“العملاق الأسمر”.. “يوسف صديق” منقذ ثورة يوليو وسجينها

إبراهيم جابر

رؤية – إبراهيم جابر:
القاهرة – منح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أمس الأول، قلادة النيل لأحد رموز ثورة يوليو عام 1952 العقيد أركان حرب يوسف منصور يوسف صديق الأزهر، عضو مجلس قيادة الثورة بعد 66 عاما من الثورة، و43 عاما من وفاته في عام 1975 ليمثل التكريم اعترافا بالدور الكبير الذي قدمه “العملاق الأسمر” في التاريخ الحديث.

“الانضمام للضباط الأحرار”

ولد “العملاق الأسمر” كما لقبه الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل، في ‏قرية‏ ‏زاوية‏ ‏المصلوب‏ ‏التابعة‏ ‏لمركز‏ ‏الواسطى ‏في محافظة‏ ‏بني‏ ‏سويف‏ جنوب مصر ‏في‏ 3 ‏يناير‏ 1910، لوالد عمل ضابطا في الجيش، وشارك في حرب استرداد السودان، وأتم‏ ‏يوسف‏ ‏صديق‏ ‏دراسته‏ ‏الأولية‏ ‏بمدرسة‏ ‏الواسطى ‏الابتدائية‏ ‏ثم‏ ‏مدرسة‏ ‏بني‏ ‏سويف‏ ‏الثانوية.

‏التحق‏‏ ‏بالكلية‏ ‏الحربية‏، ‏وتخرج‏ منها‏ ‏عام‏ 1933، ‏‏وتخصص‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏في‏ ‏التاريخ‏ ‏العسكري‏ ‏وحصل‏ ‏على ‏شهادة‏ ‏أركان‏ ‏الحرب‏ ‏عام‏ 1945‏م‏، ثم ‏التحق‏ ‏بإحدى ‏الكتائب‏ ‏بالسلوم‏ ‏وأخذ‏ ‏يمارس‏ ‏نشاطه‏ ‏السياسي‏ ‏في‏ ‏بعض‏ ‏الأحزاب،‏ ‏خاصةً اليسار‏ ‏المصري.

بدأت‏ ‏علاقة‏ ‏يوسف‏ ‏صديق‏ بتنظيم‏ ‏الضباط‏ ‏الأحرار‏ الذي قائد ثورة الجيش المصري ضد الملك فاروق الأول، عندما‏ ‏تعرف‏ ‏علي‏ ‏النقيب‏ ‏وحيد‏ جودة‏ ‏رمضان‏ ‏إبان‏ ‏حرب‏ ‏فلسطين‏ 1948، والتي تمكنت خلالها كتيبته من الوصول إلى بلدة أسديد على مقربة من تل أبيب، واستطاعت الاحتفاظ بهذا الموقع حتى نهاية الحرب. وعقب الحرب بثلاث سنوات انضم إلى التنظيم، وتحديدا في عام 1951.

“إنقاذ الثور”

اجتمعت‏ ‏اللجنة‏ ‏القيادية‏ ‏للثورة،‏ ‏وقررت‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏ليلة‏ 22- 23 ‏يوليو 1952 هي ليلة التحرك،‏ ‏وأعطيت‏ ‏الخطة‏ اسمًا‏ ‏كوديًّا “نصر”، وتحددت‏ ‏ساعة‏ ‏الصفر‏ ‏في‏ الثانية عشرة مساءً.

وشهدت الساعات التالية قرارا من الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر بتعديل الموعد إلى ‏الواحدة صباحًا، وأبلغ جميع ضباط الحركة عدا يوسف صديق؛ لكون معسكره في “الهايكستب”؛ لبعده عن مدى تحركه ذلك اليوم، فآثر انتظاره بالطريق العام؛ ليقوم برده إلى الثكنات، وكان لهذا الخطأ البسيط أعظم ‏الأثر في نجاح الثورة.

