شركات الـ”أوف شور”.. ملاذات آمنة للأموال المشبوهة

حسام عيد – محلل اقتصادي

عندما تطفو قضية غسيل أموال على السطح فإن أول ما يخطر في الأذهان شركات الأوف شور، فهي غطاء آمن للأموال المشبوهة.

ما هي شركات الـ “أوف شور”؟

“أوف شور”.. مصطلح يعني لغويًا “خارج الشاطئ” واقتصاديًا “مؤسسة مالية خارجية”، وشركات الأوف شور هي شركات عابرة للحدود، يتم تأسيسها فى بلد بينما تمارس نشاطها فى بلد آخر، أى أن المستثمر ينشئ شركة خارج وطنه الأم ليمارس من خلالها نشاطه داخل الوطن، أو في أي بلد ثالث، وقد يتم ذلك الاستثمار بشكل مباشر، أو غير مباشر من خلال بورصات الأوراق المالية.

على سبيل المثال، يمكن لشركة إنجليزية تعمل في مجال الشحن البحري ولها مكتب وموظفين في إنجلترا أن ترخص شركة أوف شور في بنما وترفع علم بنما على سفنها التجارية بحيث تتجنب دفع ضرائب عالية على أعمالها التي تزاولها خارج إنجلترا، لذلك يشترط ألا تقوم هذه الشركة بتوزيع منتجاتها في السوق المحلي الذي تتواجد فيه.

ويتم تأسيس مثل هذا النوع من الشركات عبر شبكة الإنترنت، أو من خلال بنوك “الأوف شور”، وفي دول محددة تسمح تشريعاتها بهذا النوع من الشركات.

فيما يتطلب الترخيص من خلال إرسال اسم الشركة بالإنجليزية وصورة من جواز السفر للعميل وعنوان البريد الإلكتروني إلى شركة خدمات مالية كشركة موساك فونسيكا المتواجدة في بنما.

دول الجنان الضريبية

هناك بلدان وجزر محددة يتركز فيها نشاط الأوف شور أكثر من غيرها، ويطلق عليها دول النعيم الضريبي “Tax Heaven”، وأبرزها “جزر الباهاما، كايمان وجزيرة بيليز في أمريكا الوسطى، وسيشيل بأفريقيا، وبنما وجزر العذراء البريطانية وجزيرة موريشيوس في المحيط الهندي، وجبل طارق وموناكو وجزر مارشال والأنتيل وبرمودا وكوستاريكا وهونج كونج وسنغافورة وقبرص ولوكسمبورج وهولندا وسويسرا”.

تعتبر هذه الأماكن ملاذات آمنة لإيداع أموال الكبار وأموال الجريمة والأموال المنهوبة، حيث تضمن سرية المودعين ولا تخضع أموالهم لضرائب تذكر.

وقال الكاتب البريطاني نيكولاس شاكسون -في كتابه “مافيا إخفاء الأموال المنهوبة”- إن مثل هذه الملاذات ليست مقصورة على الجزر، بل موجودة في قلب العواصم الكبرى.

ولفت إلى أن أكثر من نصف التجارة العالمية، على الأوراق على الأقل، يمر من خلال الملاذات الآمنة، وأكثر من نصف الأصول المصرفية بالعالم وثلث الاستثمارات الأجنبية للشركات متعددة الجنسية تمر عبر “الأوف شور”.

وقدر صندوق النقد الدولي في عام 2010 أن الميزانيات العمومية لجزر المراكز المالية الصغيرة وحدها يبلغ مجموعها 18 تريليون دولار أي ثلث الناتج المحلي الإجمالي وقتها.

وذكر مكتب المساءلة الحكومي للولايات المتحدة في تقرير له عام 2008 أن 83 من أكبر 100 شركة أمريكية لها أفرع في الملاذات الآمنة، بالإضافة إلى أن 99 من أكبر 100 شركة أوروبية كانت تستخدم أفرعًا “أوف شور” بحسب بحث في عام 2009 لـ”شبكة عدالة الضرائب”.

إدارة الأموال المشبوهة

شركات الأوف شور باتت تعتمد على غسيل الأموال لإخفاء الثروات وتجنب المقاضاة وتجنب الضرائب وزيادة الأرباح وتحويل الأموال غير المشروعة إلى أموال مشروعة، لأناس تربحوا أموالهم بطرق غير مشروعة من مشاهير وسياسين ورجال أعمال يريدون التهرب والتملص من الضريبة في بلدانهم أو التستر على أملاكهم وثرواتهم التي جنوها بطرق غير قانونية من مناصبهم الرسمية.

وما يدعو للقلق هو أن تأسيس شركة أوف شور لا يتطلب وجود مقر حيث يكفي وجود عنوان بريدي للمكاتبات، ويمكن أن يكون للشركة عناوين أخرى مما يعني مزيد من التمويه والاخفاء.

وتتمتع شركة الأوف شور بالسرية فيصعب الكشف عن مؤسسيها، فهي كيان قانوني مستقل، ويسهل تأسيسها عبر الإنترنت بأمر مباشر من البنوك التي لا تحافظ علي سمعتها، ومن خلالها يمكن إيداع أو استثمار الأموال المتراكمة من خلال مجموعة شركات خاصة في مناطق الأوف شور حول العالم.

وهناك مناطق أوف شور توضع فيها الأموال المهربة كوديعة بنكية تتزايد فيها الفوائد والأرباح الرأسمالية، كما يمكن استثمار هذه الأموال المخفية في شركات الأوف شور في البورصات وأسواق المال وصناديق الاستثمار التي لا تتوافر مثلها للمواطنين المحليين، فقوانين الأوف شور عادة ما تكون أقل صراحة، وتسمح بحركة غير مقيدة، وربما عدوانية ايضا. وأخطر ما في هذه الشركات هو الخصوصية التي تحصن بها رؤوس الأموال واصحابها.

وتعين الشركات ممثلين عنها هم أوصياء على اسهمها بموجب عقد ائتمان يوقع مع أصحابها مما يشكل صعوبة بالغة في الكشف عن المساهمين، فهؤلاء الممثلون هم ملاك وهميون لها.

كمان أن هناك ايضا بنوك أوف شور، وهي بنوك توجد في أماكن بعيدة عن المودعين، وتتمتع بمزيد من السرية التي تفوق السرية المصرفية التي فرضها القانون في سويسرا عام ١٩٣٤. وفي هذه البنوك يسهل الوصول إلى الودائع التي تتمتع بحماية ضد عدم الاستقرار السياسي المحلي، وعدم الاستقرار المالي.

وعادة ما ترتبط بنوك الأوف شور بالاقتصاد السري والجريمة المنظمة ونهب ثروات الشعوب، فهي تتهرب من الضرائب وَتُخفي مصادر أموال عملائها.

ربما يعجبك أيضا