نحو نموذج مصري للتميز المؤسسي (4)

هيثم البشلاوي

هيثم البشلاوي

استعرضنا في السياق السابق أكثر ثلاثة نماذج وجوائز للتميز المؤسسي انتشارا وقدرة على التأثير في عجلة دوران التنمية ليتضح لنا مدي جدوي تلك النماذج التي كانت بمثابة الكود العلمي والعملي لنهضة أكبر ثلاثة أقطاب اقتصادية حول العالم (اليابان – الولايات المتحدة – الاتحاد الأوروبي)، وقد كان الدافع من تناول تلك النماذج الثلاث هو الوقوف على عوامل القوة التي استطاعت من خلالها  تلك الدول تحقيق تحول كامل لرؤيتها الاستراتيجية من خلال اعتمادها لنماذج التميز كمرجعية لتوحيد الأداء ومعدلات التنمية المستدامة، ليكون ذلك بمثابة دافع لمقترح تبني مصر لمنهج ونموذج للتميز المؤسسي.

مصر … ثورة إدارية لتحقيق التميز المؤسسي

يجب أن نقر بان الهيكل المؤسسي للمنظمات العاملة بمصر لم يعد بحاجة لإصلاح مؤسسي جزئي بل بحاجة لتغيير جذري في هيكليتها ورؤيتها والعمل على اعتماد منهج  محدد للتميز المؤسسي يكون قادرا على الانتقال بها من حيز المنافسة المحلية الي نطاق التنافسية الدولية، والتي لم تعد مصر مخيرة في الدخول فيها، وبتلك الضرورة الملحة تجد مصر نفسها أمام تحدٍّ داخلي لتحقيق معدلات تنافسية قائمة على مبدأ التميز المؤسسي كلغة دولية للمنافسة، وهو ما دفعنا لوضع التصور التالي:

أولا: كيف نبدأ.. جائزة أم نموذج للتميز المؤسسي؟
هناك مقدمات ومؤشرات إيجابية لتحرك مصر نحو تبني جائزة للتميز المؤسسي تحت إشراف رئاسة الجمهورية ووزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، وهو ما يمهد لنشر ثقافة التميز المؤسسي، ولكن كيف يمكن لمصر تعبئة تلك الجهود لطرح رؤية متكاملة لاعتماد التميز المؤسسي كمنهج مستدام لأداء؟

يتمثل المدخل الأمريكي في فرض التميز المؤسسي بقوة القانون هو المدخل الأنسب والأسرع لتطبيق معايير التميز المؤسسي على الشركات العاملة، ويتمثل ذلك بصدور قرار من رئيس الجمهورية بإنشاء المنظمة المصرية للتميز المؤسسي لتكون هي الجهة الوطنية المعنية بمتابعة جائزة التميز المؤسسي, ويقترح أن تعتمد مصر أحد نماذج التميز المؤسسي الدولية كمرجعية لجوائز التميز المؤسسي المحلية لتقترن بجائزة أخرى دولية، ويقترح اعتماد معايير النموذج الأوروبي للتميز المؤسسي كمرجعية لإعداد نموذج مصري متكامل للتميز المؤسسي.

وهذا المقترح ليس بحاجة لبنية تحتية بل هو قائم على هيكلة وتكامل الأدوار بين مؤسسات قائمة فعليا، وذلك لربطها بالواقع العملي والانتقال بها من مرحلة الجزر المنفصلة إلى الشراكة تحت مظلة مقترح (المنظمة المصرية للتميز المؤسسي) ليتضمن هذا التكامل التعاون بين كل من: (المعهد القومي للتخطيط, أكاديمية السادات للعلوم الإدارية, مركز إعداد القادة لإدارة الأعمال, الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد, الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة).