وحكى رسول قيادة الحركة الضابط زغلول عبدالرحمن كما ورد على لسان يوسف صديق نفسه في مذكراته التي نشرها الدكتور عبدالعظيم رمضان باسم أوراق يوسف صديق عن الهيئة المصرية للكتاب عام 1999م، تفاصيل تلك الليلة، قائلا: “كان‏ ‏يوسف‏ ‏قائدا‏ً ‏ثانياً‏ ‏للكتيبة‏ ‏مدافع‏ ‏الماكينة‏ ‏ولم‏ ‏يخف‏ ‏الموقف‏ ‏على ‏ضباطه‏ ‏و‏جنوده‏، ‏وخطب‏ ‏فيهم‏ ‏قبل‏ ‏التحرك‏ ‏وقال‏ ‏لهم‏ ‏إنهم مقدمون هذه الليلة على عمل من أجل الأعمال في التاريخ المصري وسيظلون يفتخرون بما سيقومون به تلك الليلة هم وأبناؤهم واحفادهم ‏واحفاد احفادهم”. ‏

وتابع: “تحركت‏ ‏القوة‏ ‏من‏ معسكر الهايكستب دون‏ ‏أن‏ ‏يدري‏ ‏ما‏ ‏يدبر‏ ‏في‏ ‏مركز‏ ‏القيادة‏، ‏‏وما إن خرجت القوة من المعسكر حتى‏ ‏فوجئت‏ ‏باللواء‏ ‏عبد‏‏الرحمن‏ ‏مكي ‏قائد‏ ‏الفرقة‏ ‏يقترب‏ ‏من‏ ‏المعسكر‏ ‏ليتم اعتقاله، واقتياده معها، وعند اقتراب القوة من مصر الجديدة، متجهين إلى مقر قيادة الثورة صادفت‏ ‏‏الأميرالاي‏ عبد‏الرؤوف‏ ‏عابدين‏ ‏قائد‏ ‏ثاني‏ ‏الفرقة‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏يسرع‏ ‏بدوره‏ ‏للسيطرة‏ ‏على ‏معسكر‏ ‏الهايكستب، فأمر يوسف صديق أيضا باعتقاله”.

 واستطرد: “لم‏ ‏تقف‏ ‏الاعتقالات‏ ‏عند‏ ‏هذا‏ ‏الحد‏، ‏فقد‏ ‏فوجئ ‏يوسف‏ ‏ببعض‏ جنوده ‏يلتفون‏ ‏حول‏ رجلين، هما جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، واللذين كانا يرتديان ملابس مدنية، و‏استفسر‏ ‏يوسف‏ ‏عن‏ ‏سر‏ ‏وجودهما‏، وحدث جدل بين ناصر وصديق، حيث رأى جمال خطورة تحرك يوسف قبل الموعد المحدد ضمن الخطة الموضوعة سابقا للثورة على أمن ضباط الحركة الأحرار وعلى إمكانية نجاح الثورة، ورأى رجوعه إلى الثكنات لكن يوسف صرح له أنه لم يعد يستطيع العودة مرة ثانية دون إتمام العمل (الثورة)”.

وأردف: “قرر أنه مستمر في طريقه إلى مبنى قيادة الجيش لاحتلاله ولم يكن أحد يعلم على وجه اليقين ما يتم ‏ ‏فـي‏ ‏رئاسة‏ ‏الجيش (حيث كان خبر الثورة قد تسرب إلى الملك الذي أبلغ الأمر للقيادة لاتخاذ إجراء مضاد على وجه السرعة وكانت قيادة الجيش -التابع للملك- مجتمعة في ساعته وتاريخه تمهيدا لسحق الثورة أو الانقلاب بقيادة الفريق حسين فريد قائد الجيش قبل الثورة)”.

