عجلة الياسمين.. رحلة تحدٍّ برائحة الورد

سهام عيد

كتبت – سهام عيد

أنا أبيع الورد.. الورد الورد.. قطف اليد
أبيض على أحمر.. وجماله بلون الحب


يغازلها الورد بنقائه وعطره المميز منذ طفولتها؛ فكان الياسمين اسمها، وكما ينتشر أريجه ليملأ أرجاء الزمان والمكان بنفحات أبدية، انتشرت ياسمين بزهرها لتبث البهجة والسعادة بين الناس.

وكما يوصف الياسمين بأنه نبات “عنيد” يقاوم كل الفصول، كانت هي.

يا ورد يا أحمر يا فتّان
يا حلو يا عنبر للخِلّان
يا عاشقين الورد بيطول الخد


رحلة ربيعية دائمًا مهما كان الطقس، بطلها الورد والبسكلته، تقودها فتاة في عمر الزهور -24 عامًا- تحمل في طياتها السعادة بألوانها.

كانت ياسمين تحلم دائمًا بأن تمتلك محلًّا خاصًّا لبيع الزهور، ورفضت مساعدة والدها من أجل أن تبني حلمها منذ ميلاده، فولدت فكرة “البسكلته”.

بعد محاولات كثيرة يائسة من إقناع والدها بالفكرة، نجحت ياسمين في إقناعه يوم “الفالنتين” عيد الحب الماضي، واستعارت “بسكلته” من إحدى صديقاتها، وبدأت رحلتها الربيعية في حب العشاق.

يا ورد يا جنة الولهان قلبي يحبك
إنت سمير قلبي الحيران حنن لي قلبك
عاشق غريب الدار والعشق زادني مرار
تايه في بحر الشوق
والشوق بقلبي ضناني


تسعى ياسمين إلى تغيير نظرة المجتمع عن بائعي الورد وعدم نعتهم بـ”المتسولين”، “كل الناس فاكرة إن اللي بيبيع ورد دول متسولين، لأ فيه ناس متعلمة، وبتنزل بتبيع ورد، يعني مش كل اللي بيبيع ورد متسول يعني، حتى لو كانت الناس اللي بتبيع ورد معندهمشي شغله غيرها فليهم الفخر إنهم بيبيعوا، هما ممدوش إيديهم لحد ولا سرقوا حاجة من حد”، هكذا أضافت.

تشتري ياسمين الورد بالكمية التي تكفي يومها حتى لا يتبقى معها شيء، أو تلجأ إلى تجفيفه، وأحيانًا يكون لمنزلها نصيب مما تبقى، فتزين بها أركانه.

إشكي للبدر همومك غيرك لمين أشكي
إشكي للورد دموعك غيرك لمين أشكي
واللي قساني بُعدك واللي كواني هجرك
دوايا عطف قلبك


وبذكائها وخفة ظلها، تدرك بائعة الورد لغته الرومانسية في التعبير عن الحب والشوق، فلا تهينها بعبارات ترويجية مثل أي منتج آخر، فهي تدرك أيضًا زبائنها.

“أول أما بنزل مبروحشي على حد أقوله اشتري ورد، مبغتتشي على حد يعني، أنا أول لما بنزل ببدأ ألف بالعجلة عشان بس الناس تعرف إني بدأت آجي يعني ليا مكان محدد بقف فيه، وبعدين أبدأ أركن العجلة، والناس بتبتدي تشتري، فيه ناس بتشتري مني وأنا بلف، وفيه ناس بتيجي لحد عندي وتشتري، لكن أنا مبروحشي أرخم على حد وأقوله اشتري”، هكذا قالت بائعة الورد.

يا شايلة الأزهار يا بهجة الأنظار
انتي تبيعي الورد وحسنك يقيد النار
يا مورده الخدود يا بايعة الأزهار
منك زهور وورود.. ومني عطف وجود


لم تكن ياسمين تمتلك حينها سوى 100 جنيه فقط هو كل رأس مالها، قصدت أحد محلات الزهور في مدينتها الإسماعيلية، واتفقت مع صاحبه بأن يدعمها ويوفر لها ما تحتاجه يوميًّا، فأعلن ترحيبه.

“مكنش معايا غير 100 جنيه بس، كان فاضلي من آخر مرتب أخذته من عملي كمساعدة مدرس، فكلمت صاحبتي استلف منها العجلة، ونزلت اتفقت مع محمد جمال اللي فاتح كشك ورد قريب مننا، إني أشتري منه الورد بسعر أقل عشان هبيعه فوافق”، هكذا قالت ياسمين.
صنعت من الورود بطاقات معايدة مختلفة، وانطلقت رحلتها تبحث عن عاشقي الفل والياسمين.

