مستقبل نتنياهو.. كل الطرق تؤدي إلى اليمين

محمد عبد الدايم

رؤية – محمد عبد الدايم

في خضمّ الجدل حول الفساد الحكومي في إسرائيل، خرج أربعة من الحاخامات ببيان، أعلنوا فيه تأييدهم المطلق غير المشروط لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقالوا في بيانهم: “إن الرب ينتظر من الإسرائيليين أن يتدبروا الأمور باستقامة فيما يتعلق بالرجل العظيم الذي يقود الأمة، وندعو الإسرائيليين لعدم ارتكاب الظلم بحق رئيس الوزراء”.

أصبح السؤال الأكثر تواترا على صعيد السياسة الإسرائيلية هو: “ماذا بعد نتنياهو؟”، وهو سؤال يستتبعه مجموعة من الأسئلة الحائرة التي ستعبر إجاباتها في جميع الأحوال عن مرحلة جديدة في تاريخ إسرائيل.

من المؤكد أن حكومة نتنياهو ستصل في وقت ما إلى مرحلة النهاية، وقت قريب أو قد يطول بعض الشيء، فالرجل الأول في إسرائيل يواجه اتهامات بالفساد يُحاسب عليها العديد من المقربين إليه الآن، ومنهم من يتحول إلى شاهد إثبات لينجو بنفسه، لكن نتنياهو نفسه ما يزال يصارع طواحين الهواء، ويزعم أنه “يتعرض وأسرته للاضطهاد اليومي منذ سنوات عديدة، لكن في الأخير لن يوجد شيء من الممكن يُثبَت ضده ويقصيه”، أو يحيل مصيره إلى السجن كمصير سلفه أولمرت.

الرجل الأول إلى متى؟ 

هذه الثقة التي يتحدث بها نتنياهو وفريق محاميه وإدارة مكتبه تفتح الباب أمام احتمالية نجاته من مقصلة التحقيقات الضارية التي تزيد ملفاتها يوما بعد يوم، ومن ثم فإمكانية بقائه في منصبه رئيسا للحكومة ما تزال واردة كسيناريو أول، وحتى الآن لم ترتق الشبهات ضده إلى درجة اعتقاله، رغم اقتناع جهات التحقيق بأن حجم الأدلة لديها ضده يستدعي خضوعه للاستجواب الرسمي، وربما يصل الأمر إلى اعتقاله، وهو السيناريو الثاني المطروح، لكن نتنياهو يصر على عدم التراجع أمام ضغوط الرأي العام وأدلة جهات التحقيق، وبالتالي فلم يفكر حتى الآن في تقديم استقالته، وهذا هو السيناريو الثالث، فهو يعلم جيدا أن تقديم الاستقالة في هذا الوقت تحديدا -رضوخًا للضغوط- يمكن أن يفتح في وجهه جحيم التحقيق، مثلما فعل أولمرت حين استقال بعد ضغوط كثيرة وظهور أدلة تشير لفساده، والنتيجة مكوثه في السجن لمدة 19 شهرا.

يصر نتنياهو وحزبه على أن القانون لا يرغمه على تقديم الاستقالة طالما لم يخضع بعد للمحاكمة بتهمة الفساد، كما أنه يحاول استنزاف الضغوط الشعبية بسبل شتى، في مساع لتبخير هذه الضغوط، فتارة يهاجم قوى المعارضة، وتارة أخرى يصرف الأنظار عن فساده بتحركات سياسية واقتصادية خارجية أثمرت عن وفرة من المكاسب تصب في صالح إسرائيل، مثل زيارته لدول أمريكا اللاتينية، وكذلك زيارته التاريخية للهند.

السيناريو الرابع يتمثل في اضطرار نتنياهو للإعلان عن حل الائتلاف الحكومي والدعوة لانتخابات مبكرة، وهذا السيناريو مطروح ليس بسبب قضايا الفساد وحدها، ولكن بسبب الصراعات الكبيرة بين أطراف الائتلاف الحكومي، وهي الصراعات التي تشعلها أحزاب الحريديم بالائتلاف، على خلفية قضايا شائكة مثل تجنيد الحريديم بالجيش الإسرائيلي، وشريعة يوم السبت، وقانون القومية، إضافة لمحاولات اليمين بالحكومة تديين مؤسسات الدولة الإسرائيلية بشكل فج، وهي المحاولات التي أثارت الرأي العام العلماني بالأساس، وأثارت مخاوف كبيرة على مستقبل إسرائيل.

