الصراع السياسي يحتدم .. “نتنياهو” رئيس حكومة غير مسؤول يتشبث بالسلطة

إبراهيم جابر

رؤية – محمد عبدالدايم

أصبح حديث الساعة في إسرائيل هو الصراع المحتدم سياسيًا بين أعضاء الائتلاف الحكومي من اليمين واليمين الحريدي، أو بين الحكومة والمعارضة، وينضم إليهم الجمهور الإسرائيلي خصوصًا مع تكاثر ملفات الفساد التي يتواتر اسم بنيامين نتنياهو فيها.

لاجئين أم متسللين.. توطين ثم ترحيل

 طفت على السطح مؤخرا مشكلة كبيرة ربما لم يظهر صداها خارجيًا بشكل كبير إلا منذ أيام، لكنها أوصلت حكومة نتنياهو إلى الحافة، فرئيس الوزراء الذي يواجه اتهامات الفساد ومعارضة اليسار قد اتخذ قرارا بالتوافق مع الأمم المتحدة لتوطين بعض اللاجئين الأفارقة الذي تسللوا إلى الداخل الإسرائيلي، وبعد أقل من يوم تراجع عن قراره، ورفض توطينهم باعتبارهم متسللين.

القضية المشتعلة منذ فترة أخذت أبعادا جديدة خلال الأسبوع الماضي، وتخطت مرحلة التسمية، فبينما يطلق اليسار الإسرائيلي على الأفارقة “لاجئين”؛ سميهم اليمين ودوائر السياسة والإعلام المحسوبة عليه “متسللين”، وشتان الفارق بين التسميتين، فاللاجئ يتمتع ببعض الحقوق وفقا لمواثيق الأمم المتحدة التي يطالب بها اليسار  من أجل هؤلاء الأفارقة، بينما يعتبر اليمين هؤلاء “متسللين” بلا أية حقوق ويجب ترحيلهم فورا، باعتبارهم في المقام الأول تهديدا للدولة التي يجب أن تكون ذات أغلبية يهودية، لا أن تستوعب أجناسا أخرى بديانات مختلفة.

في البداية أعلن نتنياهو توصله إلى تفاهمات مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أجل إخراج نحو 16250 من الأفارقة اللاجئين إلى دول غربية، بينما تنظم إسرائيل أوضاع بعض المتبقين منهم، وقوبل هذ القرار بعاصفة تأييد من اليسار الإسرائيلي، رغم معارضته لنتنياهو، فإنه اعتبر القرار لفتة إنسانية من رئيس الوزراء بحق آلاف الأفارقة الذين تسللوا إلى الداخل الإسرائيلي وقبعوا في جنوب تل أبيب بانتظار تحديد مصيرهم.

بعيد أقل من يوم أعلن نتنياهو عبر صفحته على فيسبوك تعليق الاتفاق مع مفوضية الأمم المتحدة، وبالتالي تراجع عن قرار توطين بعض اللاجئين في إسرائيل، وأعلن ترحيلهم خارج إسرائيل، رغم أن أوغندا ورواندا أعلنتا أنهما لم تصلا لاتفاق مع إسرائيل لاستقبال المرُحلين.

رئيس وزراء غير مسؤول

ما أثار استياء الرأي العام في إسرائيل أن رئيس الوزراء قد تراجع عن قرار بسرعة شديدة وأعلن تراجعه على صفحته على الفيسبوك، مما أعطى انطباعا أنه غير مسئول عن تصرفاته باعتباره الرجل الأول في إسرائيل، وإنما ظهر كتابع ذليل لليمين الديني الذي يشاركه في الحكم، وأظهر هذا التراجع المهين قوة اليمين الديني الذي أصبح يسيطر فعليا على الائتلاف الحكومي لتحقيق مصالحه الخاصة واستنزاف الفوائد عبر المناصب الوزارية لأجل أن يتربع اليمين الحريدي على العرش في إسرائيل.

نتنياهو في هذا الوقت لا يستطيع الوقوف في مواجهة أعضاء الائتلاف الحكومي من اليمين الديني، لأنهم ببساطة يضغطون بورقة الانسحاب من الائتلاف، وبالتالي تسقط حكومة رئيس الوزراء، وهي ورقة التوت الأخيرة التي تحميه من مغبة السقوط في الفخ الذي سقط فيه سلفه إيهود أولمرت، فنتنياهو يرفض الاستقالة، ويسعى جاهدا لمنع حل الحكومة كيلا يصبح في مواجهة تحقيقات الفساد دون حصانة سياسية، ومن هنا يظهر وكأنه خاضعا لسطوة اليمين الديني الذي اعتاد استخدام أساليب الابتزاز حين يكون مشاركا في أي ائتلاف حاكم كي يحقق أهدافه.

