اليهود المغاربة.. المحظوظون في كل يوم تشرق فيه الشمس

شيرين صبحي

رؤية- شيرين صبحي

وسط شوارع المدن المغربية الكبرى مثل الصويرة، الرباط، والدار البيضاء؛ تبدو الملامح المميزة لليهود، من اللحى الطويلة، والطواقي الصغيرة السوداء، وهو يتوجهون كل يوم سبت لأداء طقوسهم في المعابد.

هذا المشهد ليس غريبًا في أرض المغرب، التي يصل عدد المعابد بها إلى 36 معبدًا، إلى جانب عدد من الأضرحة والمزارات المنتشرة في أنحاء البلاد، أشهرها فاس، الصويرة، وزان، مراكش، وتارودانت.

وفي وسط المدينة القديمة بالدار البيضاء، يشتهر الحي اليهودي وهو حارة كبيرة بها أكثر من 30 بيتًا، يعيش فيها العديد من المغاربة اليهود، وهو حي قديم محاط بالأسوار، كان مخصصًا لليهود قديمًا، قبل أن يهجروه.

كان اليهود يتجمعون في أحياء سكنية خاصة يطلق عليها اسم “الملاح”، وفي وقت من الأوقات شكل اليهود في مدينة الصويرة أكثر من نصف سكان المدينة.

الوجود اليهودي في المغرب قديم قدم التاريخ؛ حيث وصل التجار اليهود مع الفينيقيين في القرن التاسع قبل الميلاد. واستوطنوا تلك البلاد قبل خمسة قرون من ميلاد السيد المسيح. فبعد هدم الهيكل الأول المنسوب للنبي سليمان سنة 586 ق.م؛ لجأ عدد كبير من اليهود إلى المغرب.

أما أكبر هجرة إلى المغرب الأقصى فبدأت مع ظهور علامات سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس سنة 1492، والتهجير القسري الذي تعرض له المسلمون واليهود، وهروبهم من محاكم التفتيش.

استقرت أوضاع اليهود بالمغرب منذ الفتح الإسلامي، وتزامن ذلك مع الاضطهاد الشديد الذي تعرضوا له بأوروبا بعد اعتناق ملك القوط للكاثوليكية وصدور مرسوم عام 700م يقضي باستعبادهم. وتحسنت وضعيتهم أكثر بعد قيام حكم الأدارسة بالمغرب حيث سمح لهم إدريس الثاني بالإقامة والعمل في مدينة فاس.

وتم إنشاء أول الجاليات اليهودية في المدن الرئيسية خلال القرنين التاسع والعاشر الميلادي.

عمل اليهود في مجالات التجارة، وتاجروا في الدخان، كما عرفوا بصياغة الذهب في العاصمة العلمية وموكادور أو الصويرة، على مدى قرون.

ونظرا إلى شهرة الصناع والتجار اليهود في الصياغة والصيرفة، فقد أصبحوا محببين لدى الحكام، واستطاعوا الاقتراب من الدوائر العليا للبلاد، وأصبحوا موفوري الحظ حتى مع أشد الدول تعصبا ضد التواجد اليهودي في المغرب.

أثناء الحرب العالمية الثانية، طلبت حكومة فيشي الفرنسية الموالية لألمانيا، من الملك محمد الخامس، ترحيل اليهود تمهيدا لإرسالهم إلى معسكرات الإبادة، وهو الأمر الذي رفضه الملك قائلا “أن لست ملك المسلمين فقط، وإنما ملك لكل المغاربة”.

وما بين عام 1948 التي أعلن فيها قيام “إسرائيل”، وعام 1956 التي استقل فيها المغرب؛ هاجر ما يقرب من 90 ٪ من اليهود، حيث اتجه الأكثر فقرا إلى الكيان الناشيء، في حين هاجرت النخبة والطبقة المتوسطة إلى كندا وفرنسا.

بعد استقلال المغرب منح الملك الراحل محمد الخامس حقوقًا سياسية لليهود، وعين وزيرًا يهوديًّا هو بن زاكين في الحكومة الأولى والثانية، وأوقف الهجرة، حيث توقفت عملية تسهيل إعطاء الجوازات لليهود المغاربة ولكنها لم تمنع كليًّا.

في مذكراته “رجل من الملاح”، يروي شالوم وايزمان، أنه حين شاهد فيلم “حياة اليهود في بولندا”، الذي يصور معاناتهم حيث البرد، والفقر؛ قال: “خلال تلك السنوات كان الفقر في كل مكان، في الولايات المتحدة عاشت الأسر في الخيام وكانت جوعى، وفي باريس وغيرها من المدن الكبيرة، كانت البطالة كثيرة، وكان لكل طابق كامل من السكان مرحاض واحد. كان اليهود المغاربة محظوظين. كل يوم تشرق الشمس، وكان لنا جيران أفضل من يهود أوروبا البؤساء”.
 

تتعدد الاحتفالات الدينية اليهودية في المغرب، فهناك ما يزيد على 50 هيلولة “احتفال ديني يهودي مغربي” مرتبطة بمواسم الأولياء اليهود في المغرب.

وتستقبل مدينة تارودانت سنويا آلاف اليهود القادمين من إسرائيل وأوروبا، الذين يجتمعون لإحياء “هيلولة ربي دافيد بن بروخ”، وهو طقس ديني يحرص اليهود المغاربة على حضوره.

ويعتبر اليهود المغاربة هذه التجمعات مناسبة جيدة للتواصل بين الذين فضلوا الاستقرار بالمغرب وبين الذين رحلوا منذ ستينيات القرن الماضي.

وهناك العديد من المبادرات الحكومية الهادفة إلى إعادة الاعتبار للمكون اليهودي، منها ترميم الكنائس اليهودية كـ”صلاة الفاسيين” عام 2013، كما تقود الجمعيات الناشطة، العديد من المبادرات الأخرى.

يتمتع اليهود في المغرب بعلاقات طيبة مع السلطات الرسمية، ومع المواطنين المسلمين، ويحتل بعضهم مواقع هامة مثل أندري أزولاي الذي يعمل مستشارا خاصا للملك محمد السادس. ويرى أزولاي أن اصرار عشرات الآلاف من اليهود في فرنسا وإسرائيل وكندا على الاحتفاظ بهويتهم المغربية والاعتزاز بها يشكل قوة كبرى لليهود المغاربة.

ويتمتع اليهود بالمواطنة الكاملة، فهم ناخبون ومرشحون. كما وضعت لهم الدولة إطارا قانونيا يتوافق مع مبادئ الديانة اليهودية، ففي مجال الأحوال الشخصية، يخضعون لقانون خاص وفق الديانة اليهودية.

ووفق تقرير صادر سنة 2010 عن “منتدى بيو للديانة والحياة العامة” الأمريكي، تصل نسبة اليهود إلى 0,2 %، أي حوالي 70 ألف من مجموع المغاربة الذي يصل إلى 35 مليون نسمة، لكن العديد من المراقبين يرون أن هذا الرقم مبالغ فيه.

يقول رئيس الطائفة اليهودية في مراكش: “في المغرب لدينا تجربة نموذجية في التعايش السلمي بين المسلمين واليهود، وهذه التجربة نريد من الشرقيين أن يستفيدوا منها، فهي تبرهن على إمكانية التعايش في سلام إذا ما توفرت الإرادات والعزائم. ونحن نسعى للحفاظ على هذا التراث المغربي المتميز وصيانته للأجيال القادمة، والتعريف به كصورة بديلة وممكنة لصور العداوة والتطاحن السائدة اليوم في وسائل الإعلام”.
 

ربما يعجبك أيضا