ألمانيا.. هذه المرة مخاطر اليمين المتطرف تأتي من داخل الحكومة والبرلمان

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

يظل الإسلام والمسلمين موضوع جدل في ألمانيا بين الطبقة السياسية، ومصدر خلاف داخل  الائتلاف الحاكم، بسبب مصالح سياسية وأغراض انتخابية، تخدم اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية، واليوم تتخلى ألمانيا، عن مبادئها وعن سياسات الاندماج الاجتماعي، وتتجه كثيرا نحو سياسات الكراهية.

وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر  Horst Seehofer  أثار الكثير من الجدل بالقول يوم يوم 16 مارس 2018  بأن: “الإسلام ليس جزءًا من ألمانيا، الطابع المسيحي يميز ألمانيا، مثل عطلة يوم الأحد وأعياد وطقوس كنسية مثل عيد القيامة وعيد العنصرة وعيد الميلاد، الكريسماس”.

وأضاف زيهوفر الذي يترأس الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري Christlich-Soziale Union in Bayern e. V)  (CSU، الشقيق الأصغر للحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل “لكن المسلمين الذين يعيشون لدينا جزء من ألمانيا بالطبع، لكن هذا لا يعني بالطبع أننا نتخلى لذلك عن تقاليدنا وعاداتنا المميزة لبلدنا من منطلق مراعاة خاطئة”.

وفي ظل الجدل الدائر حول الدور الذي يلعبه الإسلام في ألمانيا، ردت ميركل على تصريحات وزير الداخلية زيهوفر  Horst Seehofer  بأن الإسلام جزءًا من ألمانيا.

وقالت ميركل  يوم21 مارس 2018  خلال إدلائها ببيان حكومي في البرلمان الألماني (بوندستاغ): “ليس هناك من شك في أن الطابع التاريخي المميز لبلدنا مسيحي ويهودي، لكن بنفس قدر صحة هذا الأمر، فإن من الصحيح أيضاً أن مع 4.5 مليون مسلم يعيشون لدينا، صار دينهم – الإسلام – الآن جزءاً من ألمانيا”.

وانتقدت ميركل الجاليات المسلمة، والمجلس الإسلامي بشكل غير مباشر، باعتمادها على استضافة أئمة مساجد من خارج ألمانيا، غير مطلعين على ظروق وأوضاع الجاليات المسلمة وظروف الشباب والتحديات التي يواججها الشبان.

وانتقدت ميركل مباشرة أئمة المساجد القادمين من تركيا، الذين ساهموا بنشر التطرف وتقديم الدعم اللوجستي للتنظيمات المتطرفة.

اللغة الألمانية تلعب دور في خطاب التطرف

يقول رومان فريدريش، مساعد اجتماعي متخصص في التطرف الديني ويشرف على مشروع لمكافحة التطرف الديني عبر الإنترنيت بمدينة كولونيا إن اللغة الألمانية تلعب دوراً كبيراً في ذلك.

فبينما يختار الأئمة في غالبية المساجد اللغة العربية أو التركية في خطبهم يختار السلفيون في الإنترنت اللغة الألمانية، ونحن نعلم أن الجيل الثالث من المسلمين لا يفهمون هذه اللغات بشكل جيد.

وعندما نلقي نظرة في الإنترنت نجد أن الدعاة السلفيين الأكثر شهرة وتأثيراً يخاطبون المتلقين باللغة الألمانية، وهذا بالمناسبة يشكل أحد عوامل استقطاب السلفيين لغالبية الألمان الذين اعتنقوا الإسلام.

وفي إطار تنامي صناعة الكراهية في ألمانيا، بلغ عدد الهجمات التي تعرض لها مسلمون ومساجد في ألمانيا خلال عام 2017 ، 950 هجوماً  وإصابة أكثر من 33 شخصًا وفقا لإحصائيات رسمية صادرة من وزارة الداخلية الألمانية.

الاعتداءات وصلت بالتجاوز على نساء يرتدين الحجاب وتلطيخ المساجد برموز نازية ووضع رؤوس خنازير أمام أبواب المساجد، وهي إشارة إلى التهديد.

وهذا ما دفع برئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أيمن مزيك، أن يصدر التحذيرات حول تهديدات النازية، يذكر بأن رئيس المجلس شخصيا وردت له تحذيرات بالقتل منتصف هذا شهر مارس الجاري لعام 2018، مما اضطر إلى إغلاق مركز المجلس.