تراجع نتنياهو عن الاتفاقية مع مفوضية الأمم المتحدة معرضا سمعة حزبه وسمعة اليمين الحاكم للاستهزاء والهجوم، إضافة إلى اهتزاز صورته أمام الأمم المتحدة ذاتها، لكنه ببساطة لا يعبأ في هذه المرحلة إلا بالحفاظ على منصبه لأكبر وقت ممكن، كيلا يواجه تحقيقات الفساد، وليثبت لخصومه السياسيين أنه ليس بالمطمع السهل.

جمهورية الموز تثير عاصفة جديدة في إسرائيل

على جانب آخر اشتعلت أزمة سياسية أخرى قبل أن تنتهي مشكلة اللاجئين، فقد خرجت وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريجف لتعلن نية نتنياهو حضور مراسم إيقاد الشعلة خلال الاحتفال بمرور سبعين عاما على قيام إسرائيل (ذكرى النكبة) في مايو المقبل.

أعلنت ريجف عن حضور نتنياهو على خلفية إعلان الرئيس الهندوراسي خوان أورلاندو هرنانديز حضوره المراسم، وبالتالي يجب أن يكون نتنياهو حاضرا كإجراء بروتوكولي بصفته الرجل الأول في إسرائيل، إضافة إلى الكشف عن أن نتنياهو شارك وخطب في حفل إيقاد الشعلة خلال احتفالات ما يسمى بـ”يوم الاستقلال” الخمسين.

غير أن إعلان ريجف قد أثار زوبعة كبيرة في إسرائيل، لأنه من المتعارف عليه بروتوكوليا في إسرائيل أن يقوم رئيس الكنيست بإلقاء الخطبة في هذا الاحتفال، وليس رئيس الوزراء، مما حدا برئيس الكنيست يولي إدلشتطاين للتهديد بمقاطعة المراسم في حال تم توجيه دعوة لنتنياهو أو للرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين وسُمح لأي منهما بإلقاء خطبة، كما دعا الرئيس السابق للشاباك كارمي جيلون إلى مقاطعة المراسم إذا ما حضر نتنياهو وألقى خطبة، وناشد الإسرائيليين بإطفاء التلفاز وعدم مشاهدة المراسم.

كما عقبت وسائل إعلام إسرائيلية على تصريح ريجف بنية نتنياهو واعتبرت أن وزيرة الثقافة تضرب بأسس “البروتوكول والديمقراطية الإسرائيلية” عرض الحائط، واعتبرت صحيفة معاريف على سبيل المثال أن مسعى نتنياهو للسيطرة على حفل إيقاد الشعلة إنما يعتبر مثيرا للغثيان.

وبطبيعة الحال شن اليسار المعارض هو الآخر هجوما على ريجف وعلى نتنياهو متهما إياه بالتشبث بالمنصب على حساب إسرائيل، وطالب حزب ميرتس اليساري ممثلا في رئيسته عضو الكنيست تامار زاندبرج بعدم استقبال رئيس الهندوراس في حفل إيقاد الشعلة، باعتباره ديكتاتورا يرتكب انتهاكات خطيرة ضد حقوق الإنسان ويدير نظاما فاسدا في هندوراس.

جدير بالذكر أن هندوراس التي أطلق عليها فيما سبق “جمهورية الموز” إحدى الدول التي أيدت قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويحكمها خوان فرنانديز في ولاية جديدة بعد رفع الحظر الدستوري عن ترشحه، وفوزه بعد صراع مع زعيم المعارضة سلفادور نصر الله.

المثير في إعلان ريجف – بصفتها المسئولة الأولى عن تنظيم حفل إيقاد الشعلة- أن رئيس الكنيست المخول يولي إدلشطاين المخول له بروتوكوليا إلقاء الخطبة هو عضو بحزب هاليكود الذي يتزعمه نتنياهو وتنتمي إليه ريجف، وتأتي نية رئيس الوزراء بالحضور لترفع درجة الاحتقان الداخلي بالحزب الحاكم، حيث بدأت أصوات تتعالى لاستبدال شخص نتنياهو في منصب رئاسة الوزراء قبل أن تسقط الحكومة بكاملها على خلفية تحقيقات الفساد، وبالتالي تتراجع أسهم هاليكود لدى الرأي العام. 

أصبح نتنياهو إذا يمثل عبئا على حزب هاليكود من منظور بعض قياداته التي تفكر في تنحيته قبل أن يخسر الحزب موقعه في صدارة المشهد السياسي الإسرائيلي.

ربما يعجبك أيضا