تحليل | تركيا تحتاج إلى “إيران المستقرة”

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف
 
لا ننس أن تركيا استفادت من خطط إيران السابقة لتخطي العقوبات الدولية والغربية إبان حكم الرئيس الإيراني المحافظ، أحمدي نجاد، إذ كانت تركيا محطة مهمة لعبور الأموال من وإلى إيران. وهناك قضية الفساد الشهيرة التي طالت أسرة الرئيس التركي أردوغان ووزراءه، المتهمين بالتعاون مع رجل الأعمال التركي من أصل إيراني “رضا ضراب”، الذي لعب دور الشرطي لصالح إيران، وقام بنقل الأموال من وإلى إيران عبر البنوك والشركات التركية.
 
موقف داعم
 
بعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران ضمن مجموعة 5 1 الدولية، انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران، وبدا مدافعاً عن إيران، وأشار إلى أن الدول التي تقوم بتصوير محطات الطاقة النووية على أنها تشكل تهديدًا، ليس لها مصداقية في المجتمع الدولي.
 
تحدث أردوغان عن الإنصاف وعن وجوب إخلاء الشرق الأوسط من كل الأسلحة النووية، في إشارة على ما يبدو إلى إسرائيل التي من المعتقد أنها الدولة الوحيدة التي تملك مثل تلك الأسلحة في المنطقة.
 
تبدو تصريحات أردوغان تستهدف استغلال الأزمة الإيرانية في إطار الأزمة التركية-الأمريكية أيضًا. كما أن تركيا تقلق على علاقتها التجارية والطاقوية من النفط والغاز مع إيران؛ فتقلق أن تطال العقوبات الأمريكية وارداتها من النفط والغاز الإيراني.
 
الحاجة للطاقة
 
ففي 28 يونيو 2018، فقد قال وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي إن تركيا لا تعتبر نفسها ملزمة بالامتثال لمساعي الولايات المتحدة لوقف صادرات النفط الإيرانية بدءا من نوفمبر المقبل، وإنها ستعمل على ضمان عدم تضرر البلد الشقيق من هذه الخطوة الأمريكية على حد وصفه.
 
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إن بلاده لن تقطع العلاقات التجارية مع طهران بناء على أوامر من دول أخرى، وذلك بعد أن أبلغت الولايات المتحدة دولًا بوقف جميع وارداتها من النفط الإيراني اعتبارا من نوفمبر المقبل.
 
وتدرك أنقرة أنها في حال قطع روابطها مع طهران يعني ذلك توقف شريان الطاقة عنها وتعطل الميزان التجاري بين البلدين الذي يصل إلى مليارات الدولارات.
 
 إذ بلغت قيمة التبادل التجاري بين إيران وتركيا 8 مليارات و400 مليون و400 ألف دولار خلال العام الماضي، وعلى وفق المعهد الإحصائي التركي، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 9.7 مليارات دولار خلال عام 2016. 
 
وغالبا ما كان الميزان التجاري لصالح تركيا، إذ ارتفعت قيمة الصادرات التركية إلى إيران خلال شهر كانون الأول لعام 2017 (57،2%).
 
وفي المقابل، فإن استيرادات تركيا من إيران انخفضت ذات المدة (14،3%)، وفي الوقت الذي كانت فيه 428 مليوناً و122 ألف دولار في عام 2015.
 
وتعتمد تركيا على الاستيراد لتوفير جميع احتياجاتها من الطاقة. وفي الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، اشترت تركيا 3.077 مليون طن من النفط الخام من إيران، أي 55 بالمئة تقريبا من إجمالي وارداتها من الخام وفقا لبيانات هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية.
 
يشار إلى أن الرئيس دونالد ترامب فرض رسومًا جمركية بنسبة 25 بالمئة على واردات الصلب و10 بالمئة على واردات الألومنيوم، ما تسبب بانخفاض الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة إلى النصف، في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري. 
 
كما تسببت في انكماش صادراتها الإجمالية من الصلب بنسبة 5 بالمئة في الفترة نفسها، حيث كانت الولايات المتحدة أكبر سوق للتصدير قبل فرض الرسوم الجمركية.
 
