بعد قمة هلسنكي.. ترقب إسرائيلي لمصير الوجود الإيراني في سوريا

محمد عبد الدايم

رؤية – محمد عبدالدايم

لم يكن تفوق فلاديمير بوتين على دونالد ترامب خلال لقائهما الأخير في هلسنكي مُستغربًا، لكن ظهور الرئيس الأمريكي بهذا التقهقر خلال القمة هو ما أثار ضجة، حيث ظهر على عكس الصورة التي كان عليها في أي لقاء آخر، فلم يتخيل أحد أن يبدو ترامب مهزومًا بهذا الشكل أمام نظيره الروسي المخضرم، حتى قيل: إن بوتين وضع الرئيس الأمريكي في جيبه. 

على الجانب الإسرائيلي؛ ربما أدى هذا الانهزام الأمريكي إلى شيوع حالة من الإحباط لدى الحكومة الإسرائيلية، كما انعكس هذا الإحباط كذلك على تناول الصحف الإسرائيلية للقمة، وما أدلى به المراقبون والخبراء من تصريحات.

ما يخص إسرائيل تحديدًا في هذه القمة هو الحديث عن قضايا الشرق الأوسط، ومسألة الوجود الإيراني في سوريا، وفي هذا الشأن أعلن الرئيسان الاتفاق على نقطتين محوريتين تتعلقان بالوضع السوري الحالي:

الأولى: العمل المشترك بين روسيا والولايات المتحدة من أجل الحفاظ على أمن إسرائيل، والتأكيد على تفعيل العمل باتفاقية فك الاشتباك على هضبة الجولان والتي تعود إلى العام 1974.

الثانية: استمرار التنسيق بين الدولتين في أرض سوريا، وعدم منح إيران الفرصة للاستفادة من هزيمة داعش.

اطمئنان مشوب بالقلق: 

رغم أن إسرائيل قد اطمأنت إلى حد ما من التأكيد على حمايتها من قِبل روسيا والولايات المتحدة، وكذلك ما يمكن أن تفهمه إيران من فحوى النقطة الثانية، ويتعلق باحتمالية إنهاء وجودها في سوريا بتنسيق أمريكي روسي؛ فإن إسرائيل لم تحقق استفادة كبيرة من هذه القمة، لأنها لم تسفر عن قرار واضح بخصوص الوجود الإيراني، خصوصًا على لسان الجانب الروسي، الذي يبدو غير مستعد -على الأقل حاليًا- لإبعاد إيران عن سوريا.

فك الاشتباك بين 74 وبين 2018:

في 29 يونيو الماضي؛ أصدر مجلس الأمن القرار 2426، والذي مدد ولاية قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك على مرتفعات الجولان حتى نهاية هذا العام، ودعا إلى عودة قوة الأمم المتحدة لفض الاشتباك إلى أوضاعها.

خلال زيارته الأخيرة لروسيا في 12 يوليو؛ طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بالحفاظ على اتفاقيات فك الارتباط عام 1974، وفي قمة هلسنكي صرح بوتين بأن هذه الاتفاقيات “ستوفر الأساس لجهود تحقيق الاستقرار في مرتفعات الجولان”، على خلفية العودة المتوقعة لقوات نظام الأسد إلى جنوب سوريا وإلى حدود الجولان في إطار ترتيب رعته موسكو.

يرى مراقبون إسرائيليون أن الهدف الأصلي من الاتفاقية كان التفريق بين جيشين نظاميين، الجيش العربي السوري والجيش الإسرائيلي، وذلك للحيلولة دون وقوع مواجهات أخرى مباشرة في حرب تقليدية، لكن الأمر يختلف الآن عما كان عليه منذ 44 عامًا، فإسرائيل لا تواجه الجيش السوري حاليًا، وإنما تواجه قوات إيرانية تعمل في سوريا من أجل الحفاظ على نظام الأسد، وفي الوقت ذاته ترتكز شمالًا لتُكون تهديدًا مقلقًا لإسرائيل، لتشكل جبهة شبيهة بجبهة حزب الله في الجنوب اللبناني.

إذن فإسرائيل لا تواجه جيشًا نظاميا في حرب تقليدية، وإنما -وفقًا لزعمها- تواجه حرب عصابات يؤجج نارها الوجود الإيراني في سوريا، والذي تمدد كثيرا في الفترة الأخيرة، حتى أصبحت كل القواعد العسكرية السورية تعج بقوات إيرانية تكاد تكون هي الغالبة. من هذا المنطلق؛ تعتبر إسرائيل أن استمرار اتفاقية فك الاشتباك بالجولان التي تعود إلى العام 1974 لا تناسب الوضع الراهن.

الضغط من أجل اعتراف أمريكي بإسرائيلية الجولان: 

مع اقتراب عودة قوات الجيش السوري إلى الجنوب، وفقًا لما أعلنه بوتين في ختام قمة هلسنكي، تسعى إسرائيل للحصول على اعتراف أمريكي بسيادتها على الجولان المحتل، وما يمثله هذا الاحتلال بالنسبة للأمن الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته فإن إسرائيل قلقة من تصريحات بوتين حول العودة إلى حدود 1974 بعد عودة قوات الأسد للجنوب مع قرب انتهاء المعارك، ومصدر القلق هنا أن بوتين قد طالب بتهيئة الأجواء من أجل العودة إلى القرار 338 الذي صدر في أعقاب حرب أكتوبر 73 ونص على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها، ومنها الجولان بالطبع.

