هل ستنجر أوروبا إلى جانب ترامب في أي عمل عسكري ضد سوريا؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

“الصواريخ الروسية قادمة”، هذا ما كتبه الرئيس ترامب في سلسلة تغريدات يوم 11 ابريل 2018 ، ليوضح لاحقا : “لم أقل متى سيتم الهجوم على سوريا.

يمكن أن يكون ذلك قريبا أو ليس في القريب العاجل مطلقا”. فما زالت مواقف ترامب، تسودها الضبابية، بما يتعلق بأتخاذ قرار نهائي لتوجيه ضربات عسكرية على سوريا، في اعقاب الاتهامات الموجه الى النظام السوري باستخدام الاسلحة الكيمياوية ضد شعبه في الغوطة الشرقية، قرب العاصمة السورية دمشق.

فرنسا والولايات المتحدة تقولان بانهما حصلا على ادلة دامغة، على تورط نظام بشار الأسد بهجمات كيمياوية في الغوطة.

ولكن دمشق نفت ذلك، ولطالما نفت دمشق استخدام الأسلحة الكيمياوية منذ بدء النزاع في 2011، كما تؤكد أنها دمرت ترسانتها في 2013 بموجب قرار أمريكي روسي جنبها ضربة أميركية إثر اتهامها بهجوم أودى بحياة المئات قرب دمشق.

لكن المستشارة الألمانية ميركل استبعدت في حديث لها يوم 12 ابريل 2018 أن يشارك الجيش الألماني في توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري. أضافت ميركل: “لن تشارك ألمانيا في أي عمليات عسكرية محتملة، فلم يتخذ هناك قرار، أود أن أوضح ذلك مرة أخرى”.

وتابعت ميركل: “ولكننا نرى وندعم كل شيء يبذَل من أجل إرسال رسالة مفادها أن استخدام الأسلحة الكيماوية غير مقبول.

هل من موقف أوروبي واضح ؟

ما زالت الكثير من التساؤلات حول الموقف الأوروبي، وهل هناك موقف موحد، بطبيعة الحال، لا يوجد هناك موقف أوروبي موحد، حول مجمل القضايا، وبضمنها هذه القضية، الدور الأوروبي حول احتمالات توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا من قبل الولايات المتحدة.

ما ترشح في الوقت الحاضر هو الموقف البريطاني الواضح وكذلك الموقف الفرنسي مع تحفظ الماني، بعدم المشاركة بعمل عسكري جديد في سوريا، رغم إشارتها، بتأييد توجيه الضربة، باعتبارها عقوبة إلى نظام بشار الأسد.

السؤال : هل أوروبا ستنجر إلى جانب ترامب في أي عمل عسكري ضد سوريا؟

الخلافات ما بين ترامب وأوروبا تحديدا دول الاتحاد الأوروبي أبرزها ألمانيا كانت واضحة، لو استعرضنا خلفية المواقف الأوروبية:

الموقف البريطاني: جاء في أعقاب الخلافات البريطانية مع روسيا حول تورط موسكو بتسميم العميل الروسي سكيربال وابنته خلال شهرل مارس 2018، وفي أعقاب احتدام الجدل القاشم ما بين لندن وموسكو، الذي أعاد الحرب الباردة إلى الواجهة. بريطانيا ربما كانت تتحين الفرصة للرد على موسكو لمعاقبتها بتورطها بتسميم العميل الروسي سكيربال.

ما عدا ذلك العلاقات البريطانيا الأمريكية، أو بالأحرى الموقف البريطاني الأمريكي، لم يكن جديدا، تاريخ العلاقات الثنائية تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية وإلى العمل معا ضمن “تحالف العيون الخمسة” تحالف أمريكي بريطاني إلى جانب أستراليا ونيوزلندا وكندا، والذي انطلق أصلا للتجسس على الاتحاد السوفيتي السابق مطلع عقد الأربعينيات من القرن الماضي.

الموقف الفرنسي: إن الموقف الذي اتخذه ماكرون، ربما كان سريعًا ومندفعًا جدا، ليعكس طبيعة السياسة الخارجية الفرنسية، القائمة على ردود أفعال سريعة، واستخدام قوتها العسكرية المحدودة في المنطقة.

ربما الموقف الفرنس، كان يمثل مفاجأة في أوروبا، كونه جاء بهذه السرعة، بدون شك الرئيس الفرنسي ماكرون يحاول أن يظهر بان فرنسا، هي من تقود أوروبا من جديد أمام تراجع ألمانيا، ودور المستشارة الألمانية ميركل.