وتركيا هي ثامن أكبر منتج للصلب في العالم. وفي أعقاب فرض الرسوم الجمركية فإن الولايات المتحدة هي الآن ثالث أكبر سوق للصلب التركي.
 
تركيا معبر للغاز
 
تمثل تركيا معبرًا مهما للغاز الإيراني والروسي وغاز بحر قزوين نحو أوروبا، وهو ما يعزز بدوره مكانة أنقرة داخل أوروبا، وهو ما يدفع تركيا للدفاع عن إيران بقوة.
 
حيث يشتبه الأوروبيون في أن الولايات المتحدة ومن خلال فرض عقوبات على إيران في اطار الملف النووي، إنما تهدف إلى زيادة انتاجها الخاص الذي يشهد ازدهارا مع الغاز الصخري.
 
وقد أطلقت الولايات المتحدة استراتيجية البحث عن أسواق لبيع غازها الطبيعي. وصدرت 17.2 مليار متر مكعب عام 2017 نحو موانئ الاتحاد الأوروبي. وبحسب مركز الدراسات آي إتش إس ماركيت فإن “القدرة الإجمالية لاستيراد الغاز الطبيعي لدى أوروبا ستزيد بنسبة 20% بحلول العام 2020”.
 
وتملك طهران أكبر احتياطي غاز في العالم بعد روسيا وخصوصًا مع حقل الأوفشور فارس الجنوبي. ويقدر بنحو 191 تريليون متر مكعب. وصدرت البلاد 10 مليار متر مكعب عام 2017 عبر أنبوب الغاز نحو تركيا والعراق. لكن الحل للمستقبل سيكون الغاز الطبيعي المسال كما يؤكد المسؤولون الأوروبيون.
 
ضبابية المشهد
 
تقلق تركيا من التدخل الأجنبي في إيران؛ لأنه سيعقد الموقف مثلما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن. وبالتالي فإن لها مصلحة في استقرار إيران؛ لأن عدم الاستقرار قد يأتي بتبعات يصعب معها التنبؤ بمستقبل المنطقة وبالأخص العراق وسوريا واليمن ولبنان.
 
كما أن مسألة “الأكراد” وهي قضية مصيرية بالنسبة لتركيا؛ سيكون من الصعب لأنقرة إدارتها دون استقرار إيران؛ حيث تصنف تركيا منظمة “حزب العمال الكردستاني” على أنها منظمة إرهابية انفصالية، ولذلك تعتمد على طهران في محاربة هذا التنظيم الذي يسعى لإعلان دولة كوردية مستقلة داخل الأراضي التركية والإيرانية والسورية والعراقية. وتنسّق تركيا مع إيران من أجل القيام بالعمليات العسكرية في شمال العراق ضد حزب العمال الكردستاني المتمركز في جبال قنديل.
 
كذلك نجحا البلدان من خلال فرض الحصار على كوردستان العراق، في إفشال مشروع الاستفتاء على الانفصال والاستقلال عن العراق.
 
نكاية في واشنطن
 
كان لتصريحات المسؤولين الأتراك بشأن الأزمة الإيرانية – الأمريكية وقعا خاصا في أوساط الحكومة الإيرانية. فكتبت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”، في تقرير بعنوان “أردوغان يَقود جَبهة التَّمرُّد ضِد العُقوبات الاقتصاديّة الأمريكيّة الوَشيكة على إيران”، أن الرئيس التركي سيقود مسيرة تمرد على “العقوبات الاقتصادية الخانقة” التي ستفرضها الولايات المتحدة ضِد إيران، وأبرزها منع استيراد النِّفط مِنها.
 
الحكومة في تركيا تناور واشنطن سيما في ظل إدارة ترامب، مستخدمة كافة الأوراق المتاحة لديها للحصول على تنازلات.
 
فقد أعلنت أنقرة على لسان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، خلال حوار تلفزيوني؛ عدم سماحها للولايات المتحدة الأمريكية باستخدام قاعدة “إنجرليك” الجوية بولاية أضنة جنوبي تركيا، لشن ضربة محتملة على إيران.
 
