الانتخابات الرئاسية التركية المبكرة.. الهروب إلى الإمام

يوسف بنده

رؤية

دوافع الانتخابات المبكرة:

القلق من تأثير تدهور الاقتصاد على شعبية الحزب الحاكم.
القلق من تأثير تزامن الانتخابات البرلمانية والمحلية على إنتخابات الرئاسة.
استغلال حالة الطوارئ الحالية لتفكيك المعارضة، سيما حزب الشعوب الديموقراطي التابع للأكراد.
استغلال الهيمنة على الإعلام وغياب صوت المعارضة.
استغلال فرصة التحالف التاريخي بين حزب العدالة والتنمية والحزب القومي.
استعجال البدء العملي والقانوني للنظام الرئاسي الجديد في تركيا، والحصول على صلاحيات أوسع.

أعلن الرئيس التركي، الـ 24 من شهر يونيو المقبل، موعدًا لإجراء انتخابات مبكرة، بدلًا من موعدها الذي كان مقررًا من قبل في نوفمبر من العام 2019 المقبل. أي قبل 16 شهرا من الموعد المقرر، وهو مؤشر على سعيه لتعزيز هيمنته على السياسة والمجتمع في تركيا، قبل أن تسنح الفرصة للمعارضة للملمة صفوفها وإيقافه، أو قبل أن يودي به تعثر الاقتصاد.

كانت البداية، هي اقتراح من الحليف الجديد الحزب القومي، بزعامة دولت بهتشلي، الذي استطاع أردوغان اخضاعه هو وحزبه في تحالف ملئ بالاغراءات خلال الفترة الأخيرة.

سلطات أوسع

أردوغان هو الرئيس بالفعل ولديه سلطات واسعة بالنظر لحالة الطوارئ المفروضة حاليا في البلاد. لكنه، وبسبب التعديلات الدستورية التي أقرت في عام 2017 سيحكم لخمس سنوات أخرى، إذا فاز بالانتخابات المبكرة، وحينها ستكون سلطاته أشمل وأوسع، وبشكل رسمي.

على سبيل المثال سيختفي منصب رئيس الوزراء، وسيملك أردوغان سيطرة أكبر على البرلمان، وفي بعض الحالات سيكون بوسعه ببساطة إصدار تشريع بموجب مرسوم.

إن امتلاك سلطات رئاسية كبيرة كان طموحا لدى أردوغان منذ خمس سنوات على الأقل. والانتصار بالنسبة له ضرورة وجودية.

وبالنظر للاتهامات الخطيرة بالفساد بحقه وبحق عائلته، وبعضها وجهت تحت القسم في محكمة اتحادية بالولايات المتحدة، فإن الاحتفاظ بالسلطة سيساعد أردوغان على الأقل على تجنب السجن.

مخاوف من الاقتصاد والمعارضة

إن الزيادة في سعر الصرف أصبحت بمثابة مشكلة حياة أو موت بالنسبة لحزب العدالة والتنمية. وهذا أمر طبيعي لأن التطورات التي تجري في الاقتصاد قبيل الانتخابات الرئاسية الحساسة، ليست حقائق لطيفة ولا مقبولة بالنسبة لزعيم تستورد بلاده 75 % من طاقتها، ويتم تحديد كل التكاليف الإنتاجية فيها بالدولار.

وقد عصف أزمات وأوقات عصيبة بقطاع العقارات في تركيا، لتعكس مشكلة أعمق في عصب الاقتصاد، وفيها تتضح الأسباب الحقيقية وراء قرار الرئيس رجب طيب أردوغان.

إن الرئيس التركي بدعوته لانتخابات مبكرة، إنما يشير لاعتقاده بأن الدعم الذي يتمتع به آخذ في التآكل. وربما أيضا يشعر بالقلق من أن تزداد حدة المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تركيا بوتيرة سريعة، وقد تكلفه أصواتا إذا أجريت الانتخابات في أجواء سيئة، إذ تراجعت قيمة الليرة بشكل كبير خلال الأشهر الماضية.

كما تراجع التصنيف الائتماني للحكومة، وتحركت العديد من الشركات الكبرى سعيا لإعادة جدولة ديونها.

سبب آخر ربما يُشعِر أردوغان بالارتياح مع انتخابات مبكرة، وهو سيطرته الكاملة على جميع أطياف المعارضة المؤثرة. فجميع قادة حزب الشعوب الديمقراطي المناصر للأكراد، وواحد من أكبر أربعة أحزاب سياسية في البلاد، يقبعون في السجن انتظارا لمحاكمتهم منذ أكثر من عام.

كما أن حزب المعارضة الرئيسي، وهو حزب الشعب الجمهوري يتعرض مرارا للتهديد بإجراء قانوني.

