الحرب التجارية تستعر بين أمريكا والصين

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد 

يبدو أننا أمام “إطلاق أول رصاصة” في الحرب التجارية بين أمريكا والصين، حيث دخلت الرسوم الأمريكية الجديدة على واردات من الصين حيز التنفيذ، فجر اليوم الجمعة، ما ينذر بانطلاق حرب تجارية بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، والصين رغم مخاوف الشركات والمستثمرين.

وقد حذرت منظمة التجارة العالمية من أن الحواجز التجارية التى أقامتها اقتصادات كبرى قد تعرض التعافى الاقتصادي العالمي للخطر، وأن آثار هذه الحواجز بدأت تظهر بالفعل.

وتطالب الولايات المتحدة، بانفتاح أكبر للسوق الصينية وبخفض بـ200 مليار دولار سنويا لعجزها التجاري مع بكين (375 مليار دولار في 2017)، إلا أن الصين لم توافق حتى الآن على هذا المبلغ، الذي يعتبره بعض خبراء الاقتصاد “غير واقعي”.

الرصاصة الأمريكية

وقد بدأت الإدارة الأمريكية رسميًا، فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25 في المئة على 818 سلعة صينية بقيمة 34 مليار دولار (المعدات والإلكترونيات والأجهزة المتطورة المصنّعة في الصين، من بينها سيارات)، وذلك ضمن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للوفاء بوعوده الانتخابية، بتضييق الخناق على ما يصفه بـ”ممارسات تجارية غير عادلة”.

وبمعنى آخر فهذه السلع سيصبح ثمنها أغلى 25% بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين، في خطوة تستهدف فيها واشنطن الأشياء التي أنتجت في إطار سياسة “صنع في الصين 2025”.

وتشمل هذه القائمة سلعًا تكنولوجية كرقائق أشباه الموصلات التي تتواجد في المنتجات الاستهلاكية المستخدمة بشكل يومي، مثل أجهزة التلفزيون والحواسيب الشخصية والجوالات الذكية والسيارات، ومجموعة أخرى كبيرة من المنتجات تبدأ من البلاستيك وحتى المفاعلات النووية ومعدات صناعة الألبان.

في سياق متصل، غرمت السلطات الأمريكية، بنك “كريديت سويس هونغ كونغ”، التابع للمجموعة “كريديت سويس” ومقرها في سويسرا، مبلغ 77 مليون دولار، بسبب “توظيف أصدقاء وأفراد عائلات مسؤولين حكوميين صينيين من أجل الحصول على صفقات مصرفية”.

استراتيجية ترامب

وقبل أسابيع، أعلن ترامب فرض رسوم بنسبة 25%على سلع صينية بقيمة 50 مليار دولار، احتجاجا على ما تقول إدارته إنه “سرقة للتكنولوجيا الأمريكية”.

وينوي الرئيس الأمريكي الذي يريد محاربة العجز التجاري الذي يدمر في رأيه الوظائف والشركات الامريكية، فرض المزيد من الرسوم الجمركية على بكين.

وكان ترامب فرض نهاية كانون الثاني/يناير رسوما حمائية على الألواح الشمسية المستوردة من الصين.

وفي 2017 ارتفعت واردات السلع الصينية إلى الولايات المتحدة الى 505 مليار دولار والعجز التجاري إلى 375 مليار دولار.

ويندد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، غالبا بالممارسات التجارية “غير المنصفة” وبالعراقيل، التي تفرضها أمام الاستثمارات الأجنبية ونقل التكنولوجيا “الإلزامي” للشركات الأمريكية، وقال ترامب إن الرسوم تهدف إلى وقف “نقل التكنولوجيا الأمريكية غير العادل، وحقوق الملكية الفكرية إلى الصين” وحماية الوظائف.

ولوح ترامب بفرض ضرائب إضافية على ما قيمته 150 مليار دولار من الواردات الصينية.

وأعلن البيت الأبيض، أنه يخطط لفرض الدفعة الثانية من الرسوم (16 مليار دولار) على نحو 300 سلعة، في الأسبوع الثالث من الشهر الجاري.

وقد فرض الرئيس الأمريكي بالفعل رسوما على بعض الواردات، مثل الغسالات، وألواح الطاقة الشمسية، وبدأ في فرض رسوم على واردات الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي وكندا.

