المعتقلون واللاجئون وإدلب والدستور.. ملفات سورية ساخنة على طاولة “سوتشي 2”

حسام السبكي

حسام السبكي

بغياب أمريكي انطلقت، أمس الإثنين، فعاليات قمة “سوتشي 2″، التي استضافتها مدينة “سوتشي” جنوب روسيا، كنسخة عاشرة لاجتماعات “أستانا”، بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة وكل من النظام والمعارضة، إضافة إلى ممثلي الدول الضامنة للهدنة في سوريا (روسيا وإيران وتركيا).

وتعيد قمة “سوتشي”، الزخم مجددًا إلى سلسلة لقاءات “أستانا”، والتي تقدمت روسيا بطلب استضافتها، وعلى رأسها 4 ملفات إنسانية وسياسية هامة وهي “المعتقلين”، “اللاجئين”، “اللجنة الدستورية”، والموقف من “إدلب”.

وتعتبر الملفات الأربعة الأكثر سخونة على الساحة السورية حاليًا، خاصةً مع تسجيل أكثر من “4000” اسم من بين المعتقلين على قوائم القتلى تحت التعذيب في سجون النظام، وكذلك ملف اللاجئين المقدرين إجمالًا بـ6.7 ملايين شخص -بحسب تصريحات ” ألكساندر لافرينتييف” المبعوث الخاص للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” إلى سوريا ورئيس الوفد الروسي في محادثات “سوتشي”- الموزعين بين دول عدة في مقدمتها تركيا التي تستقبل نحو 3.5 مليون شخص، وأكثر من 1.5 مليون في لبنان، إضافة إلى حوالي مليون شخص في الأردن، فضلًا عن الأعداد الكبيرة التي توجهت إلى أوروبا.

المشاركون

شهدت فعاليات قمة “سوتشي 2″، تمثيل منخفض من قبل المعارضة السورية، ضم ” أحمد طعمة” بصفته رئيسًا للوفد، ومشاركة وفد عسكري يضم “منذر ستراس” عن فيلق الشام، “أحمد عثمان” عن فصيل السلطان مراد، و”ياسر عبدالرحيم”، “محمد بيرقدار”، “طارق صولاق”، و”أيمن العاسمي” رئيس اللجنة الإعلامية، إضافة إلى تمثيل من الائتلاف الوطني المعارض، وهم “سلوى اكتاو، ياسر الفرحان رئيس اللجنة القانونية، ومحمد سليم الخطيب ممثلاً عن رئيس الائتلاف الوطني السوري”، وكذلك “محمد يونس، محمد سرميني”.

أما النظام، فيشارك بوفدٍ يرأسه -كالعادة- “بشار الجعفري” مندوب النظام الدائم في الأمم المتحدة.

بينما تشارك الدول الضامنة (روسيا، إيران، تركيا)، بـ”ألكسندر لافرينتييف” المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا، و”سيرجي فيرشينين” نائب وزير الخارجية الروسي، ويترأس “حسين جابري أنصاري” وفد إيران، فيما يرأس الجانب التركي نائب وزير الخارجية “سيدات أونال”، كما يمثل الأمم المتحدة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا “ستيفان دي ميستورا”، برفقة فريق من خبراء الأمم المتحدة.

غياب أمريكي

للمرة الثانية على التوالي، تغيب الولايات المتحدة عن المشاركة في اجتماعات “سوتشي”، سواءً بشكل “مراقب أو بأي صفة رسمية”، وفق ما صرحت به وزارة الخارجية الأمريكية، الخميس الماضي.

فقد أعلنت الخارجية الأمريكية، في 26 يوليو، أن واشنطن لن تشارك في مؤتمر سوتشي الخاص بالتسوية السورية.

وقال مسؤول بالخارجية: “لن تحضر الولايات المتحدة بصفة مراقب أو أي صفة رسمية”، مضيفا “لا يزال تركيزنا على التفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف، وتحقيق تقدم كبير في هذه المفاوضات، والقنوات والأماكن الدبلوماسية الأخرى تصرف الانتباه عن تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254”.

