الليرة تهوي.. وأردوغان يهيمن على قرارات البنك المركزي.. وقبرص التركية تهرب إلى اليورو

يوسف بنده

رؤية

السياسة النقدية في تركيا تخضع منذ وقت طويل لقيود سياسية، لكن التهديد الواضح بكبح استقلالية البنك المركزي يزيد المخاطر التي تحدق بمناخ صناعة السياسات وفعاليتها.

ويتصدر البنك المركزي التركي قضايا النقاش في تركيا حول ما إن كان قد اتخذ الإجراءات اللازمة لإيقاف ارتفاع العملات الأجنبية أمام الليرة أم لا، حيث ترى الأسواق أن البنك المركزي تعامل بشيء من الخجل فيما يخص رفع أسعار الفائدة.

هبوط الليرة

هوت الليرة التركية لمستوى قياسي منخفض جديد، اليوم الأربعاء، بعد ثاني انهيار مصغر في شهرين يضرب العملة في آسيا.

وتراجعت الليرة بنحو خمسة بالمئة إلى 4.9282 أمام الدولار في التعاملات بإسطنبول لتصل خسائر العملة المحلية إلى نحو 25 % خلال عام.

وكانت الليرة تراجعت 3.5 % إلى 4.8331 في الساعة 11.42 صباحًا.

وتحطم الليرة الرقم القياسي تلو الآخر بعدما فشل البنك المركزي في وقف خسائر سابقة برفع أسعار الفائدة.

وفقد الكثير من المستثمرين الثقة في أن البنك، الذي لديه 30 مليار دولار فقط من احتياطات العملة الأجنبية القابلة للاستخدام، سيتدخل بسبب الضغوط السياسية من الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يريد الحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في 24 يونيو.

وقد تسبب الارتفاع الجنوني للدولار أمام الليرة التركية في حالة من القلق والفزع بين أصحاب مكاتب الصرافة في تركيا. وظهرت بوادر الأزمة على العديد من مكاتب الصرافة التركية التي بدأت وقف التعامل بالدولار الأمريكي لفترة.

متاجرة الترجيح

وحسب أحوالة تركية، ذكرت وكالة بلومبرج نقلا عن محللين أن تجارا يابانيين اشتروا على المكشوف تسببوا في التراجع المفاجئ لليرة، اليوم الأربعاء، في مسعى لتقليل خسائرهم.

وكانت الليرة تراجعت إلى مستوى قياسي منخفض عند 4.03 أمام الدولار قبل شهرين في وضع وصفه المستثمرون بأنه انهيار سريع مدفوع بمبيعات في اليابان.

ويستفيد مستثمرون في الين الياباني من أسعار الفائدة المرتفعة في تركيا، عبر ما يسمى بمتاجرة الترجيح بفرق معدلات المردود، وهي استراتيجية مالية عالمية باقتراض أموال بعملة بلد ثم تحويلها واستثمارها بعملة بلد آخر ذات معدل فائدة أعلى.

ودفع سعي السماسرة إلى وقف الخسائر إلى موجة بيع بسعر منخفض.

وهوت الليرة بعدما حذرت وكالات التصنيف الائتماني وصندوق النقد الدولي من أن سياسة التحفيز الحكومية وافتقار البنك المركزي للرؤية يدفعان إلى اقتصاد تضخمي، وأشارت المؤسسات إلى العجز المتسع في الحساب الجاري الذي وصل إلى أكثر من ستة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، والتضخم الذي سجل 10.9 بالمئة وهو أعلى ثلاثة أضعاف متوسط التضخم في الأسواق الناشئة.

تدخل أردوغان

ويقوض أردوغان، الذي يملك سلطات واسعة، استقلال البنك المركزي، ويقول إن رفع أسعار الفائدة يزيد التضخم، وهي رؤية تتعارض مع النظرية الاقتصادية الطبيعية. وقد أثارت تصريحاته بشأن أسعار الفائدة القلق في أسواق المال.

وقال تيم آش الخبير الاستراتيجي في الأسواق الناشئة بشركة بلو باي لإدارة الأصول في لندن إن الوزراء الأتراك المسؤولين عن الاقتصاد بحاجة “إلى تعريض مناصبهم للخطر من أجل صالح البلاد وإبلاغ أردوغان بأنه مخطئ بشأن أسعار الفائدة”.

