تقرير: النزعة العسكرية التركية تهدف إلى إعادة الروح وتجميع بقايا الإسلام السياسي

يوسف بنده

رؤية

لعبت استضافة بريطانيا للإسلاميين دورًا في توجيههم لأعمال استخبارتية ضد بلادهم، وكذلك في استخدامهم كورقة ضغط على حكومات بلادهم لأمور حقوقية وسياسية. وهو ما سعت تركيا أيضًا للاستفادة منه.

والجديد، هو تبني مسألة مكافحة الإرهاب ضمن الجهود الدولية، فتركيا تجمع بين النقيضين؛ تحارب التطرف وتقوم باستضافة المتطرفين على أراضيها، فلا يكاد يمر يوم من دون أن يحمل اخبارا توحي  بتوجّهات سياسية وعسكرية تركية لتوسيع مناطق للنفوذ في خارج تركيا تحت ذريعة تطهير المحيط الجغرافي لتركيا من تواجد التنظيمات الإرهابية وتأسيس حزام زمني لها.

يأتي ذلك بعد أن اجتاح الجيش التركي الشمال السوري محتلا منطقة عفرين وعينه على منبج وشرق الفرات وصولا للحدود العراقية وربما أبعد من ذلك باتجاه احتلال سنجار العراقية.

الرئيس التركي قالها أكثر من مرة إنه بالإمكان وفي أي وقت القيام بعملية عسكرية في سنجار.

بالطبع تجري عملية التغطية علي كل ذلك تحت شعارات مكافحة الإرهاب وملاحقة الجماعات المسلحة الإرهابية، ذلك هو الخطاب الرسمي التركي.

فما الذي يريده أردوغان وإلى أين تسير تركيا وماذا عن الملاذ الآمن للإخوان المسلمين وما تبقى من الإسلام السياسي؟

يجيب تقرير أحوال تركية: واقعيًا ليس هناك حماس داخلي ولا خارجي لمشاريع أردوغان التوسعية، وأردوغان نفسه لا يريد من الجمهور الواسع سوى السمع والطاعة.

لا شك أن الوهم السلطوي يقود إلى متاهات لا سيما مع التجبر والغباء السياسي ونعرة الأنا وكلها تتكامل في حالات سياسية بعينها لا حلّ لها لأنها نوع من الانحرافات التي لا سبيل لتصويبها.

في المقابل تبدو التراجيديا السائدة في تركيا اليوم كفيلة بتفكيك العديد من الثوابت، فعلى الصعيد المجتمعي صار الشعب الكردي أو الأقلية الكردية تشعر يوما بعد يوم بالاغتراب وإنها هدف لحملات تطهير تشبه الإبادة والتدمير لمدن وحواضر مهمة.

ففوهات بنادق الجيش التركي ما زالت تبحث عن بوصلة ما بعد عفرين ولا تعرف إلى أين سوف تتّجه في طور من أطوار الدولة التركية أكثر تماهيا مع العقلية العثمانية القائمة على الغلبة والتفوق وفرض الأمر الواقع.

يضاف إلى ذلك أن البراجماتية السياسية التي يتبعها حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان شخصيا صارت تجيّر كل هذه الحملات العسكرية من أجل الاستمرار في السلطة لاسيما وأن الانتخابات المقبلة على الأبواب في العام 2019.

على صعيد آخر يريد الرئيس أردوغان من حملاته العسكرية أن تمنحه مزيدًا من القوة في فرض أجندات الإسلام السياسي وفي طرح نفسه علي قمة الزعامة الإسلامية لكنه في نفس الوقت يواجه مزيدًا من التحديّات.

ففي تقرير موسع نشره موقع DW الألماني يقول: “أن هنالك عدة مؤشرات وجود رغبة لدى أردوغان بتقديم نفسه زعيماً إسلاميًا في مواجهة إسرائيل وترامب، لكن عبئاً ثقيلاً يكبلّه، خاصة اتفاقيات التعاون بين أنقرة وتل أبيب، ونظرة الشكّ التي تواجهه بها الكثير من الأنظمة العربية”.

على صعيد آخر يؤكد كريستيان براكل، رئيس فرع مؤسسة هاينريش بول في تركيا، “أن أردوغان يقدم نفسه في بعض الأحيان كمنقذ للمسلمين الذين يعانون من الاضطهاد والإساءة، وهو ما يكون أكثر سهولة عندما يتعلّق الأمر بالقدس، كون هذا الموضوع يخصّ مدينة تحظى بمكانة خاصة في قلوب الكثير من المسلمين في بلد مثل تركيا، حيث تجري الانتخابات بشكل دوري، يبقى موضوع مثل انتقاد إسرائيل أداة جيدة لكسب أصوات الناخبين”.