وأردف: بعد هذا اللقاء وفي الطريق ‏أعد‏ ‏يوسف‏ ‏خطة‏ ‏بسيطة‏ ‏تقضي‏ ‏بمهاجمة‏ مبنى قيادة الجيش، وتم الاقتحام بعد معركة قصيرة مع الحرس، قتل خلالها اثنان من جنود الثورة، ثم استسلم بقية الحرس، ‏وعندما‏ ‏حاول‏ ‏فتح‏ ‏غرفة‏ ‏القادة‏ ‏وجد‏ ‏خلف‏ ‏بابها‏ ‏مقاومة‏ ‏فأطلق‏ ‏جنوده‏ ‏الرصاص‏ ‏علي‏ ‏الباب‏ ‏ثم‏ ‏اقتحموا‏ ‏الغرفة، ‏وهناك‏ ‏كان‏ ‏يقف‏ ‏الفريق‏ حسين‏ ‏فريد‏ ‏قائد ‏الجيش‏، ‏والأميرالاي‏ ‏حمدي‏ ‏هيبة‏ ‏وضباط ‏آخر‏ون أحدهم برتبة عقيد وآخر غير معروف ‏رافعين‏ ‏منديلا‏ً ‏أبيضا‏ً، فتم القبض عليهم ‏وترحيلهم ‏إلى‏ ‏معسكر‏ ‏الاعتقال‏ ‏المعد‏ ‏حسب‏ ‏الخطة‏ ‏في‏ ‏مبنى‏ ‏الكلية‏ ‏الحربية‏.‏

“سجين الثورة”

عقب نجاح حركة الضباط الأحرار دعا يوسف صديق مجلس قيادة الثورة إلى عودة الحياة النيابية، وخاض مناقشات عنيفة من أجل الديمقراطية داخل مجلس قيادة الثورة.

وعن تلك الفترة، قال صديق في مذكراته: “كان‏ ‏طبيعيا‏ً ‏أن‏ ‏أكون‏ ‏عضواً‏ ‏في‏ ‏مجلس‏ ‏قيادة‏ ‏الثورة،‏ ‏وبقيت‏ ‏كذلك‏ ‏حتى ‏أعلنت‏ ‏الثورة‏ ‏أنها‏ ‏ستجري‏ ‏الانتخابات‏ ‏في‏ ‏فبراير‏ 1953، ‏غير‏ ‏أن‏ ‏مجلس‏ ‏الثورة‏ ‏بدأ‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏يتجاهل‏ ‏هذه‏ ‏الأهداف،‏ ‏فحاولت‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏مرة‏ ‏أن‏ ‏أترك‏ ‏المجلس‏ ‏وأعود‏ ‏للجيش‏ ‏فلم‏ ‏يُسمح‏ ‏لي‏ ‏بذلك، ‏حتى ‏ثار‏ ‏فريق‏ ‏من‏ ‏الضباط‏ ‏الأحرار‏ ‏على ‏مجلس‏ ‏قيادة‏ ‏الثورة‏ ‏يتزعمه‏ ‏اليوزباشي‏ محسن‏ ‏عبد‏الخالق ‏وقام‏ ‏المجلس‏ ‏باعتقال‏ ‏هؤلاء‏ ‏الثائرين‏ ‏ومحاكمتهم،‏ ‏فاتصلت‏ ‏بالبكباشي‏ ‏جمال‏ ‏عبد‏الناصر‏ ‏وأخبرته‏ ‏أنني‏ ‏لايمكن‏ ‏أن‏ ‏أبقى ‏عضواً‏ ‏في‏ ‏مجلس‏ ‏الثورة‏ ‏وطلبت‏ ‏منه‏ ‏أن‏ ‏يعتبرني‏ ‏مستقيلا‏ً، ‏فاستدعاني‏ ‏للقاهرة‏، ‏ونصحني‏ ‏بالسفر‏ ‏للعلاج‏ ‏في‏ ‏سويسرا‏ ‏في‏ ‏مارس‏ 1953”.‏

وعندما وقعت أزمة فبراير ومارس عام 1954، طالب يوسف صديق في مقالاته ورسائله لمحمد نجيب بضرورة دعوة البرلمان المنحل ليمارس حقوقه الشرعية، وتأليف وزارة ائتلافية من قِبَل التيارات السياسية المختلفة من الوفد والإخوان المسلمين والاشتراكيين والشيوعيين، وعلى إثر ذلك اعتقل هو وأسرته، وأودع في السجن الحربي في أبريل، وسجنت زوجته، ثم أفرج عنه في مايو 1955، وحددت إقامته بقريته بقية عمره إلى أن توفي في 31 مارس 1975″.

ربما يعجبك أيضا