وأبدت روسيا، أسفها لرفض الولايات المتحدة الأمريكية، الدعوة للمشاركة في لقاء سوتشي حول سوريا، بصفة مراقب.

وقالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، إن “الولايات المتحدة تسعى للتقليل من شأن صيغة أستانا والتشكيك في جهود الوساطة، بعدم حضورها لقاء سوتشي حول سوريا”.

اهتمامات متباينة

رغم توالي الاجتماعات بين النظام والمعارضة، برعاية دولية وأممية، تتباين الاهتمامات والمكاسب التي تسعى إليها الأطراف من خلال تلك اللقاءات.

وفي “سوتشي 2” تحديدًا، رغم إقرار أطراف في المعارضة بكون ملف “اللجنة الدستورية”، يدخل ضمن نطاق “أستانا”، المعني أصلًا بالجوانب العسكرية والإنسانية فقط، دون السياسي، إلا أن الرغبة الروسية جاءت لإقحامه ضمن ملفات “سوتشي”، بوصفه امتدادًا لمسار “أستانا”، فإن المصالح والأولويات بين المعارضة والنظام وداعميهما تختلف.

فبينما تبحث المعارضة عن تسوية شاملة لملفي “المعتقلين” و”إدلب”، على نحوٍ أولي، يرى النظام وروسيا تحديدًا أن ملف “اللاجئين” هو الأكثر إلحاحًا، باعتباره ضمانة وتأكيدا على سيادة النظام على البلاد، بعد سنوات طويلة من الحرب.

فقد كشف “ياسر الفرحان”، رئيس اللجنة القانونية لدى وفد “أستانا” المعارض، أن وفد المعارضة يحمل مجموعة من الرسائل الواضحة إلى الوفد الروسي والأمم المتحدة، أهمها التركيز على ملف المعتقلين الذي سيكون مفتاحاً أمام تنفيذ باقي الملفات، كعودة اللاجئين الذي “لا يمكن أن ينجح دون فرض اجراءات لازمة لسلامتهم، وهذا يبدأ بوقف أعمال الاعتقال والتعذيب، وإطلاق سراح كافة المعتقلين”.

وأضاف “الفرحان”، أن عدم إنقاذ المعتقلين ينعكس على جهود التسوية السياسية ويهدد مسار أستانا، كما يقوض الجهود التي تبذلها روسيا والأمم المتحدة في العملية السياسية، وعبر عن رؤيته بأن روسيا “لا يمكن على المستوى المتوسط والبعيد أن تحقق أهدافها في سوريا إلا إذا انحازت إلى مطالب الشعب السوري من خلال المضي في ملف المعتقلين لتحقيق إنجاز حقيقي وملموس”.

وحول ملف المعتقلين أيضًا، أكد “الفرحان”، أن “قيام النظام بتسجيل المعتقلين على أنهم وفيات يثبت بشكل واضح وصريح بأنه هو المسؤول عن تصفيتهم”، معرباً عن تخوف المعارضة على مصير مئات الآلاف من المعتقلين الذين لا يزالون يرزحون تحت وطأة التعذيب.

وأشاد رئيس لجنة المعتقلين، بمسار التقدم في “مجموعة العمل”، التي أنشئت من أجل المعتقلين، منذ النسخة التاسعة من مسار “أستانا”، قائلًا: إن اللافت في الأمر هو “إدخال الصليب الأحمر الدولي والأمم المتحدة وتركيا إلى هذه اللجنة، وهي أطراف تتعامل بشكل إيجابي مع الملف”.

وإلى جانب ملف “المعتقلين”، تسعى المعارضة إلى الحصول على ضمانات من أجل استمرار منطقة “إدلب” ضمن اتفاق وقف إطلاق النار، فقد أكد “الفرحان”، “نريد أن نجدد التعهدات الروسية، والحصول على ضمانات لعدم استهداف هذه المنطقة، ونحن ندرك تمامًا خطط النظامين السوري والإيراني، إضافة إلى الانحياز الروسي، وواجبنا الذهاب إلى محفل للدفاع عن 4 ملايين سوري في إدلب”.