وقال آش على تويتر “لا يزال يوجد وقت لتحقيق الاستقرار في الأمور لكن ينبغي رفع أسعار الفائدة”.

ودفع تراجع الليرة العائد على سندات الخزانة التركية القياسية لأجل عشر سنوات إلى أكثر من  15 بالمئة. وصعد العائد على السندات القياسية لأجل عامين إلى  16.5 بالمئة. وتتعارض الأسعار المرتفعة مع معدل الفائدة الأساسي للبنك عند 13.5 بالمئة.

وحذر خبراء من أن التراجع الشديد في سعر الليرة سيكون له أثر سلبي في القطاع المالي، وبين الشركات التركية التي تصل ديونها الأجنبية إلى 227 مليار دولار.

وضعف الليرة يجعل رد تلك القروض أشد صعوبة. وقد تقدم العديد من رجال الأعمال الأتراك، ومنهم الملياردير فريد شاهينك بطلبات للبنوك لإعادة هيكلة ديون بمليارات الدولارات.

ويدفع انزلاق العملة البنوك إلى الإعلان عن ارتفاع في الديون المتعثرة. وأعلن “أك بنك” وهو ثاني أكبر بنك مدرج بالبلاد عن زيادة ثلاثة أضعاف في نتائج الربع الأول.

وقال ألبرتو جالو مدير المحفظة الاستثمارية بشركة ألجيبريس في وقت سابق من مايو  إن أزمة ائتمان محتملة ستحد من قدرة البنك المركزي على رفع أسعار الفائدة مشيرا إلى “كل الضغط الذي يتراكم” منذ فترة.

الحكومة: نظرية المؤامرة

وفي تعليق منه على بلوغ سعر الدولار أمام الليرة 4.92 ليرة أفاد الناطق باسم الحكومة التركية بكر بوزداغ أن من يعتقدون أنهم سيغيرون نتائج هذه الانتخابات بالتلاعب بالدولار والإضرار بالشعب ودخله قد خُدعوا.

وأشار بوزداغ إلى وجود جهات خارجية تريد تحميل الحكومة فاتورة ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة قائلاً:  لن نسمح لهم بهذا ولن نعطيهم الفرصة بإذان الله سيكون الرابع والعشرين من يونيه/ حزيران يومًا جديدًا وبداية جديدة لتركيا.

وكان وزير الاقتصاد ناهد زيبكجي قد أعلن أن مؤشر أسعار العملات الأجنبية ومعدلات الفائدة تشهد اضطرابات غير مستحقة مفيدًا أنه سيتم التدخل في الدولار في الوقت المناسب.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة التركية تزعم دائمًا أن هناك قوى كبرى تعرقل تطور تركيا وتخفض قيمة الليرة.

رفع أسعار المحروقات

وبالتزامن مع ارتفاع سعر الدولار فرضت السلطات التركية زيادة في أسعار منتجات الوقود السائل واحدة تلو الأخرى، فبالأمس ارتفع سعر لتر البنزين بواقع 27 قرشًا في حين ارتفع سعر لتر الديزل بواقع 32 قرشًا.

وبالأمس شهد البنزين والديزل زيادة جديدة بواقع 25 و23 قرشًا لكل منهما. وبهذا أصبح سعر لتر البنزين يبلغ 6.78 ليرة بينما يبلغ سعر لتر الديزل 6.27 ليرة.

أشارت وكالة أنباء بولمبرج (Bloomberg) إلى استمرار مبيعات الصكوك التركية في الأسواق الدولية وارتفاع فوائد سندات الاقتراض.

وفي خبرها بعنوان “أردوغان يلقي بالتصنيف الائتماني في التهلكة بينما تتراجع الصكوك التركية عن السنغال” حللت وكالة الأنباء مبيعات الصكوك التركية.

وأكدت الوكالة في خبرها على تجاوز فوائد الصكوك التركية لسندات الاقتراض السنغالية، حيث ذكر الصحيفة أن تركيا تدفع فوائد أكثر من السنغال على صكوكها على الرغم من ارتفاع تصنيفها الائتماني ونمو اقتصادها 60 ضعف نظيره السنغالي.

