خارطة طريق “منبج”.. على رأس المحادثات التركية الأمريكية

يوسف بنده

رؤية

بدأت مباحثات وزير الخارجية التركي مولود جاويش، اليوم الإثنين، مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو بمقر وزارة الخارجية الأمريكية في العاصمة واشنطن.

من المنتظر أن تتركز مباحثات جاويش وبومبيو، حول المستجدات في مدينة منبج شمالي سوريا وانتشار مسلحي تنظيم “ي ب ك/ ب ي د” الإرهابي فيها، ومطالب أنقرة بإعادة رجل الدين التركي، زعيم حركة الخدمة، فتح الله كولن، الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو/ تموز 2016.

وفي 18 مارس الماضي، تمكنت القوات التركية ومعارضون سوريون موالون لها من السيطرة على كامل عفرين، وانسحاب وحدات حماية الشعب الكردية منها، لكنّ عفرين شهدت من قبل قوات المعارضة السورية الموالية لتركيا عمليات نهب وتخريب وإساءة مُتعمّدة للرموز الكردية في المدينة.

وتعتبر السيطرة على عفرين خطوة كبيرة بالنسبة لتركيا التي تسعى إلى إحكام سيطرتها على حدودها مع شمال سوريا.

كما تقع تل رفعت على طريق استراتيجي بين مدينة عفرين ومدينة مارع التي تعتبر معقلا رئيسياً للمسلحين شرقا.

وكان عشرات الآلاف من السكان الذي فروا من عفرين قد توجهوا إلى تل رفعت، القريبة كذلك من مطار منغ الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديموقراطية التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية.

من يسيطر على “منبج”؟

تحتلّ المباحثات حول منبج بين تركيا والولايات المتحدة أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا التي ترى في منبج نقطة تهديد مستقبلية لها، وتحاول جاهدة إبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي من هناك، وتراها تطلق التهديدات بين الحين والآخر، لكنها لا تستطيع شنّ هجوم عليها باعتبارها لم تصل بعد إلى توافق أو تفاهم بشأنها مع الأميركيين.

وفي الوقت الذي قالت وزارة الخارجية الأميركية إنّه مازالت المباحثات مستمرة مع أنقرة بشأن منبج، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الأربعاء الماضي، إن خططا لخارطة طريق في مدينة منبج السورية قد تنفذ قبل نهاية الصيف إذا توصلت تركيا والولايات المتحدة لاتفاق.

وقال جاويش أوغلو في مقابلة مع قناة خبر التلفزيونية إن القوات التركية والأميركية ستسيطر على منبج لحين تشكيل إدارة جديدة في المنطقة بموجب تفاهم مع واشنطن.

وتختلف أنقرة مع واشنطن، بشأن دعم الأخيرة لتنظيم “ب ي د/ بي كا كا” الذي تعتبره تركيا إرهابياً” وتصفه بأنه يحتل منبج.

وتطالب تركيا، الولايات المتحدة، بإخراج حزب الاتحاد الديمقراطي من منبج، التي تصفها بأنها ذات الغالبية العربية، وتقول إنه يجب تسليم المنطقة إلى أصحابها الحقيقيين.

وقف إطلاق النار

وتتحدث فصائل المعارضة السورية المسلحة عن إحتمال التوصل لوقف لإطلاق النار في مناطق ريف حلب وإدلب وحماة الجنوبي الغربي خلال الأيام القادمة وربما قبل عيد الفطر.

وحسب وكالة الأنباء الألمانية، عمليات وقف إطلاق النار لا تشمل جبهات ومناطق ريف حلب الشرقي التي يسيطر على بعض مناطقها قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وسوف يشملها القرار في حال تمّ التوصل إلى اتفاق تركي أميركي بشأن مدينة منبج، في حين تبقى مناطق ريف حلب الشمالي ومنها بلدة تل رفعت والشيخ عيسى والقرى المحيطة بها خارج الاتفاق الأميركي التركي، وهذه المناطق سوف تعود لسيطرة فصائل الجيش الحر”.

وتسيطر الوحدات الكردية على عدد من البلدات في ريف حلب الشمالي بينها تل رفعت والشيخ عيسى التي تمتد بين مدينتي حلب وعزاز شمال مدينة حلب.

كما تتمركز العشرات من القوات الأميركية في منبج وتدرب بصورة رئيسة القوات الكردية لقتال فلول تنظيم الدولة الإسلامية.

وتقول أنقرة إن المقاتلين الأكراد من وحدات حماية الشعب يرتبطون بحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل تركيا وتدرجه الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية.

وترغب تركيا في انسحاب القوات الأميركية من منبج لكي تستطيع قواتها طرد وحدات حماية الشعب.

وذكرت وكالة أنباء الأناضول التركية أن أوغلو أعلن في تصريحات صحفية السبت الماضي: “سنناقش إخراج تنظيم (ي ب ك) من منبج، وإرساء الاستقرار في المنطقة، ومن سيدير المنطقة إلى حين التوصل لحل سياسي في سورية، ومن سينضم لقوات الأمن (التي سيتم إنشاؤها في منبج)، والتحرك بشكل مشترك مع الولايات المتحدة في هذا الموضوع”.

وإذا ما حدث انسحاب القوات الكوردية، وأصبحت القوات التركية والأميركية هي القوات الحامية، فإن أنقرة ستكون قد حققت بذلك فوزًا ثانيًا بعد حملتها الناجحة ضد وحدات حماية الشعب في مقاطعة عفرين الواقعة شمال غرب سوريا، كما ستحصل على دفعة قبل الانتخابات الرئاسية.

