هرتسوج رئيسًا للوكالة اليهودية .. انتصار مفاجئ للمعارضة

محمد عبد الدايم

تقرير –  محمد عبد الدايم

نتنياهو يدفع ثمن خسارة الجاليات اليهودية في العالم
الوكالة اليهودية تتجاهل توصية رئيس الوزراء وتركل مرشحه بعيدا
هرتسوج يرأس حكومة اليهود ويفتح صفحة جديدة في صراعه مع رئيس حكومة إسرائيل
هرتسوج الابن يتطلع لمنصب الرئيس الذي تقلده والده منذ ثلاثة عقود

أثار اختيار مجلس أمناء الوكالة اليهودية لزعيم المعارضة يتسحاق (بوجي) هرتسوج ليكون الرئيس الجديد للوكالة صخبًا كبيرًا في إسرائيل، بعد أن تجاهلت لجنة التعيينات توصية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتعيين وزير الطاقة يوفال شتاينتس عضو الكنيست عن حزب هاليكود، واختارت في المقابل زعيم المعارضة بالكنيست والرئيس السابق لحزب هاعفودا اليساري المعارض.

بالإجماع رغم أنف نتنياهو

وفقًا لما جاء في وسائل الإعلام الإسرائيلية؛ فإن مجلس إدارة الوكالة اليهودية، صوت “بالإجماع” لصالح تعيين هرتسوج رئيسا جديدا للوكالة، حيث أجرت لجنة التعيينات استطلاعًا داخليا قبل عدة شهور احتل فيه هرتسوج المركز الأول.

منذ نحو ستة أشهر، حينما أُعلِن أن شرونسكي على وشك أن يترك المنصب أخيرًا، ظهرت قائمة تضم نحو 25 مرشحًا لخلافته، من أبرزهم هرتسوج والوزير يوفال شتاينتس (هاليكود)، ونائب الوزير مايكل أورين (كولانو)، وعضو الكنيست نحمان شاي (هاعفودا)، ورون بروسور سفير إسرائيل السابق في بريطانيا، إضافة إلى آخرين، ويبدو أن ميل الكفة لصالح هرتسوج قد حُسِم في اجتماعات منتدى الوكالة في يوليو الماضي بنيويورك وواشنطن.

إذا يبدو أن رؤساء التنظيمات والتيارات اليهودية التي تجتمع تحت لواء الوكالة اليهودية قد عقدوا العزم على الوقوف أمام نتنياهو وحلفائه من اليهود الحريديم، ومن هنا قرروا اختيار خصم سياسي لرئيس الوزراء لرئاسة الوكالة.

خلال السنوات الثلاثة الماضية نجح نتنياهو، الذي ربط مصيره وائتلافه الحكومي بالحريديم، في إثارة مشكلات كبيرة مع تجمعات اليهود خارج إسرائيل، خصوصا الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، وهذا ما أشرنا إليه في تقرير سابق بعنوان يهود الولايات المتحدة: مزيد من الضغوط لصالح ائتلاف نتنياهو، ومن المعروف أن كتلة اليهود في الولايات المتحدة هي الأكبر، وما لاقته حركة اليهودية الإصلاحية من تعنت حريدي مدعوم من نتنياهو دفع نحو اختيار رئيس جديد للوكالة اليهودية غير موال لرئيس الوزراء، خصوصا مع تفاقم الأزمة بعد منع اليهود من التيارين الإصلاحي والمحافظ من الصلاة في باحة حائط البراق في القدس المحتلة، وكذلك على خلفية قانون اليهودية الذي لا يعترف بالتهود على أيدي حاخامات من تيارات يهودية غير أرثوذكسية.

وفقًا لرؤى سياسية؛ فإن نتنياهو ليس داعمًا كبيرًا ليوفال شتاينتس، لكن مسعاه الكبير تمثل في منع المعارضة من الحصول على منصب رئاسة الوكالة اليهودية، فكثف ضغوطه في اليومين السابقين لإعلان اختيار هرتسوج، وبدأ في إجراء مشاورات، واتصالات هاتفية، قيل إن بعضها كان صارمًا، مع أعضاء نافذين في لجنة التعيينات بالوكالة، لكن هذه التحركات الأخيرة منه لم تؤثر هذه المرة، حتى صدرت التوصية بتعيين هرتسوج.

براءة مصطنعة

على الجانب الآخر؛ أبدى هرتسوج براءة حينما سئل عن خطواته التي دفعت لجنة التعيينات لاختياره، وقال إنه “لم يفعل شيئًا، فقد جاءه اتصال طلب فيه أعضاء من اللجنة مقابلته دون أن يبادر هو إليهم، وفجأة أعلنوا تعيينه” على حد قوله.

هذه البراءة التي حاول هرتسوج أن يتقنع بها ربما لا تخفي الحقيقة، فبشكل مؤكد كان يسعى للأمر طيلة الفترة الماضية، مستغلا توتر العلاقة بين الوكالة وبين نتنياهو، فمثل هذه المناصب لا تأتي هكذا، كما أنه استغل انشغال نتنياهو بأمور أخرى، على رأسها مواجهة قضايا الفساد التي انهالت على رأسه وعلى رأس زوجته، وربما ظن رئيس الوزراء أنه يستطيع في نهاية الأمر أن يتعامل مع الأزمة، ويفرض سيطرته على أعضاء لجنة التعيينات.

