أردوغان يعزي الأرمن.. دماء لا تمحوها مراوغات السلطان

محمود طلعت

رؤية – محمود طلعت

تعتبر مذابح الأرمن من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث، وارتكبتها الدولة العثمانية ضد السكان الأرمن بين عامي 1914 و1923.

وفي الذكرى الـ103 لتلك المذبحة التاريخية التي توافق الـ24 أبريل من كل عام، تؤكد تركيا مجددا عدم إمكانية إطلاق صفة الإبادة الجماعية على هذه الأحداث، وتصفها بـ”المأساة” لكلا الطرفين.

رسالة أردوغان

رغم التأكيدات العلمية والتاريخية والشواهد الكثيرة على المذابح التركية ضد الأرمن في بدايات القرن الـ20، تستمر أنقرة في التنصل من جرائمها، الماضية، معتبرة نفسها حضنا لهم، بمشاركتها في تلك الذكرى.

ووجهت تركيا، تعازيها إلى أحفاد ضحايا “المحرقة الأرمنية”؛ وبعث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسالة إلى البطريركية الأرمنية في إسطنبول، أكد فيها أن تركيا، تشارك مواطنيها الأرمن أوجاع الماضي.

وقال أردوغان في رسالته “تقاسمنا تلك الأوجاع، هو مؤشر على الموقف الوجداني والأخلاقي للشعب التركي ويجب عدم إتاحة الفرصة بعد الآن لمن يسعون إلى تحريف ماضينا المشترك بغية خلق الكراهية والخصومة من التاريخ، كما عهدناكم حتى اليوم”، حسب تعبيره.

تجريم تركيا

وجاءت رسالة أردوغان، في وقت تطالب فيه المنظمات الحقوقية، بتجريم تركيا وتحمليها مسؤولية إبادة الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، في الوقت الذي كانت تحكم فيه الدولة العثمانية سابقا، تركيا ومناطق عربية وغير عربية واسعة؛ واعترفت الأمم المتحدة إلى جانب أكثر من 20 دولة رسميًا بالجريمة البشعة.

 وتعكس رسالة أردوغان، التي تزامنت مع إحياء عشرات الدول التي اعترفت بالمذابح، لتؤكد التمسك بالرواية التركية الرسمية الموروثة عن الدولة العثمانية، والتي شكلت دفاع القيادات العثمانية التي قبض عليها البريطانيون عند دخولهم إسطنبول في 1919، أثناء المحاكمات التي انتظمت يومها لعسكريين عثمانيين.

سلوك دموي

وانتهجت الدولة العثمانية في مذابح الأرمن سلوكًا دمويًا، بني على القتل المتعمد والمنهجي للسكان الأرمن، إضافة إلى الترحيل القسريا لبلدان عربية مجاورة مثل سوريا ولبنان والأردن ومصر والعراق.

ويقدر الباحثون أعداد الضحايا الأرمن في تلك المجازر بين مليون ومليون ونصف شخص، وفي الحرب العالمية الأولى قام الأتراك بالتعاون مع بعض العشائر الكردية بإبادة مئات القرى الأرمنية شرقي البلاد لتغيير ديموغرافية تلك المناطق لاعتقادهم أن هؤلاء قد يتعاونون مع الروس والثوار الأرمن.

 قرار الإبادة الشاملة لم يتخذ قبل ربيع 1915، ففي 24 أبريل 1915 جمع العثمانيون المئات من أهم الشخصيات الأرمنية في إسطنبول وأعدمتهم في ساحات المدينة، لتنطلق بذلك شرارة الإبادة الجماعية، التي تواصلت أشهرا في مختلف الأقاليم الخاضعة للعثمانيين.

تبرير تركي

وتؤكد تركيا مرارا عدم إمكانية إطلاق صفة الإبادة الجماعية على هذه الأحداث، وتصفها بالمأساة لكلا الطرفين. وتقول إن ما حدث كان “تهجيرا احترازيا” ضمن أراضي الدولة العثمانية؛ بسبب عمالة عصابات أرمنية للجيش الروسي.

وتدعو أنقرة إلى تناول هذا الملف بعيدا عن الصراعات والمصالح السياسية، وحل القضية عبر منظور “الذاكرة العادلة”، الذي يعني التخلي عن النظرة أحادية الجانب إلى التاريخ، وأن يتفهم كل طرف ما عاشه الآخر.

كما تدعو تركيا إلى تشكيل لجنة من مؤرخين أتراك وأرمن، لدراسة الأرشيف المتعلق بأحداث 1915، الموجود لدى تركيا وأرمينيا ودول أخرى ذات علاقة بهذه الأحداث، لتعرض نتائجها بشكل حيادي على الرأي العام العالمي، أو إلى أي مرجع معترف به من قبل الطرفين.

أمريكا وتركيا

وجاء الرد الأمريكي على  ذكرى مذبحة الأرمن صريحا ومنتقدا لما أقدمت عليه تركيا في تلك الفترة، ؛ حيث وصف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في بيان له أحداث 1915، بـ”الكارثة الكبرى” قائلا: “اليوم نستذكر آلام الذين عانوا في الكارثة الكبرى، التي تعد إحدى أكبر المجازر الجماعية في القرن العشرين”.

ولفت ترامب إلى وجود عدد كبير من الأرمن الذين أسسوا حياة جديدة في الولايات المتحدة، مضيفا: “كخطوة ضرورية لبناء مستقبل أكثر تسامحا، نؤكد على أهمية استذكار العناصر المؤلمة للماضي وقبولها”.

وعلى الفور سارعت تركيا للرد على بيان ترامب وانتقاده، حيث أشارت الخارجية التركية، إلى أن أنقرة تنتظر من الإدارة الأمريكية اتخاذ موقف منصف من تلك الفترة التي شهدت أحداثا مؤلمة عاشتها جميع شعوب الدولة العثمانية.

وأضافت: “نذكّر الرئيس الأمريكي، بأنه في الفترة نفسها قتل أكثر من 500 ألف مسلم في أحداث قام بها متمردون أرمن”، داعيا إلى إلقاء الضوء على تلك الفترة الأليمة من التاريخ، عن طريق تشكيل لجنة تاريخية مشتركة.

وقالت الخارجية التركية: “نوصي الإدارة الأمريكية الأخذ بالحسبان رسالة الرئيس رجب طيب أردوغان الموجهة إلى أحفاد الأرمن العثمانيين في المراسم المذكورة، بتاريخ 24 أبريل 2018، التي تعكس موقف تركيا من هذه القضية الحساسة”.

ربما يعجبك أيضا