قبل يوم واحد من الإعلان عن الانتخابات المبكرة، وافق مجلس الأمن القومي التركي على تمديد حالة الطوارئ للمرة السابعة، حتى يوليو 2018. وتمنح حالة الطوارئ هذه للحكومة، ولقوات الأمن التي تدين لها بالولاء، بسلطات واسعة لمعاقبة المعارضين وإرهابهم.

الأكثر من ذلك أنه تم في الشهر الماضي فقط بيع آخر وسيلة إعلام مستقلة نسبيا إلى حليف مقرب من أردوغان. وبالتالي سيكون مستحيلا على الأحزاب السياسية المعارضة المنافسة بشكل حقيقي.

ولذلك، يحرص المسؤولون الأتراك على التأكيد أن التذبذبات التي شهدها قطاع أسعار صرف الليرة التركية لم تكن نابعة من أسباب اقتصادية، بل كانت عائدة لاعتبارات سياسية وخارجية تقف وراء تراجع الليرة التركية.

كما يحرصون كذلك على إبراز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة المزمع إجراؤها في يونيو القادم نقطة تحول إيجابية في مسار الاقتصاد، في حين أن الوقائع والمعطيات تشير إلى عكس ذلك.

البحث عن منافس قوي

بينما تكافح أحزاب المعارضة التركية للعثور على مرشح واحد قادر على هزيمة الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات المقررة في 24 يونيو المقبل، فإن عدم الدفع بمرشح واحد ربما يساعد خصوم الحاكم الحالي على الوصول لعدد أكبر من الناخبين خلال الحملة الانتخابية، ويتيح لهم فرصة أفضل لخوض جولة إعادة.

يشعر حزب العدالة والتنمية الحاكم بأن أحزاب المعارضة لن تستسلم بسهولة وانها بصدد اتخاذ مواقف جديدة في اطار المنافسة الانتخابية المتصاعدة.

وبالفعل، تسعى أركان المعارضة التركية الى تخطي انقساماتها وتشكيل جبهة موحدة في وجه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على امل الاطاحة به، بعد ان فاجأهم بالدعوة الى انتخابات مبكرة بعد شهرين.

وفي بادرة تضامن أعلن حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي-ديموقراطي) الاحد الماضي، أن 15 من نوابه انضموا الى حزب قومي جديد بزعامة وزيرة الداخلية السابقة ميرال اكشينار ليحصل على النواب العشرين الضروريين لتشكيل كتلة في البرلمان والمشاركة في الاقتراع.

والحزب الجديد الذي يحمل اسم حزب اييي او الحزب الصالح، اسسته اكشينار في أكتوبر بعد ان انشقت عن حزب العمل القومي. ويعتقد محللون ان هذه السيدة قد تكون المرشحة الاوفر حظا لمنافسة اردوغان.

وقال كمال كيليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري بعد استقباله اكشينار “ما قمنا به مساهمة للديموقراطية تتخطى الحزب الجديد”.

رغم لقاءاته مع احزاب مختلفة يبدو ان حزب الشعب الجمهوري سيدعم على الاقل في البداية مرشحه الذي سيكشف اسمه في الايام المقبلة.

وكان اردوغان قال بغضب “يجري العمل على تشكيل تحالف بهدف واحد هو الوقوف بوجه رجب طيب اردوغان عبر مفاوضات غير واضحة تفتقر الى الكرامة ولا لون لها ولا هوية واضحتين”.

انتظار ترشح الرئيس السابق

ظهر حزب العدالة والتنمية، وأردوغان في حالة من الضيق الشديد، بعد تعالي أصوات المنادين بترشح عبد الله غول لمنصب رئيس الجمهورية في الآونة الأخيرة، خاصة وأن استطلاعات الرأي تؤكد أن عبد الله غول يمتلك قاعدة جماهيرية عريضة بين أبناء الشعب التركي، ما سيجعل أردوغان في موقف حرج.

وفي إطار تعليقه على ورود أنباء عن اعتزام الرئيس التركي السابق عبد الله جول للترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، قال رئيس الوزراء بن علي يلدريم: كنت أنتظر منه أن يؤكد أنه يقف إلى جانب حزبه (العدالة والتنمية).

يذكر أن عبد الله جول كان ينظر إليه على أنه اسم يمكن للمعارضة التركية التوافق حوله وإعلانه كمرشح مشترك لها أمام الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان.

غير أن زعيمة حزب الخير ميرال أكشينار أعلنت أنها لن تتخلى عن الترشح للرئاسة من أجل عبد الله جول، الأمر الذي حطم آمال الاتفاق حول اسم عبد الله جول.

أيضًا، سيمارس حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، كل الضغوط على الرئيس السابق لابعاده عن الترشح للرئاسة؛ حتى يتفرغ حزب العدالة والتنمية لإدارة المشهد الإنتخابي الذي يمسك فيه بكل خيوط اللعبة في ظل الطوارئ، والهيمنة على الإعلام.

المصدر: رؤية – أحوال تركية – حرييت ديلي

ربما يعجبك أيضا