الولجة الفلسطينية.. شاهد على النكبة كاد يتلاشى

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

في عام 1948 هجّرت عصاباتٌ صهيونية مسلحة السكانَ الأصليين من أرض فلسطين، واستقدمت مكانهم من العالم أجمع يهودًا استوطنوا أرضا تحت شعار “أرض بلا شعب.. لشعب بلا أرض”، وبدعم من دول الاستعمار سابقا وبالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، أطلق أحد مؤسسي دولة إسرائيل دافيد بن جوريون، مقولة: إن “الكبار يموتون والصغار ينسون” في إشارة منه إلى أن الشعب الفلسطيني المهجر سيموت وسينسى.

 إلا أن فلسطينيي الشتات لم ينسوا، واستمروا في المقاومة حتى اليوم، وعرفوا حروبا كثيرة، مرورا بما سمي بمفاوضات السلام المتعثرة بسبب استمرار إسرائيل في الاستيطان.

ومع اقتراب الذكرى السبعين للنكبة، يحي الفلسطينين ذكراها بجميع أجيالهم وحيث هم، وتروي العائلات الفلسطينية كفاحهم من أجل البقاء.

 ففي منتصف القرن الماضي، كان سكان قرية الولجة في الضفة الغربية، الذين لا يبعدون عن القدس، يعتبرون أنفسهم محظوظين، حيث شكلت التلال الخصبة واديا يمر به خط سكة حديد يرجع إلى العهد العثماني يربط القدس مع ميناء يافا المتوسطي، وعلى مقربة من محطة السكة الحديد كان أهالي الولجة يزرعون حقولهم الشاسعة التي كانت تملكها عائلات الولجة، حسبما روى أحد سكان القرية الفلسطيني محمد سالم، الذي اقترب من الثمانين عامًا، في تصريحات لصحيفة “الجارديان” البريطانية.

ففي عام 2018، أصبحت الولجة تقع على أعتاب صغيرة من الأرض التي كانت تملكها عائلته عندما كان طفلًا، وخلال حياته، شردت الحرب جميع سكان القرية وابتلعت معظم أراضيها، وصادر الاحتلال المزيد من الأراضي لإنشاء المستوطنات اليهودية.

وفي العقدين الماضيين، قسم الجدار الأسمنتي الشاهق والأسلاك الشائكة ما تبقى من القرية، بينما صادرت إسرائيل المزيد من الأراضي.

في كل عام يصادف الفلسطينيون في 15 مايو ذكرى النكبة أو “الكارثة”، أما بالنسبة لسكان الولجة كانت النكبة بداية نضال دام سبعة عقود من أجل البقاء.

يتذكر الفلسطيني سليم، أنه في عام 1948، عندما اندلع القتال بين القوات اليهودية والميليشيات العربية في الوقت الذي سعت فيه بريطانيا إلى الانسحاب، سمع الأهالي شائعات عن مذبحة لمئات القرويين العرب في دير ياسين على أيدي القوات شبه العسكرية الصهيونية، وقرروا عدم التعرض لنفس المصير، ففروا في فور سماعهم صوت إطلاق نار.

وتابع: “عندما كنت طفلًا، كانت القذائف تبدو لي مثل البطيخ الذي يطير في السماء، وهو يتذكر والده عندما كان يتشبث بذراعه، بينما كانوا يسيرون عبر مسارات القطارات فوق التل على الجانب الآخر، ويضيف: “لقد بنينا منازل خشبية هناك، كنا نظن أننا سوف نعود بعد توقف القتال”.
 

ووفقا لهيئة الأمم المتحدة المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، فقدت حوالي 70٪ من أراضي الولجة بعد أن رسمت إسرائيل والدول العربية خطوط التماس في عام 1949، ومن أصل 1600 شخص من الولجة  فر معظمهم إلى البلدان المجاورة، ولم يتبقى سوى حوالي 100 شخص.

بعد حرب عام 1967، عندما استولت إسرائيل على الضفة الغربية من الأردن، وجدت الولجة نفسها محتلة، بعد ذلك ضمت إسرائيل القدس الشرقية، موسّعة حدود المدينة وقطعت القرية بشكل أساسي إلى قسمين، وفرضت عدة قوانين بما في ذلك قيود صارمة على البناء، بالرغم من أن قلة من الناس في الولجة منحوا حق الإقامة.

في الجزء العلوي من القرية الجديدة كانت قاعدة عثمانية، استولى عليها فيما بعد البريطانيون والأردنيون ومن ثم جيش الاحتلال الإسرائيلي، وخلال السبعينيات تم تحويل الموقع إلى مستوطنة يهودية تدعى هار جيلو، تعتبر غير شرعية بموجب القانون الدولي، والتي تكونت مع كتل استيطانية أخرى على جانبين الولجة.

في بداية الألفية الثانية، بدأت إسرائيل ببناء حاجز ردا على العنف في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك التفجيرات الانتحارية، وتم تقليص الولجة مرة أخرى، حيث أصبحت معزولة أكثر عن طريق الجدار الخرساني، حيث أن الطريق الأصلي للحاجز كان سيقسم القرية القائمة إلى قسمين، لكن محكمة إسرائيل العليا ألغت القرار، ويحيط الجدار الآن بالولجة من ثلاث جهات ويعزل حوالي 30٪ من أراضيها المتبقية.

ويقول رئيس مجلس القرية خضر الأعرج  47 عاما: “لقد أصبح حصارًا حول القرية، لقد تم أخذ كل أرضنا”، والآن، تضم القرية 2600 شخصا لكن مستقبلها غير مستقر.
 

 في العقد الماضي، وضعت شرطة الاحتلال نقطة تفتيش في القرية، حيث لا يستطيع معظم السكان المرور بها، وما زالت الحقول المعزولة غير مزروعة بينما جرفت بلدية القدس عشرات المنازل، وهناك الكثير من أوامر الهدم المعلقة.

التهديد الأخير، هو حديقة وطنية شيدها الاحتلال في الوادي، يقول الاتحاد الأوروبي: إن المنتزهات الوطنية في الأراضي المحتلة تستخدم لمنع الفلسطينيين من البناء، بينما تقول سلطة المنتزهات أنها تدعم العمل الزراعي ولكنها لن تسمح “بالبناء غير القانوني”.
 
وعلى مدار العام الماضي، تمت إضافة الحاجز الخرساني بارتفاع أربعة أمتار مغطى بالأسلاك الشائكة، وستنصب نقطة تفتيش للشرطة في منطقة الولجة، مما سيؤدي إلى قطع السكان عن بقية أراضيهم، وعرقلت التحديات القانونية الخطط الإسرائيلية، لكن معظمها قد مرّ في النهاية.

ومع ذلك تبدو الولجة كواحدة من أكثر القرى الساحرة في الأرض المقدسة، حيث تصطف أشجار المشمش والزهور على جانبي الطرق المتعرجة، التي تزرع بفخر كما يقول السكان في بقعة الأرض الصغيرة التي لا يزالون يمتلكونها، والتي تعتبر رمزًا لمعاناة الفلسطينيين.

ربما يعجبك أيضا