وكلما تزينت شوارع الإسماعيلية بالجمال، زادتها بهجة وسعادة بضحكتها الصاخبة مع كل رحلة.

إن كان ما لكش نصيب يسعد هواك بحبيب
إشكي هواك للورد الورد أصله طبيب
يمكن يهواك يرحم شكواك
متقولش لحد عن سر الورد


“كنت قلقانة من رد فعل الناس، أو إن حدّ يضايقني، بالعكس لقيت الناس كلها مبسوطة وبتشجعني وبتوقفني تتصور معايا وتتصور مع العجلة، والورد اللي معايا خلص من أول ساعة تقريبًا”، هكذا قالت ياسمين عن أولى رحلاتها.

والداها أصبحا من الداعمين الأساسيين لها، بعد تجربة اليوم الأول، حيث إن والدها يصطحبها في سيارته يوميًا لشراء الورود، أما والدتها فهي من تصنع لها أرق البطاقات في المنزل.

انت أمل روحي انت منايا في الدنيا
انت سبب نوحي قربك آمالي يا عينيا
يا سعدنا يا سعدنا الحب جمع شملنا


استمدت ياسمين دعمها من قصة الشاب الطموح “محمد جمال”، 26 عاما، صاحب محل الورد السالف ذكره، حيث كان جمال يبيع الورد أيضًا قبل سنوات في إشارات مرور الإسماعيلية، حتى أصبح محله من أشهر محلات الورود، فضلًا عن امتلاكه بعض السيارات التي يؤجرها لأقرانه في حفلات الزفاف.

دعمها جمال حينما وجد فيها أحلامها التي كان يلهث وراءه، قائلًا: “من واقع خبرتي قدرت أحكم على ياسمين لما جاتلي وطلبت مني ورد في الأول، إنها حد عايز يشتغل ويبقى ليه كيان، وبقيت ادعمها وأعاملها بالمعاملة اللي كان نفسي ألاقيها زمان أول مبدأت شغل”.

يساعدها جمال في اختيار أنواع الورد، وبسعره الأساسي دون مكسب، ولا يشغله شيء سوى نجاحها.

“بتنقي الورد اللي تحتاجه، ومفهوش مكسب، بس بتحس إنها في المكان بتاعها بتيجي تاخد الورد اللي هي عايزاه، وأي مساعدة بتحتاجها بساعدها فيها، ده مش في مقابل حاجة غير إن نفسي إنها تنجح، النجاح نفسه كويس، والدعم المعنوي إنها تلاقي حد بيساعدها في الأول ده هيفرق معاها بعدين”، هكذا أضاف جمال.

الورد آنس فرحنا هو اللي وفق حبنا
يارب تمم سعدنا


“أي حد عنده إحساس بيحب الورد، واحنا كلنا بنحب الورد”، بعيون تملؤها البهجة والسعادة، أعربت والدتها سعاد علواني عن فخرها بنجاح فكرة ياسمين.

تشير والدتها، إلى أن الخوف والقلق على ياسمين كان سبب رفض والدها في البداية، إلا أنهم بعد اطمئنوا عليها أصبحوا داعمين لها، بل ويساعدونها في شرائه وتجهيزه في المنزل. 

“بقينا نيجي خميس وجمعة المغرب نشتري الورد، نربطه ونجهزه لحد ما ياسمين تيجي من الشغل تتغدى بسرعة، وتاخد العجلة والورد وننزل معاها على نمرة 6 تبيعه، واحنا كلنا مبسوطين بيها”، هكذا أضافت علواني.

بين منتقد ومشجع لياسمين، جاءت ردود فعلهم متباينة، حيث أعرب إسلام أحمد إبراهيم، أحد شباب الإسماعيلية، عن سعادته بالفكرة، داعيًا كل الفتيات إلى خوض التجربة: “إحنا شوفنا ياسمين، وهي هنا عندنا بتبيع ورد، هو مشروع هايل وكفاية إنها بتبيع ورد، ويا ريت كل البنات تتشجع وتنزل الشارع وتيجي تشتغل والولاد برضوا ينزلوا يشتغلوا”.

