بلير “العراب” والقذافي “الحليف”.. علاقات مشبوهة مع المخابرات البريطانية

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

 يبدو أن الجدل حول شخصية الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، لم ينته بعد، فمنذ فترة ليست ببعيدة كشفت وثائق سرية عُثر عليها في طرابلس، مدى التعاون الوثيق بين القذافي والمخابرات البريطانية، والدور الذي لعبه توني بلير رئيس الورزاء البريطاني السابق لتوطيد هذا التعاون، ليس لتعزيز سلطة الزعيم الليبي إنما لتذليل العقبات أمام المعركة الأكبر “غزو العراق”.

وتظهر وثائق وصفت بالسرية وتم الكشف عنها أخيرا في لندن، أن بريطانيا منذ العام 2001، سعت لإجبار النظام الليبي على التخلي عن برنامجه لأسلحة الدمار الشامل، وفي سبيل ذلك سخرت أجهزة الاستخبارات التابعة لها لتنفيذ بعض المهام القذرة لصالح القذافي، لكسب ود الحليف الجديد.

تقول “الجارديان” -في تقرير نشرته أخيرًا تحت عنوان “وثائق سرية تكشف تعاون بريطانيا مع القذافي”- بدا واضحًا مدى التعاون الوثيق بين رئيس المخابرات الخارجية “إم آي 6” السير ريتشارد ديرلوف والقذافي ودور توني بلير الشخصي كعراب لهذا التعاون، في وثائق سرية تم الإفراج عنها خلال الأيام الماضية، ففي عام 2004 طار ديرلوف إلى طرابلس في عام 2004 لمناقشة كيفية شنّ حملة مشتركة ضد الجهاديين الليبيين المنفيين، وتحديدًا أعضاء الجماعة الإسلامية الليبية وإعادة قياداتها قسرًا إلى سجون النظام في طرابلس.

وتضيف الصحيفة البريطانية، للمرة الأولى تكشف هذه الوثائق ما جاء في مراسلات القذافي إلى بلير عام 2003، حيث أدرج خمسة مطالب في مقابل تخلي ليبيا عن برنامجها النووي، وتحدثت رسالة بعث بها رئيس المخابرات الليبية موسى كوسا إلى رئيس جهاز مكافحة الإرهاب البريطاني مارك ألين، في أكتوبر 2003، عن تلك المطالب؛ إذ طالب كوسا ألين بتعهدات من جانبه بأن هذه المطالب سيتم تنفيذها بالفعل، ويبدو أن زيارة ديرلوف إلى طرابلس جاءت لإبرام صفقة ما مع القذافي.
 

وتتابع في فبراير 2004 ترأس كل من ديرلوف وألين وفدا من المخابرات البريطانية في اجتماع بطرابلس، وأظهرت محاضر الاجتماع أنهم اتفقوا على مشاركة المعلومات المتعلقة “بالعناصر الخطيرة” مع المخابرات الليبية، وإثر هذا الاجتماع بنحو ثلاثة أسابيع احتجز زعيم الجماعة الإسلامية، عبد الحكيم بلحاج، وزوجته في بانكوك ومن ثم تم نقلهما إلى طرابلس، حيث تم اعتقال بلحاج وتعرض للتعذيب إلى أن أفرج عنه في 2010، وتظهر الوثائق أن ألين ادعى الفضل للمخابرات البريطانية في سقوط الزوجين في قبضة القذافي.

جدير بالذكر هنا أن الجماعة الإسلامية، هي جماعة تشكلت عام 1995 من قِبل الليبيين الذين حاربوا ضد الاتحاد السوڤييتي في أفغانستان، وكانت تسعى للإطاحة بالقذافي، وتم تصنيفها في أمريكا كمنظمة إرهابية، إلا أنها لم تكن محذورة في بريطانيا حتى 2002، وبلحاج كان قائدًا لها وعقب محاولة اغتيال فاشلة للقذافي عام 2016، تحول هو وباقي عناصر الجماعة إلى مطاردين، ومع سقوط نظام القذافي في 2011، برز اسمه مرة أخرى كسياسي وقائد ساهم في المعارك ضد النظام.

