بيني جانتس .. حصان طروادة الذي تتصارع الأحزاب الإسرائيلية عليه

محمد عبد الدايم

رؤية –  محمد عبد الدايم

الجمهور الإسرائيلي ينجذب لشخصية بيني جانتس، رغم أنهم لا يعرفون الكثير عن توجهاته السياسية، كما أن تصريحاته غير محددة بشكل دقيق يجعل من الممكن استشفاف رؤيته الدقيقة. 

يبدو أن رئيس الأركان السابق أصبح بمثابة الدجاجة التي ستبيض ذهبا لأي حزب يقرر الانضمام إليه.

أي من رؤساء الأحزاب الإسرائيلية يقبل التنازل عن منصبه لإفساح الطريق أمام جانتس ليكون رئيس الوزراء الإسرائيلي؟

الإسرائيليون يبحثون عن قائد سياسي جديد ليس فاسدًا أو فاشلًا.

هل جانتس فعلا أيقونة للإسرائيليين أم أن وسائل الإعلام تروج له؟!

بعد ثلاث سنوات من انتهاء خدمته العسكرية كرئيس لأركان الجيش الإسرائيلي يستعد بنيامين (بيني) جانتس لتجربة العمل السياسي، ويبدو أنه يتمتع بشعبية كبيرة تبدو واضحة قبل أن يُعرف حتى توجهه السياسي الصريح، حتى قيل: إن حزب ميرتس اليساري المعارض أحد الكيانات المعجبة به، ووفقا لمصادر مختلفة فإنه لم ينكر حدوث لقاءات بينه وبين “الجميع”، من حزب هاعفودا الذي يرأسه آفي جفاي، وحزب ييش عاتيد برئاسة يائير لابيد، وهاليكود الحاكم برئاسة بنيامين نتنياهو، وهذا أمر مثير للدهشة إلى حد كبير، أن تسعى كيانات حزبية سياسية لاستقطاب الرجل قبل أن يعلن أيديولوجيته السياسية صراحة.


التجهيز لصراع الانتخابات القادمة

تفسير الأمر بكل بساطة هو أن هذه الأحزاب تفكر جميعها في الانتخابات القادمة، هاليكود حتى الآن -بجانب كونه الحزب الحاكم- يتصدر معظم استطلاعات الرأي التي تُجرى بشكل دوري، ويليه حزب ييش عاتيد وبعدهما بمراحل يأتي من بعيد حزب هاعفودا الذي يحاول رئيسه الجديد آفي جفاي إنعاشه مجددًا بعد سنوات من الركود والفشل السياسي، ولأن السياسة لعبة من أهم قواعدها الترويج الإعلامي؛ فقد وجدت هذه الأحزاب أن الرجل يتمتع بقاعدة شعبية كبيرة بين الجماهير الإسرائيلية، وبطبيعة الحال سيكسب الحزب الذي يستطيع اجتذابه إليه جانبًا عريضا من هذه الشعبية يؤهله ليكون في صدارة الأحزاب الفائزة إذا ما أجريت انتخابات الكنيست.


يميني أم يساري

بطبيعة الحال لم يُعرف توجه بيني جانتس إبان تقلده درجات عسكرية حتى وصل إلى منصب رئيس الأركان العامة الإسرائيلية، لكنه الآن عسكري مُسرح من الجيش، أي مواطن إسرائيلي يحق له أن يخوض غمار المعترك السياسي والانتخابي، سواء مع حزب يميني أو يساري أو حتى مع تكتل يمين الوسط، وربما بعد حين تتضح أيديولوجيته التي أخفاها طيلة عمله العسكري، حين يقرر الانضواء تحت لواء هذا الحزب أو ذاك، أو يستقر في الأخير على تأسيس حزب سياسي جديد يستهدف به المنافسة في انتخابات الكنيست والوصول إلى المنصب المغري، منصب الرجل الأول في إسرائيل: رئيس الوزراء.

ماذا يخبئ الجنرال المتقاعد؟

السياسة ليست لعبة للأبرياء والسذج، فليس من المنطقي أن يدخل جانتس إلى عالم السياسة دون أن يحسب خطواته، أو يحدد أهدافه، فبالنسبة لعمره لم يعد الوقت مناسبا للتجربة (59 عاما)، الرجل يقترب من سن الستين ولتوه يدخل عالم السياسة، فلابد أن يكون قد وضع خطة تؤدي به للوقوف على أرض صلبة، ليحقق هدفه بالوصول إلى منصب رئيس الوزراء. .

ما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مصادر مختلفة أن الرجل جزم بعدم عزمه الانضمام إلى حزب هاليكود، أو ربما ينتظر رئيس الأركان السابق غياب بنيامين نتنياهو عن صدارة المشهد في هاليكود ليصبح خليفته في رئاسة الحزب ويقوده كرئيس للوزراء، خصوصا وأن قضايا الفساد المتتالية التي تواجه نتنياهو جعلت بعض كوادر الحزب للتفكير في خليفته، من منطلق تغيير رئيس الحزب أفضل من خسارة رئاسة الحزب بكامله للحكومة الإسرائيلية.

