استمرار توتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة .. و”اليونان” ورقة توازن في يد الإدارة الأمريكية

يوسف بنده

رؤية
 
تأمل تركيا بإعادة بناء علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي شهدتها تركيا في 24 يونيو الماضي، وفاز فيها رجب طيب أردوغان بالرئاسة، كما فاز تحالفه الانتخابي مع حزب الحركة القومية اليمني المتطرف بالأغلبية النيابية.
 
وشكلت خارطة الطريق حول مدينة منبج السورية نقطة تحول في علاقات تركيا مع الولايات المتحد، بحسب توصيف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو.
 
وقد نقلت وكالة الأناضول عن مستشار وزارة الخارجية التركية، أوميد يالجن، قوله الاثنين الماضي، إن اتفاقية منبج بين بلاده والولايات المتحدة الأميركية، تعد أوّل نتيجة ملموسة للمفاوضات المكثفة بين الطرفين في الفترة الأخيرة.
 
وفي الشهر الماضي توصلت واشنطن وأنقرة إلى اتفاق مبدئي تنسحب بمقتضاه وحدات حماية الشعب من منبج بينما تقوم القوات الأمريكية والقوات التركية معا بحفظ الأمن والاستقرار في المدينة. وتقول تركيا إن قواتها والجيش الأمريكي يقومان الآن بتنفيذ دوريات منسقة لكنها منفصلة هناك.
 
عرقلة تسليم المقاتلات
 
وبالتزامن مع سعي مجلس الشيوخ الأميركي لاسترداد مقاتلة إف-35 التي تسلمتها تركيا مؤخرا وما زالت على الأراضي الأميركية، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاغون)، روب مانينغ، إنّ الطيارين الأتراك وفريق الصيانة المرافق لهم، وصلوا إلى ولاية أريزونا، وسيبدؤون خلال فترة قصيرة بتلقي التدريبات المتعلقة بالمقاتلات “F-35” التي اشترتها تركيا.
 
وتعتزم أنقرة شراء 100 مقاتلة من هذا الطراز من الطائرات الحربية، وأشار الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إلى أن أنقرة دفعت 800 مليون دولار ثمنًا لها.
 
وأضاف خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي، أنه لم يصدر بعد قرار أميركي حول مصير مشاركة تركيا بعد الآن في برنامج المقاتلة “F-35”.
 
وأوضح أن الطيارين الأتراك وفريق الصيانة المرافق لهم، سيبدؤون خلال فترة قصيرة، بالتدريبات في أكاديمية الطيران بقاعدة “لوك” التابعة للقوات الجوية الأميركية بولاية أريزونا.
 
وحول محاولة الكونجرس الأميركي عرقلة تسليم مقاتلات “F-35” لأنقرة، قال مانينغ، إن الإدارة الأميركية لم تتخذ قراراً نهائياً بعد في هذا الشأن. مؤكدًا أن تركيا حليف رئيسي ومقرب لدى حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وإحدى الدول المشاركة في برنامج “إف-35” منذ عام 2002.
 
وفي نهاية يونيو الماضي، أقرّت لجنة بمجلس الشيوخ الأميركي مشروع قانون للإنفاق يتضمن بندا يحول دون تسليم تركيا المقاتلات إف-35 جوينت سترايك، وذلك ما لم تصرف النظر عن خطة لشراء أنظمة إس-400 الدفاعية الصاروخية من روسيا.
 
وتأزمت العلاقات بين أنقرة وواشنطن في الأشهر القليلة الماضية بسبب عدد من القضايا من بينها السياسة الأميركية في سوريا، وعدد من الدعاوى القضائية ضد أتراك وأميركيين محتجزين في البلدين.
 
الحالة لم تتحسن
 
ليست العلاقات التركية – الأميركية في أحسن حالاتها، كما لا يبدو في الأفق ما يدل على خروجها من حالة البرود والشد والجذب بين الطرفين.
 
وعلى الرغم من التطمينات التركية ذات الطابع الدبلوماسي بأن العلاقة بين البلدين في حالة تحسن، الا الوقائع تثبت خلاف ذلك وقد تصاعدت الخلاف بين الطرفين مع ازمة تسليم طائرات أف 35 ومساعي المشرعين الاميركان بفرض ما يشبه العقوبات على تركيا بسبب السياسات التركية والعلاقة مع روسيا بشكل خاص والتي تشكل صفقة صواريخ اس 400 محور التحفظ وعدم الرضا الأميركي.
 
وفي آخر التطورات، قال السناتور الأمريكي لينزي جراهام أمس الأربعاء بعد اجتماعه هذا الأسبوع مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن تركيا يمكن أن تجد نفسها في مستنقع إذا عمقت تدخلها في الحرب الأهلية متعددة الأطراف في سوريا.
 