أما عن النظام، فقد وضع حليفه القوي “روسيا”، ملف عودة اللاجئين والنازحين إلى سوريا، على رأس أولوياته، سواءً بالتنفيذ المباشر عبر المصالحات والاتفاقات على الأرض، أو من خلال الاجتماعات المتتالية بين فصائل المعارضة وممثلي النظام، بجانب ملف “اللجنة الدستورية”، التي ربما تكون ضمانة لبقاء “الأسد” ضمن مرحلة انتقالية يتم إعدادها حاليًا، رغم رفض فصائل عدة في المعارضة للمخطط الروسي.

فقد صرح “ألكساندر لافرينتييف” رئيس الوفد الروسي إلى مؤتمر سوتشي حول سوريا، بأن تشكيل اللجنة الدستورية السورية بات قريباً، ودعا إلى تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا.

وتحدث عن مسار “سوتشي 2”: “لقد بدأنا مشاورات مكثفة بشكل اجتماعات ثنائية، وأن “الاهتمام الأساسي يجري تركيزه حاليا على قضية الإصلاح الدستوري، وقد انعقد هنا يوم 31 يناير مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي تم خلال اتخاذ قرار لتشكيل لجنة دستورية لدفع عملية الإصلاح الدستوري نحو الأمام”، وأضاف مشددًا: “لقد مرت بعد ذلك 6 أشهر ونقترب من تحقيق تقدم إيجابي باطراد في هذه المسألة”.

وأضاف: “منذ حوالي شهر ونصف الشهر قدمت الحكومة السورية قائمة لمرشحيها إلى عضوية اللجنة، وقبل أسبوعين تم تسليم قائمة مماثلة من قبل المعارضة، ويجري حاليًا بحث مسألة مشاركة المجموعة الثالثة والمهمة بما فيه الكفاية والتي تتضمن ممثلين عن المجتمع المدني السوري”، وتابع خلال تشكيل اللجنة سيتم دراسة قواعد وآليات عملها، وأكد أن الدول الثلاث، “روسيا وتركيا وإيران”، “تسعى لتقديم كل إسهام ممكن لجهود دي ميستورا الرامية لإطلاق الإصلاح الدستوري”.

وبين “لافرينتييف” أنه يقدر عدد اللاجئين الذين فروا من بلادهم خوفا من الحرب بحوالي 6.7 ملايين شخص، وأن “الناس السوريين يريدون الآن العودة إلى دورهم” وأن ذلك سيتم عند نجاح المساعي لإستقرار سوريا”.

الدستور.. اجتماعات وانسحاب

تتواصل الاجتماعات حول اللجنة الدستورية، المنوطة بإعداد دستور سوري جديد، حيث يعتزم مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، “ستيفان دي ميستورا”، إجراء محادثات مع إيران وروسيا وتركيا في سبتمبر المقبل، للبدء في وضع اللمسات الأخيرة على اللجنة.

وتلقى “دي ميستورا”، الذي يشارك في محادثات في روسيا مع القوى الثلاث تستمر يومين، قوائم من الحكومة السورية والمعارضة بأسماء المرشحين المقترحين للجنة الدستورية.

وكان المشاركون في مؤتمر الحوار السوري في سوتشي، في يناير المنصرم، قد اتفقوا على تأليف لجنة دستورية من الحكومة والمعارضة بغرض صياغة إصلاح دستوري، بحسب البيان الختامي.

وأوضح البيان أن هذه اللجنة الدستورية ستضم -بالحد الأدنى- ممثلين للحكومة والمعارضة المشاركة في المحادثات السورية السورية، وخبراء سوريين وممثلين للمجتمع المدني ومستقلين وقيادات قبلية ونساء.

في سياقٍ متصل، أعلنت جماعة الإخوان في سوريا، انسحابها من اللجنة الدستورية، التي تم تشكيلها بناء على نتائج مؤتمر “الحوار الوطني السوري” الذي عقد في سوتشي، في حزيران/يونيو الماضي.

وقالت الجماعة: إن انسحابها من اللجنة، التي انتدبت إليها شخصاً ممثلاً عنها، جاء لخلل في “الأسس السياسية”، و”انحراف سياسي” قامت عليه اللجنة، على حد تعبير الجماعة.

ربما يعجبك أيضا