ثانيا: الهيكل المقترح للمنظمة المصرية للتميز المؤسسي
تتمثل آلية بناء النموذج المقترح على تطوير وهيكلة الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة  وهي جهة الاختصاص بجمهورية مصر العربية المعنية بمنح علامة الجودة وشهادات المطابقة للسلع والمنتجات الصناعية طبقا للمواصفات القياسية المصرية والأجنبية، لتصبح الهيئة نواة لمقترح المنظمة المصرية للتميز المؤسسي، وذلك بتحويل علامة الجودة التي تمنح حاليا إلى عدد من جوائز التميز المؤسسي في مختلف قطاعات عمل الدولة لتعتمد معايير النموذج الأوروبي Efqm كمرجعية لتلك الجوائز.

ويقترح أن تنقسم المنظمة إلى وحدات وبرامج متكاملة من حيث المهام كالتالي:

1. وحدة نماذج الجودة الدولية
دورها التنسيق وتبادل الخبرات مع المنظمات الدولية المعنية بالتميز المؤسسي والشراكة الكاملة مع المنظمة الأوروبية للتميز المؤسسي كجهة اعتماد لعمل المنظمة المصرية للتميز المؤسسي. لتكون تلك الشراكة بمثابة عامل للخبرة المكتسبة لرؤية مصر لتطبيق معايير التميز الأوروبية بشكل عاجل بما يؤهلها للمنافسة في السوق الإقليمي المعتمد على النموذج الأوروبي كمعاير للمنافسة.

2. مراكز التميز المؤسسي
وهي مراكز متخصصة تعمل بالشراكة مع وزارة التخطيط والوزارات المعنية بعمل كل مركز, مثل (مركز لتميز المؤسسات التعليمية, مركز تميز المؤسسات الطبية…)، وتعتمد تلك المراكز حسب خطة توسع المنظمة المصرية للتميز المؤسسي في القطاعات المختلفة كما تكون مكلفة بإعداد النموذج المصري للتميز المؤسسي، وتعتبر تلك المراكز بمثابة منبع ومصب نتاج عمل كل أنشطة المنظمة، وتقوم المراكز على شراكة كاملة مع الجامعات لطرح مشروع النموذج والجائزة المصرية للدراسة من طلبة الدراسات العليا إدارة اعمال والإدارة العامة وتكليفهم بإعداد دراسات مقارنة بين نماذج التميز الدولية والجوائز المحلية للوقوف على التحديات والفرص، ثم تجمع كل تلك الدراسات في المنظمة المصرية للتميز المؤسسي للوقوف على تصور كل مركز لمعايير التميز التي ينبغي تطبيقها فى مجال عملة، والهدف من تلك المراكز أن تكون هي المسئولة عن تدريب كوادر المؤسسات التي تسعى لتطبيق التميز وذلك بالتعاون مع أكاديمية السادات للعلوم الإدارية ومراكز إعداد قادة إدارة الأعمال المنتشرة بالجمهورية.

3. برنامج محاكاة التميز المؤسسي 
ويعمل على تأهيل هياكل الشركات تحت الترخيص على اعتماد معايير التميز المؤسسي بمحاكاة المؤسسات الدولية المشابهة لها التي تطبق معايير التميز المؤسسي, والدعم الفني وتقديم الاستشارات لها.

4. برنامج جوائز التميز المؤسسي
ويتكون من خبراء للتميز المؤسسي من المعترف بكفاءتهم دوليا. وبذلك يكونون جهة التحكيم والاختصاص بفحص المؤسسات المتقدمة للحصول على الجائزة ’ويقترح أن يعمل هذا البرنامج باستقلالية كاملة عن بقية هيكل المركز لضمان عدم الانحياز أو التداخل في المهام. ويقترح أن تعقد المنظمة مؤتمر دولي للتميز المؤسسي بالتعاون مع بعض جوائز التميز المؤسسي العربية ومشاركة المنظمة الأوروبية للتميز والمنظمات الدولية المعنية بالتميز المؤسسي.

سوف نعمل في ختام الطرح على استعراض مقترح جوائز التميز النوعية والوقوف بالمقترح على مراحل التطبيق التي تمكنه من سرعة الانتشار ليكون بمثابة مدخل مصر لتحقيق معدلات تنافسية عالية من خلال تحقيق التميز المستدام.

ربما يعجبك أيضا