وأوضحت الوكالة أن الخبراء يرجعون السبب الرئيسي لهذا إلى نهج أردوغان تجاه الاقتصاد مشيرة إلى تزايد مبيعات الصكوك التركية عقب إرجاع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سبب ارتفاع معدلات التضخم إلى ارتفاع الفائدة وذلك خلال مقابلة أجراءها الأسبوع الماضي معها.

وأفاد أردوغان في المقابلة المشار إليها أنه سيتمتع بمزيد من الصلاحية في السياسة المالية للبلاد عقب انتخابات الرابع والعشرين من يونيه/ حزيران القادم.

عقاب الكوادر الاقتصادية

في تلك الأثناء عاقب أردوغان الكوادر الاقتصادية في الحكومة من خلال الانتخابات البرلمانية التي ستقام الشهر القادم، إذ لم يتم ادراج نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الاقتصاد محمد شيمشاك ووزير المالية ناجي أغبال ووزير الاقتصاد نهاد زيبكجي في قوائم مرشحي حزب العدالة والتنمية للانتخابات البرلمانية.

قبرص تهرب من الليرة

تبحث قبرص التركية التي تستخدم الليرة التركية عملة رسمية لها الانتقال إلى عملة أجرى بسبب تراجع قيمة الليرة التركية.

ومؤخرًا سجل الدولار رقمًا قياسيًا أمام الليرة ببلوغ 4.65 ليرة لتبلغ الليرة أدنى مستوياتها.

وأوضح رئيس قبرص التركي طوفان أرهورمان أنه تم اتخاذ عدد من الإجراءات الاقتصادية قائلاً: “توجد مجموعة من المشاكل الهيكلية التي تعاني منها قبرص التركية. وهي مشاكل تستوجب الحل ويمكننا حلها فيما بيننا.

وأفاد أرهورمان أنه من بين هذه المشكلات إصلاح عام وإصلاح الإدارة المحلية وتعديلات قانونية بشأن المالية.

وأشار أرهورمان إلى وجود مشكلات هيكيلة غير أنهم يواجهون صعوبة في التدخل بها مفيدا أنه في ضوء التطورات التي تشهدها قبرص التركية والعالم ارتفعت أسعار العملات الأجنبية والنفط وتراجعت قيمة الليرة التركية وليس بإمكانهم التأثير في هذا.

وذكر أرهورمان أنهم يجرون اجتماعات مع الوزراء بصفة دورية فيما يخص الاقتصاد والمالية وأنه قد يتم طرح بعض التعديلات الجذرية.

وأضاف أرهورمان أنهم في تعاون وثيق مع الجمهورية التركية في هذا الصدد وأن مسألة الليرة أثرت كثيرًا على الاقتصاد، مشيرًا إلى إجرائهم لقاءات مع نائب رئيس الوزراء التركي رجب أكداغ ويعملون على أن تقدم تركيا إسهامات في هذا الأمر نظرًا لاستخدامهم الليرة التركية وإكساب الأمر صورة هيكلية.

اقتراح تغيير العملة المحلية

وأكد أرهورمان أنه ليس من الممكن قطع مسافة في غضون شهر أو شهر ونصف بسبب الانتخابات التي ستشهدها تركيا الشهر القادم غير أنهم بدؤوا مباحثات الحل، مشددًا على طرحهم عدة مقترحات تضمنت تغيير العملة المحلية وتثبت أسعار العملات.

وأوضح أرهورمان أنهم أبلغوا الجانب التركي بصراحة ووضوح بالمشكلات التي يعانوا منها لأسباب خارجة عن إرادتهم نتيجة لتراجع الليرة وبدأوا المناقشات.

تجدر الإشارة إلى أن المجتمع القبرصي يناقش خلال الآونة الأخيرة بصورة مكثفة الانتقال من الليرة التركية إلى اليورو.

ووفقًا لتصريحات أرهورمان فإن قبرص التركية لم تتخذ موقفًا رسميًا بهذا الصدد بعد، غير أن الحكومة القبرصية غيرت من نهجها بسبب اشتداد الأزمة الاقتصادية ولمحت إلى طرحها مبادرات جذرية عقب انتهاء الانتخابات في تركيا.

ربما يعجبك أيضا