لا التزام أمريكي

ونفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نويرت هذا الأسبوع ادعاءات مسؤولين من حزب العدالة والتنمية الحاكم بأن البلدين قد توصلا لاتفاق حول مستقبل منبج.

وقالت نويرت إنه من غير المعروف بعد ما إذا كان المسؤولون الأتراك قادرين أو غير قادرين على الجلوس والتوصل إلى قدر من توافق الآراء مع وزير الخارجية الأميركي الجديد.

ومن خلال الإصرار على أن الولايات المتحدة “لم تتوصل لأي اتفاقيات” مع الحكومة التركية فيما يتعلق بمنبج، فإن نويرت ربما تكون قد عبرت عن أن وزارة الخارجية الأميركية ليست ملتزمة بأي صفقة غير رسمية كان وزير الخارجية الأميركي الأسبق ريكس تيلرسون قد توصل إليها.

كذلك، الموقف الذي تنتهجه الولايات المتحدة في شمال سوريا غير متشدد. وخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب غير واضحة، لكن يبدو أن ترامب عازم على الانسحاب من البلد الذي تمزقه ويلات الحرب.

وفي نفس الوقت، فإن صقور إيران الذين ملأ بهم ترامب إدارته يبدو أنهم يتخذون جانب إسرائيل بشأن اتخاذ موقف متشدد ضد إيران. ونتيجة لذلك، وفي الوقت الذي يعد فيه بومبيو بسحق حلفاء إيران في المنطقة، فإنه يبحث أيضًا عن سبل لمغادرة سوريا بما يتماشى مع رغبات ترامب. ومن شأن عزل تركيا أن يزيد فقط من تعقيد الأهداف المتضاربة للولايات المتحدة في المنطقة.

احباط أمريكي من تركيا

وفي الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا المزمع إجراؤها في 24 يونيو الجاري، لا يبدو أن هناك أي أنباء طيبة تأتي من واشنطن بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وفي نفس الوقت، فإن ترامب، والإدارة الأميركية، والكونجرس أرسلوا جميعا رسائل ينأون بنفسهم فيهما عن تركيا.

ومنذ أسابيع قليلة مضت، ووسط تكهنات من قبل بعض الخبراء بأن الولايات المتحدة ليس أمامها أي خيار سوى المضي قدمًا في خططها لبيع الطائرات المقاتلة المتقدمة من طراز إف-35 إلى تركيا، فإن مجلسي الكونجرس وزعا تشريعًا يحاول إيقاف البيع.

ولن تكون نتيجة هذه المطالب بفرض عقوبات على تركيا واضحة قبل انتخابات 24 يونيو الجاري، لكن إذا ما فاز أردوغان بالانتخابات، فإن الحكومة الأميركية ستراقبه عن كثب لرؤية إذا ما كان سيلتزم بالطلبات الأميركية.

والمواضيع ذات الاهتمام المشترك هي القس الأميركي المعتقل في تركيا لأكثر من عام ونصف العام أندرو برونسون، وشراء تركيا أنظمة الدفاع الجوي الروسية الصنع إس 400.

وأحد استراتيجيات العلاقات العامة التي ينتهجها ترامب هي إطلاق سراح الرهائن، وبعدما نجح في إعادة مواطن أميركي كان محتجزًا في كوريا الشمالية وآخر كان محتجزًا في فنزويلا، فإنه أُحبط بدون شك لعدم قدرته على التفاوض الناجح بشأن عودة برونسون من تركيا الدولة العضو بحلف شمال الأطلسي (الناتو).

موضوع صواريخ “إس-400” الروسية

كما يمكن أن يتناول الوزيران أيضا مسألة شائكة أخرى بين البلدين، ألا وهي موضوع توريد منظومات الصواريخ المضادة للجو الروسية من طراز “إس-400” إلى تركيا.

وكان بومبيو أعلن سابقا أن الولايات المتحدة “تعمل” على عدم اقتناء أنقرة لمنظومات “إس-400″، وتأمل واشنطن بأن ذلك لن يحصل. من جهته، صرح جاويش أوغلو بأن بلاده لا تقبل “لغة العقوبات” في شأن هذه المنظومات التي وقعت تركيا وروسيا، في ديسمبر 2017، اتفاق قرض حول توريدها لأنقرة. وبموجب الاتفاق، ستشتري تركيا بطاريتين من هذه المنظومات، على أن تستخدمها أطقم تركية.

وانتقدت الولايات المتحدة مرارا هذه الصفقة التي قال مساعد وزير الخارجية الأمريكي، ويس ميتشل إنها قد تؤثر سلبا على توريد مقاتلات أمريكية من الجيل الخامس F-35 لتركيا. وكانت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي طرحت مشروع قانون حول وقف توريد هذه الطائرات لأنقرة.

من جهته، لوح جاويش أوغلو باتخاذ خطوات جوابية إزاء واشنطن في حال حجب توريد المقاتلات المستحدثة، مشيرا إلى إمكانية لجوء بلاده إلى التعاون مع روسيا في هذا المجال.

وقال جاويش أوغلو: “هذه المسألة أثارت توترات بين أنقرة وواشنطن، لكننا كنا قد طلبنا سابقاً من حليفتنا الولايات المتحدة تزويدنا بهذه المنظومات لكن واشنطن رفضت، ونحن توجهنا إلى روسيا، وإن كانت واشنطن مستعدة لأن تزوّدنا بمنظومات الدفاع الجوي، فإننا مستعدون لشرائها”.

ربما يعجبك أيضا