وقال جراهام، وهو عضو جمهوري في لجنة خدمات القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، لرويترز خلال زيارة لبغداد إن تركيا يجب أن تدعم وجودا أمريكيا مستمرا في سوريا.
 
وشنت تركيا عمليتين عسكريتين في شمال سوريا في العامين الأخيرين تمكنت خلالهما من دحر مقاتلين تابعين لوحدات حماية الشعب الكردية ومقاتلين تابعين لتنظيم داعش الارهابي.
 
وتشعر أنقرة بالغضب من دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردي التي تعتبرها منظمة إرهابية. وهددت بشن عمليات أخرى ضد الوحدات في شمال سوريا بما في ذلك في مدينة منبج التي توجد فيها القوات الأمريكية إلى جانب مقاتلي الوحدات.
 
وقال جراهام بعد لقاء أردوغان في تركيا ضمن جولة في المنطقة شملت أيضا شمال سوريا والعراق “حاولت إقناعه بأنك تحتاج أمريكا في سوريا لأن تبعات رحيلنا ليست جيدة”.
 
وأضاف “أنت في غير حاجة لتوغلات أخرى في سوريا يقوم بها الجيش التركي لأنك ستجد نفسك في مستنقع”.
 
تعقد الموقف
 
يقول المحلل السياسي، ديميتار بيشيف، في تقرير له: ستدخل أنقرة في مساومات صعبة ضد حلفاء قدماء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بينما ستتقرب إلى روسيا، وستخلق خصومات أخرى مع الغرب.
 
يريد أردوغان الكعكة ليتناولها بمفرده، فهو يتطلع لإكمال الصفقة مع الروس فيما يخص شراء صواريخ إس-400 بينما أقنع منتقديه في الولايات المتحدة بأن تركيا لن تساوم على دفاعات حلف الأطلسي، وأنه ينبغي السماح له بشراء طائرات إف-35 المتقدمة التي تنتجها لوكهيد مارتن.
 

وبدد الأتراك المخاوف بأن الطائرات أميركية الصنع ستكون عرضة لصواريخ إس-400، وأوضحوا أن فنيين من تركيا، وليس روسيا، سيتولون تجميع وتشغيل الصواريخ.
 
وستتولى تركيا تطوير برمجياتها الخاصة، ولذلك ستحد من خطورة تسريب بيانات حساسة إلى الروس.
 
واعترضت صواريخ إس-400 طائرة إسرائيلية من طراز إف-35 في المجال الجوي السوري، ويفترض أن موسكو حصلت بالفعل على بعض المعلومات الفنية.
 
والمشكلة هنا أن واشنطن لا تبدو مقتنعة بالحجج التركية. فالكونجرس الأميركي يعارض بالفعل بيع طائرات إف-35 لتركيا.
 
وأضاف الكونجرس رفضه للصفقة إلى سلسلة من الخلافات مع أنقرة ومنها سجن القس الأميركي أندرو برانسون الذي يخضع للمحاكمة في تركيا حاليا بتهمة ارتباطه بحركة فتح الله غولن. وتتهم أنقرة الحركة بتدبير محاولة الانقلاب العسكري في يوليو عام 2016.
 
والتراشق الذي جرى مؤخرا على تويتر بين النائب الأميركي أدام تشيف وإبراهيم كالين المتحدث باسم أردوغان لا يبشر بخير بشأن الأحداث المقبلة.
 
وتنتشر شائعات تشير إلى أن كالين مرشح لشغل منصب وزير الخارجية في الحكومة التركية الجديدة.
 
وعندما نترك الكونجرس ونتجه إلى الإدارة الأميركية نجد أن الأمور متوترة أيضا. وقد شهد الاجتماع الذي جرى مؤخرا بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الأميركي مايك بومبيو بعض التقدم بشأن مدينة منبج السورية.
 
الذهاب لليونان
 
وتشعر الإدارة الأميركية بعدم ارتياح تجاه تركيا. وفي جلسة بمجلس الشيوخ الأميركي يوم 26 يونيو، هدد ويس ميتشل، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوروآسيوية، بفرض عقوبات فيما يخص تسليم طائرات إف-35 إذا لم تلغ تركيا صفقة الصواريخ مع روسيا.
 
وقد تواجه أنقرة عقوبات وفقا لقانون “كاتسا” الأميركي (مكافحة أعداء أميركا عبر العقوبات) الموقع في أغسطس من العام الماضي.
 
وقد تذوق تركيا من نفس الكأس إذ تسعى الولايات المتحدة للرد عليها بالتعاون مع حلفاء آخرين. وقد ألمح ميتشل إلى أن واشنطن مهتمة بتوثيق العلاقات مع اليونان.

 
وساءت العلاقات التركية-اليونانية بشدة في العام الجاري بسبب توترات عسكرية متصاعدة في بحر إيجة.
 