وهدد ترامب بفرض نسبة 10 في المئة على بضائع صينية إضافية تبلغ قيمتها 200 مليار دولار، إذا “رفضت بكين تغيير سياساتها”.

وزاد من المخاطر، قائلا إن كمية البضائع الخاضعة للرسوم قد تزيد إلى ما قيمته أكثر من 500 مليار دولار.

الرد الصيني

وقد هددت الصين بالرد “بالمثل” على فرض الولايات المتحدة الأمريكية رسومًا جمركية إضافية على سلع صينية.

وقالت وزارة التجارة الصينية في بيان لها، إن الجانب الصين تعهد بعدم إطلاق الرصاصة الأولى (في الحرب التجارية)، إلا أنه سيحمي المصالح الأساسية للبلد والشعب”.

وحذرت الصين من أن الجميع سيتضررون، وقال مسؤول صيني بارز إنه في ظل “عصر العولمة، أن من يلجأون إلى حرب تجارية إنما يختارون العلاج الخاطئ لأن جلّ ما يفعلونه هو أنهم يعاقبون أنفسهم”.

وحذر المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية قاو فنغ من أن الرسوم الأمريكية ستضر سلاسل الإمداد العالمية التي تشمل الشركات الأجنبية في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.

وأضاف “الإجراءات الأمريكية تهاجم بشكل أساسي سلاسل الإمداد والقيمة العالمية. ببساطة، تفتح الولايات المتحدة النار على العالم بأسره بما في ذلك هي نفسها”.

وتابع “لن ترضخ الصين للتهديدات والابتزاز، ولن تتراجع عن عزمها الدفاع عن التجارة العالمية والنظام المتعدد الأطراف”.

المعاملة بالمثل

أعلنت وزارة التجارة الصينية، اليوم الجمعة، بدء سريان التعرفة على بضائع أمريكية كرد على فرض الولايات المتحدة الأمريكية رسوما على بضائع صينية، مؤكدة أن واشنطن، أشعلت “أكبر حرب تجارية في التاريخ الاقتصادي”.

وقال المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية: “اعتباراً من اليوم، فإن الولايات المتحدة أشعلت أكبر حرب تجارية فى التاريخ الاقتصادي”.

وتابع قائلا: “هذه التعريفات تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية وتمثل سلوكا تجاريا متسلطا تقليديا، ما يشكل تهديدا خطيرا لأمن سلاسل الصناعة والقيمة العالمية.. وعلاوة على ذلك، ستعرقل هذه الخطوة التعافي الاقتصادي العالمي، وستؤدي إلى اضطراب الأسواق العالمية في حين ستشكل ضربة للعديد من الشركات متعددة الجنسيات والمستهلكين العاديين.. فبدلا من خدمة مصالح الشركات الأمريكية والشعب الأمريكي، ستثبت هذه الخطوة أنها ستكون ذات نتائج عكسية ومدمرة،” وفقا لتقرير الوكالة.

وقد فرضت الصين في أبريل الماضي أيضا، رسوماً جمركية مرتفعة على 128 نوعاً من المنتجات التي تستوردها من الولايات المتحدة، بما فيها الفواكه ولحم الخنزير، وذلك رداً على الرسوم الجمركية التي فرضتها حكومة ترامب على الصادرات الصينية من الصلب والألمنيوم واعتزامها تشديد القيود التجارية على بكين.

وقالت وزارة المالية الصينية، إن لجنة التعريفات الجمركية التابعة للحكومة قررت فرض تعرفة جمركية على 128 نوعاً من المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة الأمريكية، بما فيها الفواكه ولحم الخنزير، وذلك بنسبة 15% على 120 منتجاً و25% على 8 منتجات تشمل لحم الخنزير ومشتقاته.

كما فرضت الصين رسوما جمركية على بضائع أمريكية تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار، وتطال قطاعات الطيران والسيارات وفول الصويا.

وقالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إن التعرفة الجديدة التي فرضتها بكين سوف ترفع أسعار المنتجات الأمريكية في البلاد، ما ستدفع المستهلك المحلي للجوء إلى منتجات مستوردة من أوروبا وأمريكا الجنوبية بدلاً من ذلك.

كذلك قد تواجه الشركات الأمريكية العاملة في الصين رد فعل عنيف من بكين، فعلى سبيل المثال أبرزت شركة “تسلا” للسيارات الكهربائية المملوكة للملياردير “إيلون ماسك” مدى أهمية السوق الصيني بالنسبة لها.

