هل ترسم أزمة “المهاجرين الأفارقة” ملامح جديدة للآتحاد الأوروبي؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
 

تشهد دول الاتحاد الأوروبي جدلا قويا داخل دول الاتحاد، حول قضية الهجرة غير الشرعية واللجوء داخل دول الاتحاد الأوروبي، هذا الجدل لم يتمخض عن أي حلول رغم الاجتماعات العديدة الرسمية وغير الرسمية لزعماء الاتحاد الأوروبي بينها اجتماع بروكسل يوم 24 يونيو 2018. ما تسعى له دول الاتحاد هو فرض رقابة مشددة على مراقبة الحدود، وفرص اللجوء، وتخفيف التزاماتها في مسالة حقوق الإنسان.
 
وتقدر المفوضية أن نحو 18 ألف شخص يقبعون في مراكز احتجاز للمهاجرين تسيطر عليها حكومة طرابلس، وتهدف إلى إجلاء ما يصل إلى عشرة آلاف العام المقبل 2019. وهؤلاء اللاجئون فارّون من إريتريا وإثيوبيا والصومال واليمن، وبينهم عائلات، وهم جميعا بحاجة للحصول على الحماية.
 
أجرى وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني يوم 24 يونيو 2018 بزيارة طرابلس للبحث عن وسيلة تمنع آلاف المهاجرين من عبور البحر المتوسط، حيث لا يزال المئات في وضع غير مستقرّ. وأعلن وزير الداخلية الإيطالي، وهو أيضا زعيم الرابطة ، يمين متطرف، أن إيطاليا ستقترح إنشاء “مراكز استقبال وتحديد هوية المهاجرين” جنوب ليبيا خلال قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم 28 يونيو 2018.
 
لكن تصريحات نائب رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني أحمد معيتيق تتقاطع مع ذلك بقوله: “أن ليبيا ترفض رفضا قاطعا إقامة مخيمات للاجئين في ليبيا”.
 
وتدعو دول الاتحاد إلى بذل المزيد من الجهود من أجل إغلاق طرق الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط، ومن المقرر أن تخصص ستة مليارات يورو لهذا الغرض، على غرار ما تم إبرامه مع تركيا عندما تم الاتفاق على إغلاق طريق الهجرة عبر البلقان.
 
تعد الدول الأفريقية خاصة النيجر والسودان وليبيا بلدان العبور الرئيسية الثلاثة التي يمر بها المهاجرون قبل عبور البحر المتوسط إلى أوروبا، وأقام الاتحاد الأوروبي عدّة شراكات في تلك الدول من شأنها أن تحد من تدفق طالبي اللجوء إلى أوروبا، ويشدّد الخبراء على أن مشكلة اللاجئين الأفارقة من بين أخطر المشاكل التي ينبغي على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته، حيث تقف ظروف المعيشة في الدول الأفريقية عاملا أساسيا وراء تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
 
جهود دول الاتحاد الأوروبي لمواجهة أزمة الهجرة
 
وضمن جهود دول الاتحاد الأوروبي لمواجهة أزمة الهجرة من دول أفريقيا إلى أوروبا، تعهد قادة دول الاتحادين الأوروبي والأفريقي خلال شهر سبتمبر 2017 بتعزيز التعاون في عدة مجالات خلال ختام فعاليات القمة الخامسة للاتحادين في أبيدجان، عاصمة ساحل العاج. واتفق قادة أكثر من 80 دولة في البيان الختامي للقمة، على تعزيز التعاون في أربعة مجالات تشمل الهجرة والأمن، بالإضافة إلى الاستثمارات في التعليم والتنمية المستدامة. وخرج القادة الأفارقة والأوروبيون بـ”التزام قوي” لقادة دول القارتين من أجل مكافحة الهجرة غير الشرعية، وما ينتج عنها مثل تجارة الرق في ليبيا.
 
وتعهدت الدول الأوروبية في نوفمبر 2017 بعشرات الملايين من اليورو للنيجر والدول التي ينطلق منها المهاجرون في محاولة لوقف تدفقهم، وأكد وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب أنه سيكون “المتحدث باسم أغاديس” من أجل زيادة المساعدة الإنمائية ومكافحة “مهربي البشر” للنيجر، وتخصص فرنسا مساعدات بحوالي 85 مليون يورو في السنة للنيجر كونها “الدولة الأفضل تنظيما لاحتواء الهجمات الإرهابية” ولمكافحتها الهجرة غير الشرعية.
 
حذر “فابريسي ليجيري”، المدير التنفيذي لوكالة مراقبة الحدود الأوروبية “فرونتكس” في مارس 2018، من خطورة تدفق المهاجرين غير الشرعيين الذين لا يمكن تتبعهم، لاسيما القادمين من تونس والجزائر إلى أوروبا، وأضاف “ليجيري” خلال تقديمه تقريرا للبرلمان الأوروبي عن عملية ”ثيميس” التي تديرها إيطاليا على طول ممر وسط أوروبا، أن “التهديد الإرهابي لا يزال مرتفعا، وعلينا أن نتأكد أنه لا توجد عمليات عبور لحدود الاتحاد الأوروبي لا يمكن اعتراضها؛ لأن هذا يمكن أن يقرر مصير الأمن الأوروبي”. وتابع أنه “يجب أن يكون هناك مزيد من توجهات التكامل فيما يتعلق بإدارة الحدود، خاصة أن طائرات فرونتكس قد تمكنت من تتبع بعض تدفقات الهجرة من الجزائر وتونس لم يتم اعتراضها، وهذا الأمر يزيد من القلق الأمني، أن “هناك زيادة حادة في عدد الوافدين من المغرب والجزائر، والذين تم تسجيلهم في إسبانيا”.
 
الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا
 
طالبت المفوضية الأوروبية في مارس 2018 دول الاتحاد بالتصدي بقوة في المستقبل للعمالة غير الشرعية من جانب المهاجرين، وطالب “أفراموبولوس” مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الهجرة والشؤون الداخلية الدول الأعضاء في الاتحاد بتكثيف إجراءات ترحيل المهاجرين غير القانونيين وتطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، وقال: “قرارات الترحيل لن تكون ذات قيمة إذا لم يتم تطبيقها. هذا الأمر له أولوية قصوى”.
 
وفي نفس السياق أعلنت المفوضة الأوروبية أنها أعدت خطة عمل مستقبلية جديدة تهدف إلى وضع حد للهجرة غير الشرعية، وإجبار الدول الأوروبية على تحمل مسؤولياتها في استضافة اللاجئين، وشددت المفوضية في بيان لها على وجوب عدم ترك إيطاليا وحدها في مواجهة ألوف المهاجرين الأفارقة الذين يعبرون البحر المتوسط.
 
النتائج
 
ـ ما يسعي له الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي إلى تطوير علاقة الشراكة بينهما في مجال مكافحة الهجرة الغير شرعية وما ينتج عنها مثل تجارة الرق في ليبيا. لكن يبدو هذه الشراكة، غير متوازنة، وتغطي مصالح دول الاتحاد الأوروبي اكثر من معالجة المشكلة الحقيقية في دول المصدر. دول الاتحاد الأوروبي تركز جهودها على إيقاف موجات الهجرة عبر السواحل الليبية إلى إيطاليا ومالطا وربما إسبانيا.
 
ـ ما تعانيه دول أوروبا في الوقت الحاذر هو الانقسام الشديد في داخلها حول قضية الهجرة ومسك الحدود وتطبيق نظام “دبلن” القاضي بإعادة مقدمي اللجوء إلى البلد الأول الذي قدم به بصمته (ضمن دول الاتحاد الأوروبي)، وهذا ما يصعد الخلافات.
 
ـ الواقع الحالي إلى دول الاتحاد الآن، هناك محوران: محور معارضة الهجرة ودعم غلق الحدود تتزعمه هنغارية بزعامة رئيس الحكومة أوربان ومجموعة “الفيسغراد” كتلة غالبية دول أوروبا الشرقية.
 
وزادت هذه المجموعة قوة بالتحاق كل من النمسا وإيطاليا والدنمارك، وهو محور خطير يجتاح أوروبا مقابل محور المحافظين بزعامة ميركل التي ما زالت تشهد تهديدا من الحزب البافاري المتحالف مع محور المعارضة إلى جانب فرنسا وأخيرا التحقت بهم إسبانيا وربما اليونان. أما بقية دول أوروبا الغربية، في الغالب فهي تقف موقف المتفرج، محاولة لاستثمار مصالحها الاقتصادية والسياسية أبرزها هولندا وبلجيكا، التي تحتاج فتح حدودها لأغراض تجارية.
 
– أزمة الهجرة، يمكن أن تستمر طويلا ما بعد القمة الأوروبية ليوم غد، بسبب عدم وجود استراتيجية أوروبية، موحدة لمواجهة الأزمة. وليس من المستبعد، أن تنعكس سلبا على المستشارة الألمانية ميركل التي تعاني مشكلة مركبة: داخلية، معارضة الحزب البافاري الشريك، وخارجية معارضة غالبية دول الأعضاء داخل هذا الاتحاد، رغم ما تقدمه ميركل من محفزات مالية واقتصادية.
 
السؤال: ماذا سيتمخض عن اجتماع قمة دول الاتحاد الأوروبي غدا في بروكسل؟ القمة تعتبر مصيرية إلى المستشارة ميركل وربما منعطف خطير للاتحاد الأوروبي، يمكن أن ترسم هذه القمة ملامح اتحاد أوروبي جديد: كتلة قومية يمينية، وكتلة المحافظين، الأخيرة تقوم على أساس تحالفات ثنائية أو ثلاثية، والتخلي عن الإجماع داخل الاتحاد.
 
التوصيات
 

ما تحتاجه دول الاتحاد هو: إيجاد استراتيجية موحدة، ومعايير ثابتة حول اللجوء، وربما هناك حاجة إلى دول الاتحاد لصياغ أنظمة جديدة لهذا الاتحاد تتماشى مع حقيقة وواقع هذا الاتحاد.
 
كذلك يجدر بمجلس الاتحاد الأوروبي، الذي يمثله زعماء هذا الاتحاد، أن يتمسك بروح وقواعد الاتحاد المتمثلة في احترام حقوق الإنسان والحرية، أو التخلي عن هذا الاتحاد الذي أصبح يعاني الكثير من الترهل، التخلي من التزاماته امام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وأمام المنظمات الدولية التي تُعنى بالحريات وحقوق الإنسان مثل هيومن رايتس وغيرها.
 

ربما يعجبك أيضا