صراع الاستقطاب والتحالفات

بينما نفى آفي جفاي رئيس حزب هاعفودا ورئيس تكتل المعسكر الصهيوني اتفاقه معه على أن يكون جانتس الرجل الأول إذا ما نجح التكتل، رغم ما قيل حول اتفاق ظهرت ملامحه، يقضي بأنه في حالة فاز حزب هاعفودا وأصبح من حقه تأليف حكومة يكون على رأسها جانتس بينما يكون جفاي الوزير الأهم فيها، وإذا لم ينجح الحزب في الانتخابات بما يؤهله لتكوين حكومة فعلى جانتس في هذه الحالة أن يخلي الساحة لجفاي ليظل رئيسا للحزب، وهو ما أشرنا له في سياق التقرير السابق بعنوان زعيم المعسكر الصهيوني..لاعب جديد يربك حسابات نتنياهو

والظن أن شخصية مثل يائير لابيد يُستشف منها رغبته المحمومة للوصول إلى المنصب الكبير، خصوصا وأنه يأتي دائما خلف هاليكود في استطلاعات رأي كثيرة، فهل يُمكن أن يتخلى لابيد عن حلمه الشخصي لصالح جانتس حديث العهد بالسياسة؟!

حصان طروادة للأحزاب، مسيح مخلص للجمهور

ربما يكون جانتس حصان طروادة بالنسبة لأي حزب ينجح في استقطابه، ليصل إلى سدة الحكم، لكن المدهش هو أن الرجل أصبح سريعا بمثابة مُخلِص للجمهور الإسرائيلي نفسه، وكأن الإسرائيليين أصبحوا على حافة الاشمئزاز من الكوادر السياسية الموجودة على الساحة، سواء في اليمين أو الوسط أو اليسار، مع وضوح حالة الترهل الكبيرة في أحزاب كثيرة، وضعف باد لدى أحزاب أخرى جديدة، ومع شيوع الفساد في مؤسسات الحكم والسياسة والأحزاب، إضافة إلى خفوت نجم شخصيات سياسية بسبب فشلها السابق مثل تسيبي ليفني أو أفيجادور ليبرمان أو إيهود باراك، أو بسبب الفساد مثل إيهود أولمرت، أو لعدم القناعة الكاملة بقدرة شخصيات مثل موشيه كحلون على قيادة إسرائيل، أو بسبب طغيان المد اليميني المتشدد الذي بات يتسلط على مؤسسات إسرائيلية كثيرة، ناهيك عن ائتلافه مع حزب هاليكود في الحكومة الحالية.

تمنح استطلاعات الرأي تفوقا لحزب هاليكود بزعامة نتنياهو، وفي الوقت نفسه يؤمن معظم الجمهور الإسرائيلي بأن الرجل فاسد وغير أمين، لذا يبدو أن هذه الجماهير وجدت في الجنرال العسكري ما تحلم به بديلا لنتنياهو وشخصية مغايرة للوجوه السياسية الكالحة التي أثبتت فشلها.

الفشل حليف التجارب السابقة

لم يكن أحد من رؤساء أركان جيش إسرائيل سياسيًا فذًا ناجحا، بل كانوا فاشلين إلى حد كبير، سواء يجال يادين، أو موشيه ديان، أو حاييم بارليف أو موردخاي (موطيه) جور، أو رفائيل إيتان، أو أمنون شاحاك، أو شاؤول موفاز، أو موشيه (بوجي) يعلون، ورغم أن إيهود باراك نجح في الوصول إلى منصب رئاسة الوزراء؛ فإنه صُنِف كواحد من أفشل رؤساء الحكومات منذ قيام إسرائيل وحتى الآن، ويتبقى فقط يتسحاق رابين الذي عُد كأحد رؤساء الوزراء “الجيدين” لكنه لم يكمل مسيرته بعد اغتياله على يد اليميني المتطرف يجال عامير.

هل يغير جانتس ما أثبته التاريخ؟

إذن فالتاريخ لم يُظهر نجاحا سياسيا لرؤساء الأركان بالجيش الإسرائيلي، ولم يظهر على بنيامين جانتس ما يشير إلى احتمالية أن يكون رجل سياسة ناجح أو رئيس حزب يقود أعضائه إلى منصة رئاسة الوزراء، فليس هناك مؤشر محدد أو علامات تصنف مقدار نجاح أو فشل عسكري متقاعد يهم للدخول إلى الحياة السياسية، ومع ذلك أصبح جانتس بين ليلة وضحاها مسيحا مُخلصا للجمهور الإسرائيلي، وبيضة تضع ذهبا للأحزاب، وأيقونة سياسة تتصارع الكتل السياسية لاجتذابها.

وفقا لمصادر إسرائيلية فإن جانتس عُرِض عليه تقلد حقيبة وزارية مهمة ضمن أي تحالف ينضم إليه وينجح في الانتخابات، لكن يبدو أن الرجل يسعى لرئاسة الوزراء “طلعة واحدة” دون أن يبدأ بمنصب وزير أولا، مما يشير إلى طموح كبير، ربما تعززه ثقة في الفوز، أو تعضده سذاجة عسكري ليس خبير بالسياسة.

ربما يعجبك أيضا