ويوضح تقرير “الجارديان”، أن الوثائق المفرج عنها، تؤكد أن المخابرات البريطانية كانت تتابع التحقيق مع بلحاج في طرابلس، وطالبت باستجوابه من قبل ضباط تابعين لها، وبعد فترة وجيزة من القبض عليه قدمت لنظيرتها الليبية معلومات عن الزعيم الروحي للجماعة سامي الساعدي، وساهمت أيضا في خطفه وإعادته قسرًا إلى ليبيا، جدير بالذكر هنا إلى أن كلّا من بلحاج والسعدي قاما برفع دعوى في لندن ضد الحكومة البريطانية للمطالبة بالتعويض عن تلك الفترة، وبالفعل حصل الساعدي على تعويض بـ2.2 مليون جنيه استرليني للتنازل عن دعوته، فيما لا زال بلحاج يطالب أجهزة الأمن الوطني والمخابرات البريطانية بالتعويض والاعتذار الرسمي لشخصه.
 

يقول كوري كريدر -محامي بلحاج من منظمة حقوق الإنسان ريبريف- لدينا أدلة جديدة تثير تساؤلات حول خطة اختطاف موكلي ودور المخابرات البريطانية فيها، ولدينا أسئلة تتعلق بحقيقة دور توني بلير في استهداف المعارضين للقذافي، الواقع أن الوثائق الجديد والأدلة التي لدينا قد تجعل بلير وألين ووزير الخارجية السابق جاك سترو في مأزق حقيق.

وتؤكد الصحيفة البريطانية، أن المحكمة قررت -في جلسة الأسبوع الماضي كجزء من هذا التحدي- حجب مشورة قانونية سرية مقدمة إلى وزارة الخارجية حول شرعية التسليم عن بلحاج ومحاميه، على الرغم من أن الوثائق المذكورة تم تقاسمها بالفعل مع الشرطة والمدعيين العامين.

ليست المرة الأولى التي يثار فيها الجدل حول التعاون بين القذافي والمخابرات البريطانية، ففي عام 2016 كشف البرلمان البريطاني، عن محاضر محادثتين هاتفيتين بين بلير والزعيم الليبي، قبيل الإطاحة بالأخير عام 2011،  حيث طلب بلير من القذافي تحديدا في 25 فبراير الرحيل والاحتماء في مكان آمن، ليرد القذافي قائلا: “دعونا وشأننا ليست لدينا مشكلة”، وفي 17 مارس قرار مجلس الأمن السماح بقوات دولية التدخل ضد القوات الحكومية الليبية بداعي حماية السكان.

وفي العام نفسه، كشفت تقارير صحفية، عن رسالة أرسلها مدير المخابرات العسكرية البريطانية إلى رئيس الوزراء توني بلير عام 2004، للشكوى من سلوك ضباط المخابرات الخارجية “إم آي 6” ، قائلا: إن أعمالهم هددت جمع المعلومات الاستخباراتية البريطانية وقد تكون قد أخلت بأمن وسلامة عملاء المخابرات بشكل عام.

وكانت أدراج مكتب موسى كوسا في طرابلس بمثابة مخبأ سري لوثائق المخابرات الليبية واتصالاتها بنظيرتها البريطانية، إلا أن كل الأسرار انهارت مع سقوط القذافي في 2011، وبدأت تتكشف يوما بعد يوم، وأمام هذا السيل من الاتهامات للمخابرات البريطانية أدلى ريتشارد ديرلوف، بتصريحٍ نادر يؤكد خلاله، أن الحكومة قد أعطت رجاله الضوء الأخضر فيما يتعلق بمطاردة الجهاديين الليبيين، مضيفا كان قرارًا سياسيًّا، يسعى إلى تجريد ليبيا بشكل كبير من أسلحتها.

الواقع أن بريطانيا لم يكن هدفها تجريد ليبيا من السلاح النووي بقدر ما كانت تسعى إلى تحييد القذافي وإيجاد مبرر لغزو العراق بالشراكة مع العقل المدبر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، وفي سبيل ذلك خاطرت بسمعتها بالتحالف مع الديكتاتور الأشهر بالمنطقة، والذي أيضا أثبتت الوقائع أنه خدع بلير ولم يتخلِ عن الأسلحة الكيماوية يومًا، إذ عُثر على كميات كبيرة من هذه الأسلحة عقب الإطاحة به في مستودعات جنوب شرق ليبيا.
   

ربما يعجبك أيضا