مقاربة أوروبية موحدة حول الاتفاق النووي الإيراني وغياب الموقف العربي

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

توصلت دول الاتحاد الأوروبي يوم أمس 16 مايو 2018 في صوفيا على “مقاربة موحدة” للحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني، بعد قرار الرئيس الأمريكي ترامب بالانسحاب من الاتفاق، واتفق قادة ورؤساء حكومات على الاستمرار في دعم الاتفاق طالما استمرت إيران في احترامه وعلى بدء أعمالهم لحماية الشركات الأوروبية المتأثرة من القرار الأمريكي. وأكد القادة الأوروبيون أنهم سيردّون على المخاوف الأمريكية حيال الدور الإقليمي لإيران في الشرق الأوسط وبرنامجها للصواريخ البالستية.

وكان الرئيس الأمريكي قد أمهل حلفاءه الأوروبيين في يناير 2018 ، حتى يوم 12 مايو 2018 لتشديد بعض النقاط الواردة في الاتفاق، من قبيل عمليات التفتيش التي تتولاها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والرفع التدريجي اعتبارا من 2025  لبعض القيود على الأنشطة النووية الإيرانية.

مواقف أوروبية

قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل -يوم 16 مايو  2018- إن أفضل طريقة للتعامل مع المخاوف الدولية إزاء دور إيران في المنطقة وبرنامجها للصواريخ الباليستية هي البقاء في إطار الاتفاق النووي مع طهران حتى بعد انسحاب الولايات المتحدة منه.

وأكدت ميركل أن العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة ينبغي أن تصمد في وجه خلافات مثل النزاع الدبلوماسي بشأن برنامج إيران النووي، رغم كل الخلافات هذه الأيام لا تزال العلاقات عبر الأطلسي مهمة.

ودعا رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن العالمي فولفغانغ إيشينغر، الحكومة الألمانية إلى تنظيم لقاء قمة حول الاتفاق النووي الإيراني “لإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.

الرئيس الفرنسي ماكرون من جانبه أكد التزام فرنسا بالاتفاق النووي الإيراني وقال: إنه لا أحد يريد تصعيداً للتوتر في المنطقة، مع إقراره في الوقت نفسه بوجوب تشديد هذا الاتفاق، ويؤمن ماكرون بأن الاتفاق غير كاف، لإجراء محادثات دولية جديدة سعيا لاتفاق أوسع، ويتعين إضافة ثلاث دعامات على الاتفاق.

وأوضح أن الدعامة الأولى تتعلق بالأنشطة النووية بعد 2025، والثانية لتكون سيطرة ومراقبة أفضل لأنشطة النظام الإيراني الباليستية، والثالثة من أجل احتواء الأنشطة الإيرانية في المنطقة خصوصا في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وتقول فيديريكا موغيريني، منسقة شؤون السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، إن إيران وشركاءها الأوروبيين اتفقوا على العمل من أجل إيجاد حلول عملية  تهدف إلى إنقاذ الاتفاق النووي المبرم مع طهران، وقالت موغيريني: إن مناقشات ستجرى على مستوى الخبراء حول استمرار بيع النفط والغاز الإيراني والمعاملات المصرفية مع إيران وكذلك النقل البحري والبري والجوي والسكك الحديدية وتوفير ائتمانات التصدير والآليات المالية الأخرى.

وأضافت “جميع الأطراف على دراية بأن هناك حاجة إلى حلول عاجلة لإنقاذ هذا الاتفاق”.

أما موقف موسكو الداعم للاتفاق ولإيران فتمثل في قول الرئيس الروسي بوتن: إن انسحاب الولايات المتحدة المحتمل من الاتفاق النووي مع إيران ستكون له عواقب وخيمة.

وقال ظريف -في أعقاب محادثات بروكسل يوم أمس 17 مايو 2018- بدأنا العملية، أعتقد أننا نسير على الطريق الصحيح الآن، وأضاف “أعتقد أنها بداية جيدة”.

النتائج

إن ما تهدف إليه دول الاتحاد الأوروبي حول الاتفاق النووي الإيراني، هو إنقاذ هذا الاتفاق لحماية مصالحها الاقتصادية المتمثلة في استمرار العلاقات التجارية مع إيران، رغم رفض ترامب لهذا الاتفاق.

الخلافات الأوروبية الأمريكية هذه المرة، أظهرت وحدة الأوروبيين أكثر من ذي قبل، وتحاول دول الاتحاد أن تظهر موحدة على الأقل أمام الملف النووي إلى جانب الخلافات الأخرى مع الولايات المتحدة والتي أبرزها التعريفة الجمركية على الصادرات الأوروبية إلى أمريكا واتفاقيات أخرى.

إن إلغاء الاتفاق النووي من شأنه أن يعيد إيران إلى المربع الأول اقتصاديا، من خلال تصعيد المشكلات الاقتصادية الإيرانية، وزيادة الضغوط على النظام الإيراني والبنوك التي عادت لم تتحمل مزيدا من العقوبات.

يبقى موضوع الأمن والاستقرار في المنطقة هاجسا دوليا وإقليميا، فدول أوروبا تعتقد بأن نسف الاتفاق النووي الإيراني، سيعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة، كونه يعطي إيران الذريعة بالاستمرار بالتسلح وتطوير البرامج النووية.

خطر الصواريخ البالستية  الإيرانية، هو الآخر يمثل تهديدا للأمن والاستقرار الدولي والإقليمي، لم يتم الإشارة له كثيرا، ولم يتضمنه الاتفاق النووي الإيراني، وهو الأخطر، وهذا ربما يجعل دول أوروبا تنظر إلى الاتفاق النووي بالفعل على أنه اتفاق ناقص ولكن يمكن تعديله بدلا من إلغائه.

ما تسعى إليه دول أوروبا في الوقت الحاضر هو إيجاد موازنة مابين خلافاتها مع ترامب وإبقاء مصالحها مع إيران أي أنها تريد أن تمسك العصا من الجانبين. يبدو أن دول أوروبا، حققت بعض من ذلك في اجتماعها مع وزير خارجية إيران في بروكسل يوم  16 مايو 2018، وهذا ما يعزز موقفها امام ترامب، فليس من المستبعد أن تحصل أوروبا على توافق مع ترامب بإبقاء الاتفاق النووي مع إيجاد ملحق للاتفاق حول الصواريخ البالستية.

ظاهريا هناك مساران في الموقف حول الاتفاق النووي الإيراني، وهو المسار الأوروبي المهادن، والمسار الأمريكي الذي يمثل مزيدا من العقوبات، وتبقى المواقف دون حسم.

التوصيات

يجب أن يكون هناك دور للجامعة العربية في الاتفاق النووي الإيراني، لقد كانت الجامعة العربية غائبة عن هذا الاتفاق، رغم أن التهديدات الإيرانية والملف النووي الإيراني يمثل تهديدا مباشرا لدول المنطقة أبرزها دول مجلس التعاون الخليجي، لذا فمن الأفضل هناك دور للجامعة العربية، مع دول الاتحاد الأوروبي على أقل تقدير، ومع الولايات المتحدة على الطرف الآخر، وألا يقتصر الاتفاق النووي على بـ”خمسة زائد واحد” فقط، وهذا يعني أن مراجعة وتعديل الاتفاق بمشاركة عربية سيكون هو الأفضل من إبقائه على حاله.
 

ربما يعجبك أيضا