ويسعى المكتب الاتحادي لشؤون الهجرة واللاجئين إلى تطوير برنامج موحد لتدريب العاملين في مكافحة التطرف الإسلامي، وأوضح إندريس أن المكتب يهدف للتعاون مع المعاهد العلمية لمنح شهادات للمتدربين.

ويقوم موظفو المكتب الاتحادي لشؤون الهجرة واللاجئين بإيصال الحالات بأحد مراكز الإرشاد الفرعية، وأحيانا تتطلب الحالة إرشادات لعدة أشهر أو عام.

تحديات اليمين الشعبوي من داخل البرلمان والحكومة

تواجه ميركل دخول حزب “البديل” (German: Alternative fr Deutschland, AfD) المعادي للهجرة إلى البرلمان أواخر شهر سبتمبر 2017 فيما شكل سابقة لحزب من هذا النوع في تاريخ البلاد لما بعد الحرب العالمية الثانية، مستغلا استياء الناخبين من وصول أكثر من مليون طالبي لجوء إلى البلاد.
وبات نواب اليمين الشعبوي (92 نائبا) القوة السياسية الثالثة في مجلس النواب الجديد وستكون أصواتهم محط أنظار الرأي العام.

فيما يخص موضوع صناعة الكراهية ضد المسلمين “الإسلاموفوبيا” Islamophobie، فإن صعود اليمين المتطرف خلال السنتين الأخيرتين جاء نتيجة الهجمات التي تنفذ من قبل الجماعات المتطرفة في ألمانيا، فالجماعات المتطرفة تتغذى على اليمين المتطرف، والعكس صحيح.

إن تصريحات وزير الداخلية الالماني الجديد هورست زيهوفرHorst Seehofe ، لم تأت  بجديد ولكنها هذه المرة جائت، أكثر وضوحا. ورغم أن هذه التصريحات لويبهوفر، تمثل مساره اليميني الشعبوي، رغم أنه محسوب على الجناح المحافظ داخل الحزب البافاري ” الاجتماعي المسيحي” والحاصل على ما يقارب 90 مقعدا في البرلمان: البندشتاغ”  Deutsche Bundestag ، فإن تصريحاته هذه تأتي لأغراض انتخابية.

ألمانيا قادمة على انتخابات تشريعية للمدن والولايات، خلال هذا العام، المراقبون وصفوا هذه الخطوة، محاولة من قبل وزير الداخلية الألماني لسحب أصوات حزب البديل من أجل ألمانيا، والذي وصل إلى إدارة ما يقارب 16 مدينة ألمانية خلال عام 2017.

وألمانيا دخلت على ما يبدو مرحلة جديدة “التمترس نحو الدولة القومية” وهو انزلاق خطير، هذا الانزلاق يعود لبيروقراطية التعامل مع القضايا على مستوى المحكمة العليا والبرلمان والحكومة.

وهذا يعني أن تصريحات اليمين المتطرف الشعبوي سوف تظهر أكثر خلال هذه المرحلة، ناهيك عن الإجراءات الصارمة التي أعلنها وزير الداخلية الألمانية، المتوقع تنفيذها ضد اللاجئين والمسلمين. 

مراكز احتجاز للاجئين ومراكز ترحيل سريع وحسم قضايا اللجوء بالرفض، من أجل تعجيل الترحيل القسري، واليمين المتطرف يجتاح ألمانيا إلى جانب العواصم الأوروبية، وبدء يكسر الحواجز الحدودية حتى في غرب أوروبا، فهناك عمل سياسي ممنهج داخل ألمانيا وعواصم أوروبية للعمل بشكل لا يتجاوز القوانين و”شرعنة” أنشطة اليمين الشعبوي والالتفاف على الدساتير والمحاكم الدستورية، وهذا ما يحصل الآن وكأنها مرحلة تحضيرية لمرحلة أشد.

الجدل حول الإسلام والمسلمين يبقى” قضية انتخابية” وسيكون واحدة من أبرز الخلافات داخل الائتلاف الحاكم، أمام  تراجع دور المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا وضعف دور الجاليات المسلمة بسبب ما اتخذته الحكومة الألمانية من قوانين وسياسات في أعقاب موجات الهجرة غير الشرعية واللاجئين.

ربما يعجبك أيضا