مستقبل هاليكود وترقب المعارضة:-

صعد حزب هاليكود إلى منصة الحكومة الإسرائيلية للمرة الأولى عام 1977 بعد انتخابات الكنيست التاسعة، واستتبع هذا الصعود وجودا بارزا للتيارات الدينية اليهودية، واستمر صعود هذه التيارات كجماعات وأحزاب شريكة في حكومات ائتلافية، آخرها حكومة نتنياهو، مع تراجع كبير لحزب اليسار الصهيوني الأكبر هاعفودا، إضافة إلى اضمحلال قوة حزب ميرتس اليساري الذي تعتمل فيه أزمة كبيرة في الوقت الحالي تهدد وحدتة الصغيرة جدا على الساحة السياسية.

رغم استشعار البعض داخل حزب هاليكود بأن نتنياهو أصبح يمثل عبئا على الحزب قد يؤثر على مستقبله السياسي في الانتخابات القادمة، فإن إشكالية تصعيد قائد جديد تبدو أكثر تعقيدا، لأن معظم الأسماء المطروحة لخلافة نتنياهو لا تتمتع بالتأثير والشعبية مثلما يتمتع رئيس هاليكود والحكومة، الذي ما يزال يحظى بشعبية على محيط واسع في إسرائيل، شعبية لا يحظى بها أي من المطروحين لخلافته، مثل يسرائيل كاتس وزير النقل، جلعاد أردان وزير الأمن الداخلي، ميري ريجِف وزيرة الثقافة، جِدعون ساعر الذي عاد مجددا للحياة السياسية، وغيرهم من الأسماء.

على جانب آخر يقف يائير لابيد على مقربة، حيث يترقب رئيس حزب ييش عاتيد ما تؤول إليه حكومة نتنياهو، مع ارتفاع أسهمه يوما بعد يوم لخلافة هاليكود في رئاسة الحكومة، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى ارتفاع شعبية حزبه، وإمكانية حصوله على نسبة أكبر من مقاعد الكنيست إذا ما أجريت انتخابات جديدة، لكن الأمر ليس محسوما، فحتى الآن ليس مرجحا أن يستطيع لابيد الحصول على أغلبية تؤهله لتقلد منصب رئاسة الوزراء، على الأقل لن يستطيع وحده تشكيل حكومة، فيما يظل موقف حزب هاعفودا ضعيفا رغم التغييرات التي طرأت عليه، مع فوز آفي جفاي برئاسة الحزب، فحتى الآن ما يزال جزب اليسار الصهيوني غير قادر على استجداء الاقتناع الشعبي مجددا.

قوة موقف نتنياهو رغم الفساد:-

أصبحت قضية سوريا أمرا واقعا منذ سنوات، لكن مع دخول روسيا والولايات المتحدة بقوة للتدخل في الشأن السوري سياسيا وعسكريا، دخلت إسرائيل على الخط لتحقق مكاسب سياسية وعسكرية هي الأخرى، على رأسها الضغط على حزب الله اللبناني في سوريا، في مساع لتحجيم قوته المتزايدة، وفي الوقت نفسه تتحاشى إسرائيل حتى الآن الدخول في مواجهة مباشرة جديدة مع الحزب، فالولايات المتحدة تتكفل بالضغط على أتباع نصر الله في سوريا، وكذلك تسعى لحل إشكالية ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان بما يقلص احتمالية المواجهة مع إسرائيل، لتستفيد الأخيرة اقتصاديا من حقول الغاز والنفط في المتوسط، دون الاضطرار لمعركة مع حزب الله.

على جانب آخر تدخلت روسيا هي الأخرى بقوة في الشأن السوري، بمبرر محاربة داعش، وبالفعل تراجع التنظيم الإرهابي كثيرا في الداخل السوري، كما انحصرت قوته في العراق، لتصبح القوتان الكبيرتان أمريكا وروسيا بمثابة حائط صد يحمي إسرائيل من حزب الله ومن داعش في الوقت ذاته، أيا كان مصير سوريا وشعبها.

