بعد الدعوة للخروج .. روسيا أمام معضلة التعامل مع إيران في سوريا

يوسف بنده

رؤية

في مايو الماضي، أكد الروسي فلاديمير بوتين، على إخراج القوات الأجنبية من سوريا بعد نجاحات الجيش السوري في محاربة الإرهاب وبدء العملية السياسية. وكان يقصد بذلك إخراج القوات والمليشيات الإيرانية لدرء خطر وقوع حرب إسرائيلية-إيرانية على الأراضي السورية، بعدما تصاعد التوتر العسكري بين الجانبين، حينما اقتربت إيران من جنوب سوريا قرب الحدود مع الجولان المحتل والأردن.

لا تتفق روسيا وإيران على الرأي حيال عدد من المسائل الأساسية، بما في ذلك مصير الرئيس بشار الأسد على مدى متوسط، وتركيبة سوريا ما بعد الحرب، ودور الأكراد وغير ذلك. وانطلاقا من ممانعة إيران الانسحاب من الجنوب، وخلافا لما يعتقد كثيرون، تجد روسيا نفسها في وضع لا يمكنها بموجبه السيطرة على تصرفات إيران في سوريا. وكل رهان على فصل المنظومة الأسدية عن إيران يبدو وهما لا طائل تحته.

فقد أخذت التحديات تتعاظم أمام المهمة الروسية في مرحلة تصفية الحروب السورية، وتجد روسيا نفسها في الوسط بين إيران وإسرائيل، ولذا تبذل جهدا مضاعفا لتجنب حصول مواجهة مباشرة بين الجانبين على الساحة السورية وما تحملها من تهديد للمكاسب الروسية. وبالرغم من رهان على ترتيب يؤدي إلى سحب الوجود العسكري لإيران وحلفائها من الجنوب السوري، تبدو المسألة أكثر تعقيدا وتتصل بالنفوذ الإيراني في كل سوريا، ومستقبل الوضع فيها وبمجمل التوازن الإقليمي.

فقد كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن تنكر ميليشيات إيرانية في سوريا ملابس العسكريين السوريين، لتجنب التعرض لضربات جوية إسرائيلية.

ونقلت الصحيفة عن مصادر في المعارضة السورية المسلحة، قولها: إنه “بعد الانسحاب الشكلي للميليشيات الإيرانية وحزب الله من جنوب سوريا، أبقت قوات الجيش السوري عليها، حيث تنكر المقاتلون بثياب القوات الحكومية السورية”.

ويعد التقرير الإعلامي الأميركي الجديد، مؤشرا على نية الميليشيات الإيرانية ومعها مسلحي ميليشيات حزب الله اللبناني على البقاء في سوريا.

وأضافت المصادر، أن الميليشيات المتنكرة مدججة بالأسلحة الثقيلة والصاروخية.

وترى إسرائيل في الوجود الإيراني قرب حدودها الجنوبية تهديدا ينبغي التعامل معه بجدية، وسبق لها أن نفذت غارات جوية قتل فيها العشرات من الميليشيات الإيرانية ومسلحي حزب الله.

وقال مسؤول إسرائيلي -لم تسمه “وول ستريت جورنال”- إن إسرائيل على علم بكل التطورات في “حديقتها الخلفية”، على حد وصفه لسوريا.

ويقول محللون: إن ميليشيات حزب الله وإيران عملت لسنوات على ترسيخ وضعها في الجنوب السوري، وبالتالي قد تكون غير مستعدة للمغادرة دون حرب، أو على الأقل تحت ضغط عسكري.

رفض إعادة الانتشار

وقد رفض حزب الله اللبناني، الموالي لإيران، تلبية مطالب روسية بالانسحاب من مناطق في ريف حمص بالتزامن مع وضع إيران شروطا للانسحاب من الجنوب السوري. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان: إن إيران لم تغير مواقعها في سوريا التي تضم 32 ألف عنصرا غير سوري.