وقال ميتشل “نحن نرعى اليونان باعتبارها ركيزة للاستقرار في البحر المتوسط وغرب البلقان، ونعمل على تعزيز التعاون المنتظم مع قبرص في مجالي الأمن والطاقة”.
 
وألمح ميتشل أيضا إلى أنه يجري الإعداد “لاستراتيجية طويلة الأجل لتعزيز الوجود الأميركي في شرق البحر المتوسط”.
 
ولم تأت هذه الكلمات من فراغ. فقد توطدت العلاقات اليونانية الأميركية بقوة في الآونة الأخيرة.
 
وقد عقد رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس، الذي وصف دونالد ترامب بأنه شرير في الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2016، اجتماعا مثمرا في البيت الأبيض خلال أكتوبر من العام الماضي.
 
وتعتبر الإدارة الأميركية اليونان نموذجا يحتذى به كعضو في حلف الأطلسي ينجز ما عليه فيما يخص الانفاق الدفاعي حتى في فترات التقشف.
 
وفي أبريل من العام الجاري، تعهدت حكومة أثينا بتحديث 50 بالمئة من أسطولها من طائرات إف-16 البالغ 150 طائرة.
 
والاستثمار الذي يُكلف 1.45 مليار دولار يهدف لمواكبة عملية التجديد في سلاح الجو التركي مع احتمال حصوله على طائرات إف-35.
 
ورغم وجود رئيس حكومة يساري وصف في السابق بأنه حصان طروادة الروسي إلا أن اليونان أعادت اكتشاف نفسها، وترى نفسها في موقع متقدم للغرب تجاه الشرق.
 
وتحدث خبراء في السياسة الخارجية، ومنهم البروفيسور أريستوتل زيامبريس بجامعة بريوس، عن توجه “يوناني أوروبي-أطلسي جديد”.
 
ومثال ملموس لذلك هو الاتفاق التاريخي الموقع مع جمهورية مقدونيا في 17 يونيو لإنهاء نزاع طويل الأمد على مسألة اسم البلد المجاور لليونان.
 
وبعد موافقة رئيس الوزراء المقدوني زوران زائيف على تغيير اسم بلاده إلى مقدونيا الشمالية (وهو إجراء لا يزال يحتاج موافقة الناخبين في استفتاء يجري في سبتمبر) تحولت اليونان بين عشية وضحاها من معارض إلى مؤيد قوي لمقدونيا في الاتحاد الأوروبي وفي حلف الأطلسي.
 
ومن المتوقع أن تحصل (شمال) مقدونيا على دعوة للانضمام إلى حلف الأطلسي خلال قمة الحلف في وقت لاحق الشهر الجاري.
 
وقد منح وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مقدونيا الضوء الأخضر لبدء مفاوضات الانضمام للتكتل في 2019 إذا تم تنفيذ عدد من الإصلاحات.
 
وباختصار، فإن اليونان تمكنت في هذه الأوقات المضطربة من تهيئة مكان لنفسها كلاعب بناء في المجتمع الغربي بدلا من تصبح مثيرة للمتاعب أو مثقلة بالديون.
 
وفيما يخص شرق البحر المتوسط، فإن اليونان وقبرص نجحتا في تقوية العلاقات الدبلوماسية والأمنية مع إسرائيل ومصر أيضا.
 
وشهد توطيد العلاقات مشروعات مشتركة لتطوير مكامن للطاقة الهيدروكربونية وتعاونا دفاعيا مما جعل هذا التكتل واقعا حقيقيا على الأرض.
 
وفي ظل التنافر بين الولايات المتحدة وتركيا، فإن التحالف بين اليونان وقبرص وإسرائيل قد يصبح أكثر تقبلا في واشنطن.
 
لكن، وكما حدث في الماضي، فإن اليونان ليست في موقع يتيح لها أن تحل محل تركيا كشريك للولايات المتحدة لأن أميركا تريد أردوغان في سوريا وفي الشرق الأوسط ككل.
 
إن تركيا تتميز عن غيرها بحجمها الكبير وموقعها الاستراتيجي وقوتها العسكرية. وفي جلسة مجلس الشيوخ، سلط ميتشل الضوء على التعاون بين أجهزة المخابرات في البلدين، وأثنى على “حليف وشريك” أميركا.
 
واتصل ترامب بالرئيس التركي في نفس اليوم لتقديم التهنئة على فوزه في الانتخابات.
 
واليونان على الجانب الآخر لم تتعاف بعد من الأزمة المالية التي أثرت بشدة على اقتصادها. وبقاء حكومة تسيبراس الائتلافية المهتزة موضع تساؤل أيضا.
 
والرهان على أثينا ليس مفيدا، لكن الفائدة في وجود خيارات متنوعة تجاه تركيا التي أصبحت تصرفاتها غير متوقعة على نحو كبير.  وقد يمضي صناع السياسة الأميركيون في هذا الاتجاه.

ربما يعجبك أيضا