رئيس حكومة اليهود في مواجهة رئيس حكومة إسرائيل

فاز هرتسوج أخيرا، انتصر على نتنياهو في معركة رئاسة الوكالة اليهودية، بعد أن استطاع الحفاظ على موقعه كزعيم للمعارضة رغم فقدانه لمنصب رئيس حزب هاعفودا بعد فوز آفي جفاي، فقد حصد تكتله مع تسيبي ليفني 24 مقعدا في انتخابات الكنيست الأخيرة، والآن يرأس الوكالة المسئولة عن اليهود في العالم أجمع، فإذا كان نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل؛ فإن بوجي هو رئيس “حكومة اليهود” كما يُطلق عليها، لأنها، أيالوكالة اليهودية،  لعبت دورا محوريا في قيام دولة إسرائيل عام 1948، ومسؤولة عن الهجرات اليهودية منذ إنشائها في 1929.

المحطة القادمة والأخيرة

ربما تكون المحطة القادمة ليتسحاق هرتسوج هي رئاسة إسرائيل، ففي صيف 2021 تنتهي مدة ولاية الرئيس الحالي رؤوفين ريفلين، ويبدو أن هرتسوج يضع في مخططاته تقلد هذا المنصب ليسير على درب والده حاييم هرتسوج الرئيس السادس لإسرائيل (1983-1993).

زعيم المعارضة القادم

مع توليه منصبه الجديد لرئيس للوكالة اليهودية أصبح لزاما على هرتسوج أن يترك عضوية الكنيست وبالتالي يصبح منصب زعيم المعارضة شاغرًا، وبما أن رئيس حزب هاعفودا آفي جفاي ليس عضوًا في الكنيست الحالي، فيبدو أن تسيبي ليفني،الشريكة في تكتل المعسكر الصهيوني، ستطلب “بقوة” أن تكون وريثة هرتسوج، لتصبح زعيمة المعارضة، لكن لا يجب تجاهل وجود شلي حاييموفيتش عضوة التكتل والرئيس الأسبق لحزب هاعفودا، والتي من المرجح أن تلقى دعما من آفي جفاي لتصبح هي زعيمة المعارضة.

ستتضح الصورة خلال الأيام المقبلة، لكن الصراع السياسي في إسرائيل يبدو أنه سيتخذ منحى جديدا مع صعود نجم هرتسوج من جديد الذي يُنتظر منه الوقوف في وجه حلفاء نتنياهو من الحريديم وإعادة الثقة في إسرائيل ليهود العالم.

بهذا يأتي هرتسوج خلفا لـ نتان شرونسكي الذي تقلد المنصب منذ عام 2009، وفور إعلان اختياره للمنصب صرح بوجي بأنه “مستعد لعمل كل شيء للحفاظ على وحدة الشعب اليهودي، ويجب التركيز على استقدام اليهود من دول العالم إلى إسرائيل، مع استمرار استيعاب المهاجرين وتشجيع الهجرة” وأضاف: “الوكالة اليهودية هي الجسر القوي بين شعب إسرائيل وبين اليهود في الخارج، ويجب الحفاظ على هذا الجسر مع ملاحظة كم التحديات الهائلة التي تواجه الوكالة”.

الوكالة اليهودية

اسمها الحالي الوكالة اليهودية لإسرائيل، فيما كان اسمها إبان فترة الانتداب البريطاني “الوكالة اليهودية لأرض إسرائيل” (هاسخنوتهايهوديتلإرتسيسرائيل)، وتأسست عام 1923، بيد أنها لم يُعترف بها قبل عام 1929، وهي هيئة عامة بين المنظمة الصهيونية وتياراتها المختلفة خارج فلسطين، أي أنها بمثابة الجهاز التنفيذي والذراع المسؤول للحركة الصهيونية، وتأسست لأهداف جمع الإعانات المالية لدعم الحركة الصهيونية من أجل تأسيس ما يسمى بـ”الوطن القومي لليهود”، وعملت الوكالة طيلة سنوات على تقديم الدعم والمساعدة لليهود المهاجرين وتهيئة أمور استيعابهم، وحتى الآن منوط بها دعم هجرات اليهود إلى إسرائيل ودعمهم، والمساهمة في استيعابهم، مع الاهتمام بالتنشئة الصهيونية والتعليم، خصوصا وأن لها صلاحيات للعمل داخل إسرائيل.

غضب ورد فعل

على إثر إعلان تولي هرتسوج رئاسة الوكالة اليهودية خلافا لتوصية نتنياهو؛ وقعت أزمة بين الوكالة وبين رئيس الحكومة الغاضب، وألغى نتنياهو اجتماعا مع ممثلي الوكالة كان من المفترض انعقاده بداية هذا الأسبوع.

رسالة إلى الخصم نتنياهو

من موقف المنتصر وجّه هرتسوج رسالة إلى رئيس الوزراء نتنياهو قال له فيها: “أبلغ حكومة إسرائيل ورئيس الحكومة نتنياهو بأننا سنعمل معا من أجل هذه الأهداف النبيلة بتعاون كامل، وهذه مهمة ذات أهمية كبيرة لمستقبل وقوة دولة إسرائيل”.

ربما يعجبك أيضا