المشاركة في حرب مع ترامب ضد نظام بشار الأسد، تعطيه الكثير من الدعم، وتمنحه فرصة في أي دور مستقبلي تلعبه فرنسا في سوريا ما بعد بشار الأسد.

فرنسا استضافت المعارضة السورية وقدمت الكثير من الدعم السياسي لها، لكن هناك نقطة يجب الإشارة لها، أن البرلمان الفرنسي ربمل كان من أكثر البرلمانات الأوروبية تقربا من بشار الأسد، وهنا تظهر ربما ازدواجية في المواقف أن لم يكن هناك اختلاف في مسارات الإليزيه مع الجمعية الوطنية الفرنسية.

ما عدا ذلك الحكومة الفرنسية، أوضحت في وقت سابق، بأنها ممكن أن تتعاون مع موسكو من أجل إيجاد حل سياسي إلى الأزمة السورية.

تبقى كل من فرنسا وبريطانيا، دول فاعلة سياسيًا، كونها عضوًا في مجلس الأمن، وتمتلك القوة العسكرية، أكثر من ألمانيا وبقية الدول الأوروبية.

هل هناك أهداف سياسية إلى أمريكا وفرنسا وبريطانيا إلى جانب الأهداف الميدانية على الأرض في سوريا ؟

بالتأكيد أن ما يجري الآن من حراك سياسي بين الدول المعنية، يكشف، عن وجود ربما “نوايا سياسية مبيتة” ضد سوريا. وهذا ما يذكرنا في سيناريو الحرب على العراق عام 2003، إيجاد أسباب “مفبركة” لتبرير شن الحرب، وكأننا الآن أمام تحضيرات إلى مسرح حرب ضد سوريا.

رغم أن قواعد الاشتباك في الحالة السورية احتلفت عن الحالة العراقية، وخبراء الدفاع والتسلح يتوقعون، ستكون الأضرار جسيمة أضعاف ما شهده العراق، بسبب تطور نوعية الأسلحة المتوقع أن تستخدم في سوريا. ما عدا ذلك وجود روسيا في المعادلة، لا يستبعد أن ترتقي إلى حرب نووية.

الضبابية في الموقف الأمريكي ما زالت، وزادت بعد والتصريحات الجديدة التي صدرت مساء يوم 12 أبريل 2018، بعد انتهاء اجتماع  ترامب مع مستشارية للأمن القومي والحكومة المصغرة.

فهل كان ترامب يهدف إلى إرباك المشهد أو بالأحرى ايجاد ضغوطات على سوريا وروسيا وإيران من خلال هذه التصريحات؟
 
هذا وارد ، رغم أن، خيار شن الخرب ما زال قائما. الرئيس ترامب، عرف بأنه، رئيسًا غير منضبط بتصريحاته، وهو من يملك عنصر المفاجاة، هو رئيس خارج التوقعات، لا أحد يفهم ماذا يدور برأس ترامب.

الخبراء المعنيون في السياسة الدولية ، لم يستبعدوا أن تكون تغريدات ترامب كان يهدف من ورائه تحقيق غايات وأهداف موازية إلى شن الحرب، وهذا ما بات متوقعا.

وفي إطار الانجرار وكسب المواقف، على سبيل المثال، نجحت بريطانيا بجر أوروبا بالكامل، لتكون إلى جانبها ضد روسيا في قضية تسميم العميل الروسي سكيربال، فهل تنجر أوروبا هذه المرة إلى جانب ترامب في حربه المحتملة ضد سوريا ؟

تبقى أوروبا متحفظة جدا، هي القارة العجوز المنهكة والمستنزفة، ويكفيها ما موجود من أزمات ومعضلات تعصف بها من الداخل، حتى قوتها العسكرية، ما عدا فرنسا وبريطانيا، تعتبر قوة متهالكة، غير قادرة إلى المشاركة في حروب استراتيجية طويلة الأمد.

أوروبا، ضاقت ذرعا بتداعيات الأزمة السوريه والفوضى في العراق وليبيا، وبعيدا عن تورط اوروبا، فيما حصل في دول المنطقة من فوضى” جهادية”، فإنها الآن أدركت أن وضعها بات مهددا، وأن الأزمة السورية لا تتحمل أي فوضى أو مطاولة. غالبية دول أوروبا فهمت جيدا، أن ما يحدث في سوريا ودول المنطقة، يضر بأمنها القومي، لذا بات متوقعا، أنها تحاول البحث عن حل سياسي.
 

ربما يعجبك أيضا