كاتب تركي: “أردوغان” يهندس القانون لخدمة السياسة على غرار وزير دعاية “هتلر”

يوسف بنده

رؤية

هاجم الكاتب التركي، جنكيز اكتار، السياسة التي يتبعها الرئيس التركي، في سبيل هندسة القوانين بما يخدم أهدافه السياسية؛ للتخلص من معارضيه والوصول للنظام السياسي الذي يؤمن له البقاء.

فبعد هيمنته على القضاء، يسعى أردوغان لإعادة حكم الإعدام حتى يعدم معارضيه، ومنهم صلاح الدين دميرطاش زعيم حزب الشعوب الديموقراطي والمرشح الرئاسي. فقد طالب أردوغان القضاء التركي بإصدار حكم سريع بحق دميرطاش وذلك لمنع خوضه الانتخابات.

وكتب جنكيز اكتار: ارتفعت من الميادين الأصوات المطالبة بـ”الإعدام” بناء على استهداف أردوغان لصلاح الدين دميرطاش بهذه الطريقة. وبناء على هذا أجاب أردوغان قائلًا “لقد قلت لكم من قبل “لو أن البرلمان كان أرسل إليَّ القرار المتعلق بهم لكنت صدقت على هذا بالفعل.”

ويعلق اكتار على ذلك: لقد تخلص الحاكم المقتدر من قيوده بالفعل، إنه مشغول في الوقت الراهن بالتغلب على نفسه. إنه يواصل الصراع والحساب والتخاصم في كل موضوع وفي كل لحظة مع تركيا التي وصفها بـ”القديمة”. ويكرر مرة بعد أخرى الحكايات التي ظل يسردها طيلة سنوات، وقد انضمت الأخطاء المادية أيضًا إلى ذلك الكلام الفارغ والهراء، وتقليعاته التي تستهدف خصومه السياسيين قد وصلت من خلال تجاوزه عتبات جديدة مرحلةً ينادي فيها “إن قتله واجب”، وقيامة الكفر تحاول التقدم نحو 24 يونيو.

على خُطى جوبلز

ويستطرد الكاتب التركي في مقاله: نرى منذ سنوات أن النظام الحاكم في البلاد يطبق بشكل صادق وحرفي للغاية دستور يوزف جوبلز وزير الدعاية السياسية لـ”أدولف هتلر”، وسنورد مواده في نهاية مقالنا.

إن الاتهام الموجه إلى صلاح الدين دميرطاش المرشح الرئاسي لحزب الشعوب الديمقراطي والتهديد بالموت يلخص بشكل جيد للغاية النقطة المثيرة للارتعاد التي وصل إليها كوكب أردوغان شخصيًا وإيديولوجيته وجماعته.

إن رئيس جماعته هذا يفرض على البلاد منذ سنوات عقلية وصفها بأنها “جديدة”، بينما يذهب بعض أصحاب الأقلام المعارضة في الوقت الراهن إلى أبعد من ذلك فيصفونها بـ”الثورة”.

إن “هذا العالم الجديد” يثير الحفيظة ويدعو إلى التمرد ويستحيل قبوله بالنسبة للكثيرين منا. تمامًا مثلما كان “النظام الجديد” (النازية) الذي فرضه هتلر – رئيس جوبلز- في البداية على ألمانيا ثم على القارة الأوروبية أمرًا يستحيل قبوله.

غير أن هذه الأنظمة غير المقبولة ليست بدعة ولا مرضًا يمكن شفاؤه بسهولة، أو ليست مجرد حكايات ساقها وسوَّقها إلى الشعوب الساذجة والنقية أناس أشرار سيئو الطباع.

فمن أجل جعل هذا الأمر الذي يستحيل قبوله أمرًا مقبولًا تأتي هذه الخطابات البلاغية تمامًا، وتتصاعد وتيرتها بحيث تكون متماشية مع جماعاتها. والحقيقة أنها خطابات تصدر عن أبواق القانونيين ودعاة النظام والمروجين له.

