“خبز أمي”.. درويش يضع تاج القصيد على رأس كل أم

أماني ربيع

أماني ربيع

الأم براح بلا ضفاف ذراعاها حنية رائحتها وطن صدرها أمان، كثيرون كتبوا عن الأم إلا أن لقصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش “أحن إلى خبز أمي” وقعًا خاصًّا وحضورًا لا يغيب أبدا.

 كتب درويش عن الطفل الموجود بداخلنا جميعا الذي لا يشيخ أبدا مهما أصبح عمره والذي يظل دائما بحاجة إلى دفء أمه، حرك إحساسه الساكن بين الكلمات عواطف الملايين، لنكتشف فيما بعد أن وراء القصيدة قصة حكاها درويش بنفسه.

“كنا عائلة من ثلاثة أبناء وثلاث بنات، وكنت الفتى الأوسط بين الصبيان وهذا كان يضايقني.”

كان توسط درويش بين إخوته يصنفه بين الكبار عند توزيع المسؤوليات، وإذا ما كان هناك توبيخا فكان يحتسب مع الصغار ويأخذ نصيبه من التوبيخ أيضا، وهو ما جعل شعورا دفينا يسكن قلبه يوما بعد يوم بأن أمه لا تحبه مثلما أحبت باقي إخوته.
 
ليس هذا فحسب، فوالده أيضا كان رجلا قليل الكلام لا يجيد التعبير عن مشاعره وهو أكد شعور درويش -غير الحقيقي- بأنه طفل منبوذ لا يحبه أحد، وكان جده هو ملاذه الوحيد الذي يبادله المشاعر والأفكار.
 
نشأ درويش طفلا خجولا لا يبوح بأسرار قلبه وأحاسيسه لأحد، حمل حزنه وحيدا حتى أصبح شابا، وظل على إيمانه بأن أمه لا تحبه، حتى أطاح بهذا الجدار الذي وضعته الظروف بينه وبين أمه اعتقاله من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي ودخوله السجن. 

يحكي درويش: “بعد اعتقالي جاءت أمي لزيارتي تحمل القهوة والخبز، منعوها من إدخالهم إليّ، سمعتها وهي تحاول بكل قوة أن توصل لي الخبز الذي خبزته بيدها والقهوة التي أعدتها من أجلي، وبعد أن سمحوا لها بالدخول، احتضنتي بقوة مثل طفل صغير، كانت تبكي، شعرت بدفق حنانها يتسرب إلى قلبي، وجدتني أقبل يديها كما لم أفعل من قبل، لحظتها انهار الجدار الذي كان بيني وبينها.”

في تلك اللحظة اكشتف درويش أنه كان ظالما، ظلم أمه لسنوات لاعتقاده أنها تحبه أقل من إخوته، لكن إحساسه لم يذهب أبعد من قبلاته، ومنعه خجله أن يبوح لها بما في قلبه من حب خلال الزيارة.
 
بعد انتهاء الزيارة ظل طيلة المساء نادما، ولم يجدر درويش المرهف غير شعره سفيرا يفضي عبره إلى أمه باعتذار مستحق،  لم يكن مسموحا لهم وقتها بورق للكتاب، فكتب قصيدة “اعتذار” على ورق ألومنيوم علبة السجائر، وحملها بالقرب من قلبه حتى خروجه من السجن.
ومنذ نشرها، وبعد أن تغنى بها مارسيل خليفة، أصبحت القصيدة تاجا على رؤوس كل الأمهات البسيطات التي أفنين حياتهن في خدمة أطفالهن دون انتظار شكر أو امتنان.

يقول درويش في قصيدته:

أحن إلى خبز أمي
 
وقهوة أمي
 
ولمسة أمي
 
وأعشق عمري لأني
 
إذا متُّ، أخجل من دمع أمي!
 
خذيني، إذا عدتُ يوماً
 
وشاحاً لهدبك
 
وغطّي عظامي بعشب
 
تعمَّد من طهر كعبكِ
 
وشُدِّي وثاقي 
 
بخصلة شعرٍ
 
بخيطٍ يلوِّح في ذيل ثوبكِ 
 
ضعيني، إذا ما رجعت
 
وقوداً بتنور نارك 
 
وحبل غسيلٍ على سطح داركِ
 
لأني فقدت الوقوف
 
بدون صلاة نهاركِ
 
هرمت، فردِّي نجوم الطفولة
 
حتى أشارك
 
صغار العصافير
 
درب الرجوع .. لعشِّ إنتظاركِ.

 
https://www.youtube.com/watch?v=Kj7Zj62rSA0

ربما يعجبك أيضا