وأكد يلدريم على أنه لا يمكن استخدام القاعدة أبدا من قبل الولايات المتحدة لضرب دولة ما، مذكرًا في هذا الخصوص برفض أنقرة مطالب واشنطن باستخدام قواعدها لشن ضربات على العراق في عام 2003. وشدد يلدريم أن إيران دولة جارة لتركيا منذ ستة قرون، مبيناً أنه لا يمكن التصور أبداً أن تقدم أنقرة دعما لحرب ضد جيرانها. 
 
لعب دور الوساطة
 
وقد رأى تقرير نشرته وكالة أنباء الأناضول التركية الحكومية أنّ هناك حل واحد للأزمة الاقتصادية الإيرانية وهو: العودة إلى مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة. فخلافًا للتصور السائد، فإن الرئيس دونالد ترامب أكثر انفتاحًا على المفاوضات من أي رئيس أمريكي سابق، لكن أسلوبه مختلف تمامًا. وكرجل أعمال، يُعدّ وقته ثمينًا، وبالتالي لا ينبغي إضاعته.
 
وقد أوضح تقرير الوكالة أن أنقرة تقلق من أي اضطراب يقع في إيران قد يؤدي إلى استقبال تركيا للاجئين من بلد ذي عدد سكان كبيرن وهو ما قد يؤدي بأثار تهدد الأمني القومي التركي، سيما أن إيران بلد مختلف مذهبيًا، هو ما قد يهدد سلامة الدولة التركية.
 
وذكرت الوكالة الرسمية التي تعكس وجهة نظر الرئاسة والحكومة التركية، أنّ ترامب يستطيع فقط أن يتفاوض مع الحارس الحقيقي للسلطة (المرشد الأعلى في هذه الحالة)، على غرار الطريقة التي أجرى بها اللقاء مع كيم جونج أون (الذي يعتبر شبه إله في كوريا الشمالية)، حيث جاء ترامب إلى سنغافورة، وجلس مع كيم وجهًا لوجه.
 
لا يهتم ترامب بالوضع الديني لخامنئي، فبالنسبة له، خامنئي هو ببساطة قائد إيران. لذلك، فإن أي اتفاق يجب أن يكون قائمًا على حديث مباشر وجهًا لوجه مع خامنئي. لكن، في هذه اللحظة، لا يبدو خامنئي مستعدًا لمثل هذا الخيار. بالتالي، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا لطهران هو التحول إلى “فنزويلا الشرق الأوسط”.
 
وحتى الآن، كانت استراتيجية النظام هي تخويف الإيرانيين من سيناريو سوريا، لكن المؤشرات ترجح أن الاضطرابات ستستمر، وحتى لو نجح النظام في قمعها، فستعود بقوة، وعاجلًا أم آجلًا، ستخرج عن نطاق السيطرة.
 
وبرأي الأناضول فإنّ الوضع العام لإيران ينذر بالخطر أيضًا بالنسبة لتركيا. ففي حالة حدوث أي عدم استقرار خطير في إيران، من المرجح أن يكون لذلك تأثيرات مباشرة على تركيا. ومن الواضح أن أي شخص يهرب من إيران لن يلجأ إلى العراق أو أفغانستان أو باكستان وإنما سيتجه إلى تركيا.
 
وتقول الوكالة التركية، إنّ البديل الأكثر أمانًا بالنسبة لتركيا هو أن تذهب بشكل استباقي إلى خيار ثالث، وهو القيام بدور إيجابي وتوسطي بين المجتمع الدولي وإيران. وخاصة الآن بعد أن انتهت الانتخابات وأعيد انتخاب أردوغان، يتعين على تركيا استئناف لعب دورها الواجب.
 
وبإمكان تركيا، كعضو في الناتو (حلف شمال الأطلنطي)، أن تظهر كمهندس لاتفاق جديد بين الولايات المتحدة وإيران.
 
وفي صميم هذا الجهد الدبلوماسي يجب أن تكون هناك مفاوضات مباشرة بين خامنئي المرشد الأعلى في إيران والرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ربما يعجبك أيضا