وأفاد المرصد أمس بأنه مع اتساع حجم المطامع الروسية والبحث الإيراني عن المكتسبات والمنافع، تتسع الهوة بين الطرفين على الأراضي السورية، لافتا إلى أن الخلاف الروسي – الإيراني في سوريا، يشهد تصاعداً واحتداداً مع تزايد التعنت الإيراني تجاه تنفيذ المقترحات التي تمليها روسيا في سوريا، لتزيد من حجم ما تحصِّله على الجغرافيا السورية.

وأفادت مصادر بأن قيادة القوات الروسية طلبت من (حزب الله) اللبناني سحب عناصره وقواته من مطار الضبعة العسكري والقواعد الموجودة في ريفي حمص الغربي والجنوبي الغربي، لكن (حزب الله) لم ينسحب إلى الآن من المنطقة، وما جرى من أنباء عن انسحابات، لم يكن إلا انسحابات إعلامية، فيما لا يزال الحزب موجوداً في مواقعه بالقطاعين الغربي والجنوبي الغربي لمدينة حمص.

شرط إيراني

القوات الإيرانية لا تزال رافضة للطرح الروسي بالانسحاب من محافظتي درعا والقنيطرة وكامل الجنوب السوري نحو مناطق أخرى في وسط سوريا؛ حيث فرضت شرطاً لانسحابها نحو البادية ووسط سوريا، وهو إخلاء القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي لقاعدة التنف على الحدود السورية – العراقية، كشرط لها لمغادرة الجنوب السوري، الذي تعمل روسيا مع النظام للتوصل لحل حول المنطقة من خلال مباحثات محلية مع الفصائل وإقليمية مع الدول المجاورة لسوريا.

اتفاق سري

وقد أُضيف مسبب ثالث لتصاعد التوتر الروسي – الإيراني على الأراضي السورية، ألا وهو حصول اتفاق بين روسيا وتركيا، بشكل غير معلن، يقوم على إنهاء الوجود الإيراني بشكل كامل في الشمال السوري، حيث تسعى كل من روسيا وتركيا من خلال توافق مشترك على إجبار القوات الإيرانية على الانسحاب ودفعها لذلك عبر دفع من دولة إقليمية للتصعيد ضدها في شمال وغرب مدينة حلب، خلال الأسبوع الأخير.

معضلة التعامل

يقول د. خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية، بالمركز الدولي للجيوبوليتيك في باريس، بعد سبع سنوات، يتضح أن نتائج الصراع في سوريا ستكون تقريرية لجهة تحديد الأحجام والمصالح بين الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة فيه، وهنا تبدو مصالح إيران وإسرائيل متناقضة حيث يرتبط نفوذ طهران في الشرق الأوسط بصورة وثيقة بتعزيز موقعها في سوريا ولبنان، وهذا الهدف يضرب الرؤية الأمنية الإسرائيلية التي تركز على منع تحول سوريا إلى قاعدة إيرانية على حدودها. وحيال ذلك منذ التدخل الكثيف في سبتمبر 2015، حرصت روسيا على مراعاة الهواجس الأمنية لإسرائيل، مع أخذها بعين الاعتبار أن كلا البلدين، إسرائيل وإيران، مهمَان بالنسبة إليها.

على الصعيد العملي وإزاء التوتر المتصاعد بسبب تعزيز التغلغل الإيراني في مفاصل المنظومة الحاكمة في دمشق، والتمركز المنتشر على المساحة السورية بما في ذلك الجولان والجنوب السوري، وعشرات الغارات الإسرائيلية على مواقع وقوافل تابعة لإيران وحزب الله، لعبت موسكو ورقة التهدئة من دون أن تملك خيارات جيدة في تعاملاتها مع الإسرائيليين والإيرانيين. إذ أنه من دون التعاون مع إيران لم تتحقق النجاحات الروسية ولا يمكن لها أن تصمد، وفي نفس الوقت يزداد الإحراج لأن موسكو لا تريد أن تُفسد علاقاتها بإسرائيل التي تعدّ أيضاً شريكا مهما لها في مجالات عدّة.

ربما يعجبك أيضا