كما أعجب أحمد الصغير، أحد شباب الإسماعيلية، بالفكرة أيضًا، قائلًا: “أنا مبسوط جدًا إن فيه بنت من بنات الإسماعيلية اتشجعت ونزلت الشارع، وهي فكرة هايلة جدًا”، مضيفًا: “حتى لما البنات بتشوفها بتبصلها بمنظر إنهم عايزين يعملوا حاجة زي كدا، واحنا الحمد لله بنساعدها دايمًا وبنشجعها”.

لفت الصغير، إلى أن فكرة ياسمين حديثة بالنسبة لأبناء الإسماعيلية، فلم تعهد المدينة على الفتيات فعل هذا من قبل، داعيًا لها بكل التوفيق والنجاح.

فيما لفتت يارا فاروق، إحدى صديقات ياسمين، بأنها سبق وانتقدتها وسخرت منها في البداية خشية من رد فعل الناس، إلا أنها غيرت رأيها حينما شاهدت إصرار ياسمين على المشروع ومحاولاتها المتكررة في إقناع والدها، وبحثها عن أماكن بيع الورد”.

وبعد فترة وجيزة من انطلاق ياسمين بالمشروع أصبح كل منتقديها فخورين بها، حيث قالت فاروق: “لما لقيناها مصممة قولنالها: طيب أوكى هنيجي معاكي، ونسأل على العجل ونشوف أماكن بيع الورد، وإن شاء الله ربنا هيوفقك، ومرة واحدة كدا يعني بدأت الموضوع، وأنا صراحة فخورة بيها جدًا”.

 

وليه كتمت الشكوى ليه
واللي ضناك ما تقولي عليه


مع شهرة ياسمين بـ”بائعة الورد”، وانتشار فكرتها بين أهالي الإسماعيلية، وصل صيتها إلى جامعة قناة السويس فهي بيتها الثاني التي تخرجت منه قبل ثلاثة أعوام.

دعاها نائب رئيس الجامعة د. طارق راشد رحمي، لمقابلة رئيس الجامعة د. ممدوح غراب، وأشاد بتجربتها واعتمادها داخل الحرم الجامعي.
وكمكافأة لها ودعمها، أتاحت جامعة قناة السويس لياسمين منافذ بيع لها ضمن أعمال ريادة الطلبة بداخل الحرم الجامعي.

الشكوى كانت حيرانه للورد واحد هيمانه
والدمعه سالت حيرانه من هجره وطول غيابه


واجهت ياسمين انتقادات كثيرة من بعض المحبطين في البداية، فمن ضمن الانتقادات التي واجهتها، إن أحد الشباب قال لها: “البنت ملهاش غير بيت جوزها وإن مينفعشي اللي انتي بتعمليه ده، وإنك تركبي على عجلة في الشارع”، تؤكد ياسمين أن انتقاده لم يعبر سوى عن نقصه، وعدم نجاحه في الحياة حتى أصبح شغله الشاغل الانتقاد، مضيفة: “يعني ده تقريبًا فئة واحدة بس من ضمن المجتمع اللي احنا فيه من بين المليون واحد اللي شجعوني، حد واحد انتقد يعني، وأنا شايفه إنه نقص منه يعني، هو مش عارف يعمل ربع اللي أنا عملته وقاعد سنين وصل بيه الفراغ إنه قاعد على النت بيتريق عليّ، طب متنزل أنت تشتغل، اللي عايز يشتغل بيشتغل، واللي عايز ينجح بينجح”.

“أي بنت عايزة تاخد خطوة في أي مشروع تاخدها، متركزش مع أي نقد، وحتى لو لقيته النقد ده فهو جاي من حد قليل من نقص عنده هو، فده مش هيقلل من دورك انتي كامرأة”، هكذا تقول ياسمين موجهة حديثها لأي فتاة تحلم بالعمل في أي مجال.

وتضيف: “في مقولة كدا إن المرأة نص المجتمع، لأ.. المرأة هي كل المجتمع فعلا فالمرأة هي اللي بتنزل وهي اللي بتشتغل، دلوقتي المرأة زيها زي الرجل مفيش اختلاف ومفيش فرق، وأي بنت عايزة تبدأ مشروع تاخد الخطوة ومتخافش، وهتلاقي اللي بيشجعها يعني زي منا لقيت الي شجعني ووقف جنبي”.

تحلم ياسمين أن ترى مشروعها يكبر من “عجلة” إلى “كرفان” ثم “عربة متنقلة” و”كشك” في مكان ثابت، وصولًا إلى المحل.
 

ربما يعجبك أيضا