ولعل تتبع آليات الإسلام السياسي في موازاة ذلك سوف تقودنا إلى قراءة واقع تجمّعات الإسلام السياسي وكيف انفردت بجمهورها ونفذت إليه وكيف طرحت – وما تزال – شخصية أردوغان بوصفه “قائدًا إسلاميًا” يعني أكثر من غيره بشؤون المسلمين ابتداء من القدس وفلسطين مرورا بالروهينجا في ماينمار وليس انتهاء بكشمير المتنازع عليها ما بين الهند وباكستان.

في كل هذه الساحات كانت لحكومة العدالة والتنمية مواقف حماسية ألهبت مشاعر مواطني تلك البقاع كما أنها منحت لمروجي الإسلام السياسي والكاريزما الأردوغانية فرصة لترويج أطروحاتها.

أما على صعيد الداخل التركي فإن الإرث العلماني للدولة التركية كان وما يزال هو أحد أكبر المشكلات والتحديات التي تواجه مساقات الإسلام السياسي التي يسوّقها حزب العدالة والتنمية ويروّج لها أردوغان نفسه.

وللوصول إلى الهدف المنشود كان لا بد من دفن إرث أتاتورك نهائيًا والتخلص من الأسس الراسخة التي أسس بموجبها الدولة التركية وهو ما لم يتمكن منه أردوغان وظل شبح أتاتورك يلاحقه كما أنه يدرك جيدا أن ملايين الأتراك لا يمكن أن يتخلّوا يوما عن أهم رمز من رموز الدولة التركية إلا وهو أتاتورك.

ويبدو أن أردوغان قد وجد ضالته في حل مقابل بديل وهو الترويج لنفسه قائدًا موازيًا ولربما أقوى من أتاتورك كما توحي به ممارساته في الاستفراد بالحكم وبالقوة العسكرية.

يتعكز أردوغان في كل ذلك إلى إرث سابق في القفز على علمانية الدولة ومن ذلك مثلا تجربة زميله وأستاذه الراحل نجم الدين أربكان الذي يعد من أشد الزعماء الأتراك معاداة للعلمانية والذي استطاع لأول مرة في تاريخ تركيا أن يوصل الإسلاميين إلى الحكم.

استوعب أربكان تيارات المعارضة العلمانية بذكاء وبراجماتية سياسية واعية وكان قد دخل في ائتلاف حكومي مع حزب العدالة بقيادة سليمان دميريل، وبعدها مع حزب الشعب الجمهوري بقيادة بولند أجاويد، وبذلك وجد أردوغان نفسه ينحو المنحى نفسه في استيعاب تيارات المعارضة وحقق في ذلك إنجازًا مهما في احتواء حزب الحركة القومية التركي بزعامة دولة بهجلي الذي صار في سياساته ومواقفه الأخيرة متماهياً مع سياسات حزب العدالة والتنمية ومتوافقا تماما مع سياسات أردوغان ومنح نفسه صلاحيات واسعة بعد التعديلات الدستورية الأخيرة.

لا شك أن النزعة العسكرية التي تعيش تركيا فصولها اليوم يراد منها تقوية نفوذ وقوة الإسلام السياسي وإعادة إنعاشه تركيّاً هذه المرة بعدما فشل في العديد من الساحات وانصرف عنه جمهوره وصار عبئا على المجتمعات ولهذا يطرح أردوغان مشروع الملاذ التركي الأمن للإسلام السياسي والبديل الموضوعي للتجارب السابقة.

ومع أن تكلفة الحروب باهضة وكارثية ومع سيل الدماء من الضحايا في الحملات العسكرية التركية المتواصلة في داخل تركيا وخارجها، إلا أن النزعة العسكرية تسير باتجاه براجماتي لا أحد يعرف نهاياته مصحوبًا بخيال جامح يسيطر على عقل المفتونين بهذا النموذج، وتاليا إعادة الروح وتجميع بقايا الإسلام السياسي وطرح أردوغان زعيمًا مطلقا له وهو ما لا يجد له أرضية واقعية في وسط كم التعقيدات والمشكلات والصراعات القائمة.

ربما يعجبك أيضا