هذه الخطابات والعبارات هي من بنات أفكار رجال القانون الموالين للقصر الرئاسي، والحقوقيين الذين يتنقلون على شاشات القنوات التلفزيونية التابعة للنظام، وكذلك الحقوقيين المكلفين بجعل كل ما يستحيل قبوله أمرًا مقبولًا، والناصحين المتطوعين من غير القانونيين.

هندسة القانون

وحول سياسة أردوغان في هندسة القوانين بما يخدم سياسته، يقول جنكيز اكتار: إن أكثر الإجراءات اللافتة للنظر في القانون الجديد الذي يكمن في جوهره “الحملة الدعائية لجعل ما يستحيل قبوله أمرًا مقبولًا” هو تلك الأعجوبة المسماة نظام الحكومة الرئاسية. إنه الثمرة الأساسية للقانون الجديد الذي خطط له وهندسه على أبواب القصر الرئاسي القانوني برهان قوزو، والقانوني محمد أوجوم من داخل القصر.

يحب أن يتم عن كثب النظر إلى مدى قانونية هذا النظام، بل ومدى كونه “ديمقراطيًا” بقدر ما هو مفترض أن يكون موافقًا لإرادة الأغلبية، ويلزم كذلك دراسة ما سرده كلا القانونيّين اللذين وضعاه.

من ذلك على سبيل المثال كتاب برهان قوزو “النظام الرئاسي بكل جوانبه” (دار الباب العالي للنشر، 2011، إسطنبول) هو في الأساس نسخة تمت مراجعتها من كتاب المؤلف الذي تناول الموضوع نفسه في 1997، وقد طرح هذا الكتاب في الأسواق سريعًا بهدف توفير الدعم للنقاش الذي كان أردوغان بدأه عام 2010 حول النظام الرئاسي.

يقول هذا القانوني:

“الاتجاه العام في العالم هو إضفاء طابع شخصي على السلطة (وليس السلطة الشخصية). ومن الملاحظ أن المواطنين يتعاطفون مع هذا الفهم للسلطة. وسبب هذا هو الاعتقاد بأنه مع مثل هذا النظام والسلطة ستسير الأعمال بطريقة أفضل، وسيتم تحديد المسؤول بشكل أفضل. والواقع أنه قد لُوحظ وجود تحول نحو النظام الرئاسي في كل أشكال الحكومة من الناحية العملية. بل إن روسيا اتجهت إلى هذا النظام.” (ص 127).

وإن هذيان رجب طيب أردوغان “قانون السياسة” الذي تناولته في مقالة سابقة يقع ضمن هذه الحزمة أيضًا.

أولًا: إن السياسة التي تفوز بالانتخابات تسبق كل الظواهر الأخرى وعلى رأسها القانون القائم، أي إنها الأغلبية. فلا يوجد شيء أعلى وأكثر شرعية من السياسة التي اكتسبت الأغلبية.

ثانيًا: رفض الفصل بين السلطات. ووفقًا لذلك فإنه لا يمكن اعتبار السياسة أي الإدارة عامة بعيدة عن القانون. إن عبارة “قانون السياسة” شهادة على أنها تعتبر القانون الجديد تكبيلًا للسياسة.

ثالثا: إن الأولوية المطلقة للسياسة تعني أن يتشكل القانون الجديد وفقًا لاحتياجات السياسة، بينما يُلقى القانون القديم في سلة المهملات السياسية بصورة مباشرة.

وفي هذا الإطار يتم فرض النظام الرئاسي على النظام القانوني القائم كضرورة سياسية.

رابعًا: إن الأساس الذي بُني عليه هذا الشيء المسمى قانون السياسة هو: زعم السطلة التأسيسية الكامنة في جوهر اللاشرعية.

وعلى الرغم من كل ما في القانون الجديد والسياسي من هذيان إلا أنه لا ينطوي على شيء مثير للدهشة، وينبغي ألا يكون كذلك. ألا يُعتبر حتى أكثر القوانين كمالًا نشاطًا اجتماعيًا أصابته العدالة المنقوصة التي تتشكل بتأثير السياسة؟

الفرق بين القانون المقبول والقانون غير المقبول أنه لا يوجد في النوع الثاني شيء سوى دائرة عملاقة من الظلم والجور. مثل قانون النازي أو مثل القانون الجديد للرئيس.

