أبو بكر البغدادي.. زعامة مُزيفة لماركة “خُلقت بغرض الانتقام”

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبد النبي

بين الغياب والظهور المتقطع لزعيم تنظيم داعش “أبو بكر البغدادي” الذي تكاثرت الأنباء حول مقتله في أكثر من مناسبة، ليعاود الظهور مرة أخرى وسط مبايعة أتباعه له، وكأن الظهور لدواعٍ أمنية ما يؤكد أن زعامته المقنعة ليست سوى مسرحية لزعيم قاد ماركة أطلق عليها “داعش” دون تخطيط مُسبق ودون قيادة قادرة على إدارته وتوجيهه، فبعد سقوط البغدادي وتوالي خسائر التنظيم لم يعد هناك سوى عمليات فردية من وقت لآخر، هدفها العودة مُجددًا للساحة، وفرض السيطرة بأيادي البطش والعنف والتعذيب والقتل الذي أرهب به الجميع في بدايته.

جدوى داعش

لم تبق هناك حاجة للتنظيم بعد أن سقطت دولة الخلافة المزعومة، كما لم تعد هناك حاجة لتلقي الأوامر من جهة مركزية، فقد ألهم زعيم داعش “أبو بكر البغدادي” كلمة السر لكل من يتبعه ويؤيده وهو القتل العمد أو القتل عن طريق الخطأ أو أن يصبح المرء متمردًا لا يتبع أوامر الحكومة أو السياسة التي تتبعها دولته، من هنا يطلق عليه داعشي لتتوالى أعمال القتل والتفجير والتعذيب، وإن كانت جميعها ليست مرتبطة بعقيدة أكثر من كونها وسيلة للانتقام.

وبالنسبة لداعش، فقد كان التنظيم وليد فكرة ساذجة جرى تسويقها  لملء الفراغ الذي كانت تملؤه سياسات الفساد والكراهية والعنف المستشري في بعض الدول العربية، وتحديدًا في العراق، وما مارسته قوات الاحتلال الأمريكية بحق العراقيين من قتل وتعذيب واضطهاد وإذلال دفعت بالعديد للاتجاه نحو التطرف والتشدد والبحث عن تنظيم يفسح له المجال للتنفيس عن رغباته الانتقامية.

ومن هنا جاء تنظيم “داعش” كأداة انتقامية يمكن من خلالها الاقتصاص من المُحتلين ومن الحكومات المتواطئة مع الاحتلال، الأمر الذي دفع ثمنه العديد من الأبرياء تحت أحكام ومبادئ واهية ليس لها علاقة بالإسلام، والدليل على ذلك وجود العديد من المقاتلين الأجانب الباحثين عن الانتقام أو الراغبين في تدفق الأموال.

واليوم، لم يعد للتنظيم أي وجود في العراق أو سوريا، عدا بعض الأعمال الإرهابية التي تقوم بها ذيول داعش المنفردة من هنا وهناك، ليس لها أي تخطيط أو إدارة، وإنما محاولات راغبة في استعادة نفوذها السابق عبر التهديد والوعيد وتبنيها للعديد من التفجيرات والعمليات الانتحارية، ومؤخرًا بالعودة للحديث عن عودة زعيمها “أبو بكر البغدادي” وكأنه الوصل الأخير لإنعاش جسد داعش المفتت من الثقوب.

زعامة مُزيفة

بدأ زعيم داعش”أبو بكر البغدادي” مسرحيته الهزلية بالخطاب الذي أعلن من خلاله دولة الخلافة المزعومة من الموصل، وهو الخطاب الذي لفت أنظار الجميع لمعرفة ما يخطط له التنظيم الجديد بعدما سيطر على مدن وقرى عديدة في العراق وسوريا وليبيا في 2014.

وبعد ثلاثة أعوام من معارك التحرير التي شاركت فيها قوات التحالف بقيادة أمريكا في العراق، والقوات الروسية والإيرانية في سوريا ودحر التنظيم، تلاشى زعيم داعش ولم يعد أحد يبحث عنه، فبعد تناول أخبار عديدة عن مقتله وفراره على الحدود العراقية السورية، بات خبرًا يتم تداوله وتنفيه عناصر داعش للتمسك بأخر أمل قد يبقيها كتنظيم.

وهنا يمكن معرفة الفرق بين الزعيم المُزيف والزعيم المؤسس، “البغدادي” ظهر في بداية ظهور داعش عبر خطاب متلفز بدا عليه الكثير من الاستعراض واختفى تدريجيًّا بعد ذلك، ولم يتعد هناك إشارة عن وجوده سوى بتسجيلات صوتية، بينما زعيم تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن” كان يُخطط جيدًا قبل ظهوره ويُدرب أعوانه على كيفية ظهورهم، فضلًا  عن تخطيطه للاحتفاء بذكرى 11 سبتمبر، فلفت أنظار الجميع وسعت الملاحقات الأمنية للقبض عليه خلال عقد من الزمان، إلى أن تمكنت القوات الأمريكية من قتله في 2011، فكان المغزى من مقتله أن يتحول إلى رمز لعدو يُحتمل ظهوره في أي لحظة.

رسالة انتقامية

وجاء وقت ظهور العدو، فالعديد من العوامل ساهمت في ظهور داعش، في شكل كيان له زعيم وعناصر ومؤيدين فضلًا عن دول ساهمت في تدعيمها بالأموال والأسلحة لتجد لنفسها ساحة داخل الدول التي باتت ساحة للصراعات كما في العراق وسوريا وليبيا ودول أفريقية كان لتنظيم القاعدة مساحة كبيرة بها، وبعد اغتيال “بن لادن” وتقهقر التنظيم خلال فترة ما، كان الاستعداد لخلق تنظيم موازٍ له في الشكل وليس المضمون، فتم تهيئته بالعديد من العناصر المُقاتلة والأسلحة والأموال والقدرة على الانتشار ساعده في ذلك الأزمات السياسية التي عصفت ببعض الدول فخلقت فراغَا سياسيًا، كان لها الدور الأكبر في تفريغ مؤسسات الدولة السياسية والأمنية والسماح بتنظيم داعش للتوغل فيها.

كان واضحًا من بداية التنظيم رسالته الانتقامية التي سعى لإيصالها للعالم، وذلك من خلال عمليات الإعدام الجماعية والقتل الوحشي واستعراض مهاراته في التعذيب عبر تقنيات السوشيال ميديا لإظهار مدى قوته وسيطرته وتحكمه بالأمور، لإرضاخ دول على الاستجابة لمطالبه فكانت الهجمة شرسة أعطت انطباعًا بأنها قوة غاشمة لا يمكن السيطرة عليها، ولكن مع مرور الوقت وتفكك التنظيم وانتشار جرائمه على أوسع نطاق، كان الانقسام والتشتت والاختلاف مصير هذه الماركة الهزلية التي بدأت ولكن لا زالت ذيولها حرة تتلاعب طالما أن هناك جهات ممولة تبقيها على قيد الحياة.
   

ربما يعجبك أيضا