مطالب بتحرك إسرائيلي: 

تعلو أصوات إسرائيلية تطالب بأن تتحرك حكومة نتنياهو من أجل مراجعة سياستها الأمنية في الشمال على الحدود مع سوريا بالوجود الإيراني، وفي هذا الشأن يرى خبراء ومحللون أن إسرائيل يتوجب عليها القيام بمزيد من الضربات الاستباقية في العمق السوري كي تحبط اتساع الآفاق الذي تحلم به إيران، وتؤسس له عبر الأراضي السورية.

لكن في الوقت الحالي لا يبدو نتنياهو مستعدًا للانسياق خلف هذه الدعوات، لأنه لا يرغب في الاشتباك المباشر وإغضاب الجانب الروسي تحديدًا، وإنما يفضل التريث إلى حين القضاء النهائي على داعش، ثم التفكير في مستقبل الوجود الإيراني، أي أنه ينتظر الحركة المقبلة التي ستقدم عليها روسيا، وفي الوقت ذاته يبدو مطمئنًا بالدعم غير المسبوق الذي تقدمه له إدارة ترامب.

من هنا تسعى إسرائيل للضغط من أجل إعادة توظيف قوة الأمم المتحدة المنوط بها فض الاشتباك، من أجل ما تعتبره إسرائيل “ترقية” مطلوبة تؤهلها لمواجهة التحديات المستجدة في الجولان، والتي تتمثل في محاولات إيرانية مستمرة لإقلاق شمال إسرائيل.

من المنظور الإسرائيلي؛ هناك شك كبير حول ما إذا كانت قمة هلسنكي قد شجعت تغييرًا ملموسًا في طبيعة الوضع بسوريا بما يضمن لإسرائيل تحقيق هدفها الاستراتيجي الراهن، وهو محو الوجود الإيراني في الشمال السوري، رغم أن الولايات المتحدة كانت قبل القمة مهتمة بالحصول على تأكيد روسي بالحد من التمدد الإيراني في مقابل موافقتها على استمرار نظام الأسد، بل وانسحاب قواتها من سوريا كذلك.

في الوقت الراهن؛ يبدو أن أية تفاهمات روسية أمريكية بشأن إنهاء الوجود الإيراني في سوريا ليست على المدى القريب، فيبدو أن بوتين أوقع ترامب في كمينه من أجل الاستعداد لصفقة كبيرة تمنحه مكسبًا سياسيًا يُضاف إلى مكسبه من تقزيم ترامب في قمة هلسنكي.

تفوق إسرائيلي بدعم أمريكي، وتنسيق سوري: 

لكن على جانب آخر؛ لا تبدو إسرائيل خاسرة بشكل كامل، فالوجود الأمريكي في سوريا منحها تفوقا استخباراتيا ملموسًا، ساعدها على إنجاز ضربات متفرقة، خصوصا في الفترة الأخيرة، سببت خسائر كبيرة في صفوف القوات الإيرانية العاملة على أرض سوريا، وكذلك تمكنت إسرائيل منتصف الأسبوع الماضي من إسقاط طائرة سوخوي سورية فوق الجولان، وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن الأمر تم بالتنسيق مع الجانب الروسي.

تركز إسرائيل على منع إيران من توحيد قدراتها العسكرية في سوريا،وتحديدًا الصواريخ والطائرات بدون بدون وأنظمة الدفاع الجوي، يبدو أنه في هذه المرحلة، تعتمد إسرائيل على روسيا والأسد لإبعاد القوات الإيرانية عن الحدود، خصوصًا مع التفوق الذي تحققه قوات الأسد على الأرض واقترابها من فرض سيطرتها على جنوب سوريا بما يُقرِب عملاء إيران من الجولان وشمال إسرائيل.

أصحاب الخوذ البيضاء مؤشر على توغل إسرائيل: 

في خبر مفاجئ، أُعلِن الأسبوع الماضي عن خروج مئات من عمال الإغاثة السوريين المعروفين بـ”أصحاب الخوذ البيضاء” من سوريا عبر الحدود مع إسرائيل، وأشارت التقارير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تلقى اتصالات أمريكية وكندية تطلب منه مساعدة أصحاب الخوذ في الهروب من سوريا، مما دفعه لقبول عملية تهريبهم إلى الأردن عبر ممرات تؤمنها إسرائيل، على غرار ما حدث في سيناريوهات تهريب أعضاء داعش.

وبعيدًا عن الجدل حول توجهات أصحاب الخوذ البيضاء، وبالإشارة إلى توعد بشار الأسد بالقضاء عليهم، فإن ما يلفت الاهتمام في هذه العملية هو قوة التدخل الإسرائيلي في الأراضي السورية، بما يشير إلى تفوق استخباراتي يدعم إسرائيل في مقابل تواجد عسكري إيراني.

النهاية لا تلوح في الأفق:

المواجهة بين إسرائيل وإيران أصبحت داخل العمق السوري، دون أن تتحول إلى حرب مباشرة فوق الجولان المحتل، بانتظار قرار مصيري من أحد الطرفين الروسي والأمريكي، وحتى هذا الحين ربما تستمر المواجهات غير الماشرة بين الطرفين، في ظل انشغال حكومة نتنياهو بالترتيبات الانتخابية، وفي الوقت ذاته مسألة تعيين رئيس أركان جديد للجيش الإسرائيلي خلفا لجادي أيزنكوت الذي شارفت ولايته على الانتهاء. 

ربما يعجبك أيضا