التي انهارت قبل ثلاثة أعوام ومثلت “نقطة تحول في تركيا” على حد وصفها.
 
وكانت حكومة أردوغان بدأت محادثات مع الزعيم الكردي عبد الله أوجلان عام 2012. ولا يزال أوجلان مسجونا في جزيرة قريبة من اسطنبول. وانهارت محادثات السلام عام 2015، عندما انهار وقف لإطلاق النار بين الأكراد والحكومة.

وقالت بولدان: “على مدى ثلاث سنوات من المفاوضات عاشت بلدنا في سلام وأمل. منحت إنجازات عملية السلام لتركيا الأمل، ونريد أن نرى هذا العهد مجددا. هدفنا الوحيد هو وقف القتل”.

لكن العودة لمفاوضات السلام لن تتم حاليا على الأرجح؛ إذ تعهد أردوغان بسحق حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في سوريا. كما تبنى أردوغان خطابا يميل للقوميين منذ انهيار عملية السلام، مما جعله يكسب دعم القوميين المعارضين الذين يرفضون أيضا أي تسوية مع الأكراد.

وقالت بولدان: “بعيدا عن هويتي السياسية ناضلت شخصيا من أجل وقف القتل والألم. يجب ألا يعود أي ابن لأمه أو زوج لزوجته في كفن. هذا مهم للطرفين بالقدر ذاته وبالنسبة لنا لا فرق لدينا بين الأكفان (سواء أتت) من جنوب شرق تركيا أو غربها”.
 
لكن هذه التمنيات لا يبدو أن لها تطبيق على أرض الواقع، ففيما كانت بولدان تخرج من المؤتمر الحزبي قررت السلطات التركية فرض حظر تجول في جنوب شرق البلاد ذي الغالبية الكردية، وذلك في 176 بلدة وقرية في محافظة ديار بكر، كبرى مدن جنوب شرق تركيا ذي الغالبية الكردية، في خطوة استباقية لعملية جديدة ضد مقاتلين أكراد في البلاد.

وأوضح البيان، أن هذا التدبير يسمح لقوات الأمن بـ”القضاء” على أعضاء وكوادر في حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة إرهابيا.

ويأتي حظر التجول في وقت تشنّ تركيا منذ 20 يناير 2018 عملية في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية ومرتبطة بحزب العمال الكردستاني.

لا شك أن الحزب يراهن على انتخابات حاسمة ومصيرية ستجرى في العام 2019 قد ترفع رصيده على مستوى البرلمان التركي، لكن ليس من المتوقع أن تتيح الإجراءات التي تتخذها الحكومة التركية حاليًّا ضد خصومها المعارضين متنفسا لقواعد وقيادات الحزب في ممارسة حياتهم السياسية بشكل طبيعي.

واقعيا هو صراع من المتوقع أن تطول مدته وتتفاقم الخسائر فيه ومن غير المتوقع أن يسفر بما يحلم به حزب العدالة والتنمية وأردوغان نفسه بتصفية جميع المعارضين وبما فيهم قواعد وقيادات الشعوب الديمقراطية.
 

ربما يعجبك أيضا