نقل السفارة في “ذكرى النكبة”.. عناد أمريكي ينسف القضية الفلسطينية

حسام السبكي

حسام السبكي

يبدو أن الإدارة الأمريكية بقيادة “المتهور” ترامب، تسعى إلى أخذ القضية الفلسطينية إلى حافة الهاوية، إلى النهاية، التي يحلم بها الإسرائيليون، إلى ترسيخ وضع غير قانوني ولا إنساني، قام فيها كيان الاحتلال على غير حق، وفي غفلة من ضمير العالم، حيث قررت واشنطن نقل سفارتها إلى مدينة القدس المحتلة، في شهر مايو / آيار المقبل، لتصفي بذلك القضية من جوهرها الأساسي، وتقضي على ما تبقى من فرص لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

وكما كان القرار الأمريكي “غير شرعي”، فقد تحدثت أنباء عن مقترح بتمويل عملية نقل السفارة الأمريكية، من قبل ملياردير يهودي أمريكي، يُعرف بـ “ملك القمار”، والذي كان من أشد المؤيدين للقرار.

وعلى الرغم من سيل الإدانات والقرارات المضادة، فضلًا عن الاحتجاجات، سواءً بعد صدور القرار الأول، أو حتى بعد القرار الجديد، فإن الإدارة الأمريكية، على ما يبدو، لم تعد تصغي لأيٍ من تلك الأصوات، لتمارس بهذا “عربدة” جديدة، ليست غريبة على ممارسات الكيان الصهيوني، وهي أبرز داعميه.

في التقرير التالي، نستعرض فحوى القرار الأمريكي الجديد بشأن السفارة الأمريكية، وأهم تداعياته، وتأثيراته على مستقبل عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، ومآلاته على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.

السفارة الأمريكية في القدس رسميًا

البداية من القرار الجديد الذي أصدرته الإدارة الأمريكية، والذي أرادت من وراءه ربما إغلاق كافة المنافذ، أو حتى التكهنات، حول تراجع ما لصالح القضية الفلسطينية، التي طالما تغنت بها الإدارات السابقة، بل والرئيس الحالي أيضًا، وذلك بغية منح فرص أفضل لسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أضحى حاليًا “أضغاث أحلام”!.

فمن خلال أحد المصادر المسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية، توقع أن تقوم بلاده بنقل سفارتها من مقرها الحالي في مدينة “تل أبيب” إلى مدينة “القدس المحتلة”، وذلك في شهر مايو/ آيار المقبل، موضحًا أن المقر الذي ستنتقل إليه السفارة، سيكون بمثابة منشأة مؤقتة، لحين اختيار موقع دائم وعمل التصاميم الخاصة بالمبنى الجديد للسفارة.

“ملك القمار”.. وتمويل نقل السفارة

يُعرف بـ “ملك القمار”، وأحد أبرز الداعمين للكيان الصهويني وللحزب الجمهوري الأمريكي، إنه “شيلدون إديلسون”، الملياردير اليهودي الأمريكي ذو الـ 81 عامًا، صنفته مجلة “فوربس” الأمريكية في المركز الثامن ضمن أثرياء العالم، ويبدو أن لعنته ستحط رحالها في الأراضي المحتلة.

وبين تأييده للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، إلى الحد الذي جعله أبرز ممولي حملة ترامب في طريقه نحو البيت الأبيض، بمبلغ 30 مليون دولار، وكذلك ساهم في دعم نتنياهو نحو المنصب الأهم في الكيان الصهيوني، وقد منح هذا “إديلسون” الثقة والشجاعة الكافية للتقدم بمقترح دعم وتمويل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والذي كان أحد أبرز مؤيديه.

ومع توجه الإدارة الأمريكية لدارسة المقترح، ففي حال تنفيذه، فإنها ستعد السابقة الأولى في السياسة الأمريكية، والتي اعتادت خلال الفترات السابقة على تمويل منشآتها الدبلوماسية بشكل مؤسسي بعيدًا عن الأفراد، فيما يعكف القانونيون داخل وزارة الخارجية الأمريكية على دراسة مقترح “إديلسون”.

إدانات عربية ودولية

رغم التعاطي الأمريكي السلبي مع ردود الأفعال العربية والدولية الأولى، في القرار الأول بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، إلا أن الإدانات والاستنكارات لم تغب عن مشهد القرار الثاني للإدارة الأمريكية، والتي جاءت من الجانبين العربي والدولي.

فمن المحور الرئيسي للقضية، عبرت حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية عن استيائها الشديد للقرار الأمريكي الجديد، والذي يأتي في ذكرى “النكبة” المشؤومة، والتي وصفتها بالمساس بهوية الشعب الفلسطيني العربي ووجوده على أرضه، فضلًا عن مشاعر الشعوب العربية والإسلامية.
وعلى لسان “يوسف المحمود” المتحدث باسم الحكومة، أكد أن القرار الأمريكي يعد في حكم المرفوض والمُدان، كونه يشكل مخالفة صريحة وصارخة للقرارات الدولية، وجميع القوانين الإنسانية والعالمية في هذا الإطار، مشددًا على أن ترامب بهذا القرار، يمنح المدينة العربية المقدسة، عاصمة دولة فلسطين، لآخرين، وهي خطوة لم تحدث في التاريخ، إلا من خلال عنجهية الاحتلال والاستعمار.

وعلى المستوى العربي، فلم يكن رد فعل جامعة الدول العربية أقل قوة من الحكومة الفلسطينية، حيث استنكر أمينها العام “أحمد أبو الغيط” القرار الأمريكي الجديد، واصفًا إياه بالحلقة الجديدة والخطيرة في مسلسل الاستفزاز والقرارات المتخبطة والخاطئة، منذ القرار الأول في ديسمبر الماضي، والذي يقضي بدوره، على الأمل الأخير المتبقي في تحقيق السلام والتعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

من جانبها، عبرت وزارة الخارجية التركية عن قلقها حيال القرار الأمريكي الجديد، معتبرة إياه خطوة أمريكية جديدة على طريق “تقويض السلام”، مشيرة إلى أن تركيا ستعمل مع المجتمع الدولي من أجل حماية الحقوق المشروع للشعب الفلسطيني.

ترامب وقادة الخليج.. لقاء خارج الحسابات الفلسطينية

وفيما يعد تغريدًا خارج سرب المصلحة العليا للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، التي تعد لُب الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، وأكثرها تعقيدًا، يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الشهرين المقبلة، للقاء كبار قادة دول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، والذي يأتي في إطار المساعي الأمريكية لحل الخلاف بين دول الخليج.

ووفقًا لمسؤول أمريكي، فإن ترامب سيناقش خلال اللقاءات، عقد قمة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، تأمل واشنطن أن تعقد في وقت لاحق هذا العام، فضلا عن مناقشة جهود السلام في الشرق الأوسط وإيران.

الخلاصة

للمرة الأولى تظهر الولايات المتحدة، انحيازها الواضح والكامل إلى الكيان الصهيوني المُحتل، ضاربة عُرض الحائط بكافة القرارات العربية والدولية، والتي تعلم علم اليقين، أن نتاجها لن يكون في الصالح الأمريكي بل والمنطقة والعالم، حيث ستوجِد بهذا ذريعة جديدة للإرهاب، المتعطش لمظلومية، يشحذ من خلالها همم الثائرين والمدافعين عن الحق العربي والإسلامي الأصيل.

ربما يعجبك أيضا