مخاوف دولية وإقليمية من جوازات لبنانية لا تظهر عليها التأشيرة الإيرانية

يوسف بنده

رؤية

خلق إعفاء الإيرانيين من أختام الدخول والخروج على جوازات سفرهم في مطار بيروت بلبلة ومخاوف واسعة من وجود دوافع سياسية وأمنية لهذا الإجراء، رغم نفي الأمن العام ذلك وتوضيح طبيعته.

وتم تخصيص الإيرانيين الداخلين إلى لبنان أو الخارجين منه وحدهم، بأختام توضع على بطاقات منفصلة تربط بجوازات سفرهم، وليس على صفحات الجواز الخاصة لذلك، كما هو الحال مع بقية المسافرين الأجانب. وما زاد الريبة في هذا التطور الملتبس أن الجهات الرسمية السياسية المعنية، من وزارة الخارجية إلى رئاسة الحكومة، لم تصدر خلال عطلة عيد الفطر أي بيان أو توضيح حول أسباب الاستثناء هذا، إذ ترك الأمر للجهة الأمنية المعنية وحدها، في حين أن إجراء كهذا لا بد أن يكون نتيجة قرار سياسي ودبلوماسي.

وبعد الأصداء التي أثارها هذا الإجراء الملتبس، أصدرت وزارة الخارجية اللبنانية الأحد الماضي، بيانا جاء فيه: “إزاء المعلومات المتداولة عن السماح للرعايا الإيرانيين بالدخول إلى لبنان من دون ختم جوازات سفرهم على المعابر الحدودية، يهم وزارة الخارجية والمغتربين أن توضح للرأي العام أن هذا الإجراء هو من صلاحيات الأمن العام اللبناني، وهو من اتخذ قرار ختم بطاقة الدخول بدلا من الجواز، وينحصر دور وزارة الخارجية والمغتربين بالإبلاغ عنه فقط لا غير”.

وكانت المديرية العامة للأمن العام، أصدرت في هذا الصدد بيانا: “تناولت بعض المواقع الإلكترونية خبرا عن إلغاء ختم الدخول والخروج للمسافرين الإيرانيين الوافدين إلى لبنان. يهم المديرية العامة للأمن العام أن توضح أن هذا الخبر عار من الصحة، وتؤكد أنها تعتمد إجراء متاحا أمام رعايا عدد من الدول الوافدين إلى لبنان وللراغبين منهم بتوشيح أختام الدخول والخروج على بطاقات مستقلة ترفق بجوازات سفرهم”.

وأوضح مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم مسألة عدم ختم جوازات السفر لإيرانيين يأتون إلى لبنان عبر المطار. وقال: من المفارقات، أنّ هناك مَن ذهب بعيداً في تفسيره لهذا الإجراء وأعطاه أبعاداً أمنية وسياسية عابرة للحدود، إلى درجة الافتراض بأنّ الغاية منه هي تسهيل دخول عناصر الحرس الثوري إلى لبنان وخروجهم منه.

وقال اللواء إبراهيم -تعليقاً على هذا التفسير وما شابهه، لـصحيفة “الجمهورية”- “للأسف، لدى البعض في لبنان خيال واسع يقودهم إلى فرضيات لا تمتّ إلى الواقع والحقيقة بأيّ صلة، بل هي مجرد سخافات تبعث على الضحك والشفقة في آن واحد”. وأضاف: “بعيداً من نظرية المؤامرة، أؤكد أنّ التدبير الذي اتّخذه الأمن العام هو طبيعي وعادي، ولا ينطوي على أيِّ غايات أو نيّات مضمرة، علماً أنه معتمد في الكثير من الدول الخليجية والأوروبية منذ سنوات طويلة”.

وشدد إبراهيم على أن “حركة دخول وخروج الإيرانيين عبر المطار مسجلة وموثقة في الكومبيوتر، وهذا هو المهم بالنسبة إلينا”، لافتاً إلى أن “تاريخ الوصول والمغادرة يصبح موجوداً لدينا بمجرد إمرار جواز السفر على “الماشين” (الآلة)، ولو أنه لم يُختم”.

ولفت إبراهيم إلى أن الختم على جواز السفر ليس إلزامياً بحدّ ذاته، موضحاً أنّ من حقّ المسافر أن يطلب وضع الختم على بطاقة منفصلة لاعتبارات تتعلّق به، من نوع امتلاء صفحات جواز السفر العائد إليه أو رغبته في تسهيل دخوله إلى دول أخرى قد ترفضه إذا وُجد ختمُ دولة معينة على جواز سفره.

إعفاء وتقارب
وقد اعتبرت مصادر سياسية لبنانية أن الإجراء الذي اتخذته السلطات اللبنانية المعنية والقاضي بإعفاء المواطنين الإيرانيين الذين يدخلون لبنان من ختم جوازاتهم يندرج في سياق التقارب اللبناني – الإيراني، خصوصا منذ انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية في أواخر أكتوبر 2016.