ليس من الفاعلية الاكتفاء بمجرد التمرد على انعدام القانون في هذا النظام الذي تشكل خارج إطار القانون الحالي، ولا مقابلة الرذالة والفضيحة بمجرد السخرية منها والاستهزاء بها، فمعلوم مدى تأثير هذا.

إن أبرز القانونيين في تركيا يؤكدون منذ سنوات على عدم شرعية إجراءات النظام. وكل التصرفات غير القانونية للنظام تتعرض للسخرية والاستهزاء في وسائل التواصل الاجتماعي. وإذا ما زال النظام ذات يوم فسيتم التراجع عن الخطأ، والعثور على الطريق الصحيح..

مما لا شك فيه أن الإشارة إلى مظاهر اللامشروعية ورصد الإجراءات غير القانونية للنظام أمر في غاية الأهمية من أجل المستقبل وما هو قادم.

ومع ذلك ينبغي أثناء القيام بهذا ألا يغيب عن الأذهان أن ما هو موجود وسارٍ، ومقبول، وأن انتهاكات القانون المفروضة من قبل السلطات الأخرى أيضًا هي مجرد مزاعم بأنها قانون (وليست عدالة).

وخلافًا لذلك فإنه يستحيل علينا أن نعتبر نظام أردوغان هرطقة وأن نفهم أسباب الانهيار الهائل الذي خلقه.

لقد كان هذا التحليل الوظيفي صالحًا لسنوات عديدة أيضًا بالنسبة لألمانيا هتلر، غير أنه لم يكن كافيًا من أجل فهم القانون النازي وفهم الأضرار التي تسبب فيها القانونيون عبر تغييرهم مواقفهم ومن كانوا يوالونهم.

لذلك يجب أن نأخذ على محمل الجد القانون الجديد في تركيا الذي جعل بهدوء وإجماع منذ سنوات عديدة كل أمر يستحيل قبوله شيئًا مقبولًا.

يجب أن يؤخذ على محمل الجد بحيث يتسنى لنا أن نفهم بالشكل اللائق والصحيح ماذا سنتعرض له إذا ما تسلط تمامًا على هامة البلاد والشعب الرئيس ونظامه بعد 24 يونيو أو بعد 8 يوليو..

يجب أن يؤخذ على محمل الجد حتى تتسنى إدارة النضال ضد هذا السرطان الخبيث الذي بلغ ذروته عبر التهم والتهديد بالموت الموجه إلى صلاح الدين دميرطاش..

مبادئ جوبلز:

– “يمكننا أن نفعل كل ما نريد، طالما رصدنا تكاسل الناس عن التفكير”.
– “اكذبوا، فسوف تجدون من يصدقكم البتة. فإن لم تجدوا فواصلوا الكذب”.
– “كلما كررتم الشيء آمن الناس به وصدقوه أكثر”.
– “إن كررتم مقولة أمام شخص – حتى وإن كانت كذبًا – فإنه سينسى مصدر تلك المقولة ويتبناها ويدافع عنها وكأنها رأيه الخاص”.
– “كلما كبرت كذبتكم أصبحت أكثر تأثيرًا وأصبح من الأسهل على الناس أن يؤمنوا بهذه الكذبة”.
– “حمِّسوا الشعب دائما، ولا تسمحوا له أن يفتر حماسه ولا أن يفكر أصلًا”.
– “يؤمن الشعب بالأكاذيب الكبيرة أسرع مما يؤمن بالأكاذيب الصغيرة”.
– “لا تقروا أبدًا بأنكم مخطئون أو أنكم أخطأتم”.
– “لا تقبلوا أبدًا بأن خصمكم يتفوق عليكم في جانبٍ ما”.
– “القضاء ليس السيد في حياة الدولة، بل يجب أن يكون خادمًا لسياسة الدولة”.
– “امنحوني وسائل إعلام عديمة الضمير، أقدم لكم شعبًا فاقد الوعي”.
– “يربح وينتصر من يقول الكلمة الأولى بقوة وبصوت مرتفع إلى أقصى درجة”.

ربما يعجبك أيضا