على الجانب الآخر، وبعد هدوء لاح أخيرا في أواخر عهد أوباما، بدأت أزمة النووي الإيراني تلوح مجددا في عهد ترامب، لتبدأ جولة جديدة من الصراع الذي تشعله إسرائيل أكثر من أجل الضغط على إدارة أوباما لتحجيم القوة الإيرانية المتصاعدة، على الصعيدين النووي العسكري والسياسي الخارجي.

بالنسبة للجانب الفلسطيني؛ يبدو الأمر أكثر راحة لنتنياهو، فالقضية الفلسطينية يتراجع الاهتمام بها يوما بعد يوم، مع التآكل الظاهر في المؤسسات الفلسطينية، وتراجع حركة فتح مع استمرار الجمود السياسي، وعدم الوصول إلى مصالحة حقيقية مع حماس، إضافة إلى تراجع التهديدات الأمنية بشكل كبير، وزيادة التوسع في الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية بأريحية كبيرة.

الطفرة الاقتصادية

رغم كم المشاكل التي تعصف بحكومته، فإن مؤشرات الاقتصاد الإسرائيلي تؤكد أن نتنياهو استطاع تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة في إسرائيل، خصوصا في العام الماضي، ويستمر التوهج هذا العام، مع توقيع اتفاقيات اقتصادية وأمنية مع دول في أمريكا اللاتينية والهند ومؤخرا اتفاقية مع مصر لتصدير الغاز وصف نتنياهو التوقيع عليها بيوم العيد، وتصب هذه الطفرة الاقتصادية في صالح نتنياهو، وهو خبير اقتصادي كذلك، رغم توغل حكومته في المخصصات الاجتماعية للشرائح الأقل دخلا والمعوقين، ورغم تراجع خدمات التأمين الصحي والتعليم.

ضعف قوة المعارضة

في المقابل لم تشفع للمعارضة تحركاتها على الأرض، فرغم فضائح الفساد التي طالت نتنياهو وزوجته وابنه والعديد من المقربين له، ورغم الصراع بين أطياف الائتلاف الحاكم، فإن اليسار الإسرائيلي لم يستطع حتى الآن اجتذاب تأييد الجمهور في الشارع الإسرائيلي، فلم ينهض حزب يساري معافى يستطيع مواجهة هاليكود أو أي حزب يميني غيره، كما لم تحقق فعاليات اليسار نتيجة إيجابية كبيرة، سواء المظاهرات ضد الفساد أو ضد ترحيل اللاجئين الأفارقة، أو ضد هيمنة اليمين الديني.

نقل السفارة أكبر هدايا ترامب:-

من أبرز المكاسب السياسية التي يعتمد عليها نتنياهو لترسيخ شعبيته إعلان ترامب نيته نقل سفارة بلاده إلى القدس واعتبار المدينة عاصمة لإسرائيل، وهو الإعلان الذي أثار حفاوة كبيرة على المستويات كافة في إسرائيل، وأعطى دفعة سياسية تأمينية لبنيامين نتنياهو، وما زاد من توهج القرار إعلان الإدارة الأمريكية مؤخرا عزمها نقل السفارة قريبا جدا مع حلول ذكرى قيام إسرائيل (النكبة الفلسطينية)، ومن المؤكد أن نتنياهو سيقاتل كي يظل في رئاسة الوزراء ليشهد عهده إعلان الولايات المتحدة اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل.

الواقع يقول: إن نتنياهو وهاليكود يتمتعان حتى الآن بقوة سياسية كبيرة، ولا توجد احتمالية لأن ينهزم حزب رئيس الوزراء أمام حزب يساري، ربما تشهد المعركة الانتخابية، سواء كانت قريبة بانتخابات مبكرة، أو في موعدها بعد انتهاء ولاية نتنياهو بنهاية 2019، صعودا لأحزاب يمينية علمانية أخرى، مع استمرار ظهور الأحزاب الدينية، لكن اليسار أبعد ما يكون عن الصورة حتى الآن.

ربما يعجبك أيضا