وأوضحت أن مثل هذا الإجراء الذي يسمح للإيراني بأن يكون ختم دخوله إلى لبنان على ورقة منفصلة عن الجواز يسهل عملية انتقال رجال الحرس الإيراني إلى لبنان ومنه إلى سوريا.

وكشفت أن الجانب الأهمّ في الإجراء هو في تطبيق المعاملة بالمثل على اللبنانيين الذين يزورون إيران. فهؤلاء لا تختم جوازاتهم عند منافذ الحدود الإيرانية، وذلك كي لا يتعرضوا لأي مضايقات لدى محاولتهم الحصول على تأشيرات أوروبية أو أميركية.

وكان لبنان أعفى الإيرانيين من التأشيرة في عهد حكومة نجيب ميقاتي التي تشكلت في أواخر العام 2010. واتخذت تلك الحكومة التي سمّيت حكومة حزب الله قرار الإعفاء بناء على طلب إيراني كان قد رفضه سعد الحريري في أيّام حكومته الأولى.

ومعروف أن من بين الأسباب التي دفعت حزب الله إلى إسقاط حكومة الحريري الأولى رفض الأخير سلسلة من المطالب الإيرانية قدّمها له الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في أثناء زيارة لطهران في صيف 2010. وكان على رأس هذه المطالب إعفاء المواطنين الإيرانيين من تأشيرة الدخول إلى لبنان.

ورأت المصادر السياسية اللبنانية في خطوة عدم ختم الجوازات الإيرانية عند منافذ الحدود اللبنانية بمثابة تطور طبيعي في سياق التقارب اللبناني الإيراني الذي عبر عنه أخيرا قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني. وذهب سليماني -في أحد تصريحاته- إلى أن الأكثرية في مجلس النواب اللبناني الجديد صارت لحزب الله، إذ لديه 74 نائبا من أصل 128 يتألف منهم البرلمان.

قرار منتظر
ولفت المراقبون إلى الحملة التي تشنها الصحافة الغربية وما أثارته صحيفة واشنطن تايمز الأميركية مؤخرا من تسليط للضوء على وضع مطار بيروت وسيطرة حزب الله عليه وتحويله إلى معبر لتهريب عناصر الحرس الإيراني. وأضافوا أن لهذا الضجيج علاقة بتطورات مقبلة تتعلق بإجراءات دولية قد تتخذ للحد من سطوة إيران على لبنان.

ويستغرب المراقبون صمت الطبقة السياسية الحاكمة عن هذا الأمر بحيث نأت وزارة الخارجية اللبنانية بنفسها عن الإجراءات المتعلقة بمراقبة الجوازات، فيما تلمّح بعض الأوساط إلى أن قرار إعفاء الإيرانيين من التأشيرة ومن ختم الدخول والخروج على الجوازات قد نفذ في عهد حكومة ميقاتي لكنه اتخذ في عهد حكومة الحريري قبل ذلك في اتفاق أبرمه وزير الخارجية آنذاك علي الشامي.

وعلى الرغم من أن الأمر أثار سجالا حينها بين ميقاتي والحريري إلا أن بيروت التزمت بالاتفاق مذ ذاك بما سمح بمرور عناصر وقيادات إيرانية عبر مطار بيروت في الطريق إلى ميادين القتال في سوريا.

وتكشف بعض المعلومات أن واشنطن وعواصم القرار الكبرى غير مرتاحة للدور الذي لعبته بيروت في هذا الصدد ما منع أجهزة الأمن الدولية من رصد دقيق لحركة تنقل الإيرانيين كما موّهت بالمقابل وأخفت حركة انتقال اللبنانيين إلى إيران والذين يستفيدون من نفس الإجراء في المطارات الإيرانية.

مخاوف خليجية
وينقل عن مصادر خليجية أن إخفاء التأشيرة الإيرانية عن جوازات اللبنانيين يشوه المعلومات الخاصة بمن يتقدمون بطلب تأشيرات من دول الخليج. وقد أثارت أجهزة الأمن الأميركية هذا الأمر في معرض مراقبتها للسيرة الأمنية للبنانيين المتقدمين بطلب التأشيرة الأميركية.

وتتخوف بعض الأوساط اللبنانية من أن تؤدي الحملة الدولية بشأن أمن مطار بيروت وسيطرة حزب الله عليه إلى تعليق بعض الدول لا سيما الخليجية رحلاتها إليه عشية موسم الاصطياف والسياحة في لبنان.

وتربط بعض الأوساط إثارة موضوع غياب التأشيرات عن الوافدين الإيرانيين إلى لبنان ووضع مطار بيروت من قبل الصحافة الغربية بمسألة التأخر في تشكيل الحكومة اللبنانية.

وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري: إن محركات الورشة المعنية بهذا الأمر معطلة، وإن أسباب ذلك قد تكون خارجية دون أن يوضح هوية الجهة أو الجهات الخارجية التي ضغطت لتأجيل تشكيل الحكومة الجديدة.

ربما يعجبك أيضا