لكن الشركة تستورد جميع منتجاتها إلى الصين، ومن ثم فإن التعريفة الجمركية بنسبة 25% على سياراتها المباعة في الصين، علاوة على ضريبة استيراد أصلية نسبتها 15%، ستشكل ضغطًا كبيرًا عليها وستؤدي إلى ارتفاع أسعار سياراتها، ما يجعلها أقل قدرة على المنافسة مع أقرانها الآخرين.

وجهات نظر

يقول الكاتب الخليجي إحسان علي بوحليقة “اليوم بدأت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين..سنرى كيف يتصارعان. وكيف يرد كل منهما “لكمات” الآخر. الخوف عندما يبدأن برمي الكراسي والطاولات على بعضهما البعض.. وستعاني دول العالم من كدمات وجروح.
وقد يلقى نظام التجارة متعدد الأطراف مصرعه كنتيجة”.

وتابع: “ما بين الولايات المتحدة ليس مجرد تنازع حول التعرفة الجمركية والميزان التجاري..هو استعرض للقوة من نوع “من يُنزِل يَدّ الأخر للأرض”. إن طالت سيتأثر كل شيء، لاسيما السوق النفطية، فقد فرضت الصين 25% على صادرات النفط الأمريكي، ما العمل؟ ننتظر ريثما يحط الغبار بينهما”.

وعلق جو فينغ معيد معهد العلاقات الدولية في جامعة نانكين أن “إدارة ترامب تريد تحقيق غاياتها من خلال التهديد بفرض تعرفات لذا أنا لست متفائلا بشأن ما ستفضي إليه المحادثات الجديدة”.

ومضى يقول: “الاحتمال ضعيف بعدم وقوع أي حرب تجارية وأخشى أن يكون الخيار العملي للجانبين سيكون الحد من نطاق هذا الخلاف”.

واعتبرت المحللة لدى “إيه إن زي” بيتي وانغ أنه بعيدا عن الصلب والألمنيوم فإن تصاعد التوتر بين الصين والولايات المتحدة يمكن أن يضر بالتبادلات الثنائية.

وقالت إن “تحركا أمريكيا ضد الصين في مجال الملكية الثقافية يمكن أن يعقد المعطيات، ومن المحتمل أن تستهدف الصين في المقابل الزراعة الأمريكية”.

وفتحت السلطات الصينية في هذا السياق تحقيقا مضادا للإغراق بحق الذرة البيضاء الأمريكية، كما أنها لا تستبعد استهداف صادرات الصويا الهائلة الأمريكية.

التجارة العالمية

وسوف تؤثر الرسوم الجمركية التي أعلن عنها حتى الآن في نحو ما نسبته 0.6 في المئة من التجارة العالمية، وتمثل 0.1 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، بحسب قاله موقع مورغان ستانلي.

وعبر محللون عن قلقهم من تأثير الرسوم في الآخرين، ومن تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة والصين عموما.

خسائر للطرفين

– وبحسب موقع “أرقام” فإنه من الواضح أن الاقتصادين الأمريكي والصيني هما الأكثر عرضة للخطر خلال الحرب التجارية رغم أن هناك ضحايا آخرين، فبحسب كبير الاقتصاديين لدى بنك “دي بي إس” “تيمور بايغ” ستؤدي الحرب التجارية الشاملة إلى تآكل 0.25% من نمو الناتج المحلي الإجمالي لكلا البلدين هذا العام، وذلك قبل ازدياد الأمور سوءًا العام المقبل مع تقلص النمو بنحو 0.50% أو أكثر.

– بالنظر إلى تراوح معدل النمو حاليًا بين 6% و7% في الصين، وبين 2% و3% في الولايات المتحدة، يتبين أن أمريكا ستكون أكثر الطرفين خسارة، مع العلم أن بلدان مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان قد تتأثر مع تعطل سلاسل التوريد.

– تعد الصين مصدرًا لكثير من المكونات التي تدخل في إنتاج السلع لدى كثير من البلدان الأخرى، وأي تأثر في تدفق الصادرات الصينية سينعكس حتمًا على هذه الدول.

– قد يدفع ذلك القطاعات التصنيعية في هذه البلدان للبحث عن بديل آخر، لكن هذا التحول سيستغرق بعض الوقت، ومن الصعب العثور على مورد يضاهي قدرات الصين.
 

ربما يعجبك أيضا