عهد وأحمد قصتان ترويان حكاية الطفولة المعذبة في فلسطين‎

مراسلو رؤية

رؤية

القدس المحتلة – “إن اهتمام العالم بعهد دون غيرها “يحمل دوافع عنصرية”، الصراحة قد يكون في أن شكل عهد هو من دفع العالم للتضامن معها وهو شيء عنصري، وهناك العديد من الأطفال الفلسطينيين لم يتم التعامل معهم بهذه الطريقة، وهناك ألف قصة كعهد التميمي يجب أن يوجه إليها الإعلام وأن يتم نقل الصورة عنهم كاملة، بحيث يتم محاكمة الاحتلال على جرائم الحرب التي يرتكبها”.

بهذه العبارات، دعت ناريمان التميمي والدة الأسيرة الفلسطينية المحررة عهد التميمي إلى تسليط الضوء على كل الأطفال الفلسطينيين، الذين لا تقل معاناتهم عن عهد وربما تزيد معاناتهم عن عهد بكثير.

الإفراج عن عهد تزامن مع الذكرى السنوية الثالثة، لإحراق المستوطنين لعائلة دوابشة، في قرية دوما جنوب شرق نابلس، التي راح ضحيتها الأب سعد 32 عاما، والأم ريهام 27 عاما، والطفل الرضيع علي 18 شهرا.

“لحظات صعبة في الاعتقال، تمثلت بالتحقيق القاسي وسجني بالعزل الانفرادي لمدة 15 يوماً، إضافة لتلقي خبر اعتقال نجلي وعد، واستشهاد ابن عمي عز الدين التميمي على يد الجنود الإسرائيليين”، تكمل الأم ناريمان عن معاناتها الشخصية في الاعتقال.

وتعتبر ناريمان، أن قدر الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال، مضيفة: إن بقينا في بيوتنا فربما نموت حرقاً كعائلة دوابشة، وإن خرج طفلي للمسجد قد يموت حرقاً كمحمد أبوخضير، لماذا لا نخرج ونقاوم الاحتلال إذن؟

وتقول: كل أبناء قريتي النبي صالح يواجهون الاحتلال وعهد نموذج لهم. وأنا أخت شهيد وخالي شهيد وعمي شهيد، وشقيقي البكر أصيب على يد القوات الإسرائيلية في لبنان، ووالدي اعتقل لسنوات طويلة بسجون الاحتلال.

واعتقل الفلسطيني باسم التميمي -والد عهد- بسجون إسرائيل خلال الفترة بين عامي 1988 و2013، 9 مرات متقطعة بمجموع 4 سنوات ونصف، تعرض خلالها لتحقيق قاسٍ أصيب على إثره بارتجاج في الدماغ ونزيف داخلي وبشلل استمر عدة أشهر.

ويكمل التميمي: نحن مثال للعائلة الفلسطينية التي تعاني من الاحتلال، فشقيقتي استشهدت في العام 1993 على يد قوات الاحتلال، وابن عمي وابن خالي وعدد كبير من أصدقائي استشهدوا برصاص الجيش الإسرائيلي.

وبالعودة إلى قرية دوما في نابلس، وفي الحي الذي لم يعد كما كان قبل الحادي والثلاثين من تموز عام 2015، حيث كانت اصوات اطفاله واحاديث نسائه تملأه، اليوم وبعد ثلاث سنوات، يعم الصمت ارجاء المكان.

ويفتح عزت دوابشة ابن شقيقة الشهيد سعد، باب منزل خاله فيدخل الجميع، يتجول ويتفقد المكان الذي بقي على حاله، منذ ثلاث سنوات، فدراجة الناجي الوحيد من المحرقة الطفل أحمد دوابشة ما زالت فوق الركام، المقاعد والاثاث على حالها.

الشاب عزت 23 عاما، يعود في ذكرياته عندما كان يدخل منزل خاله، فيقول “هنا كانت زوجة خالي ريهام، تعطيني دروسا في الرياضيات عندما كنت في الثانوية العامة، وكيف كان خالي يداعب ولديه أحمد وعلي، ويتحدث عن أحلامه بأن تصبح له عائلة كبيرة”.

ويتحدث عن أعمدة الأسمنت الواقفة أمام المنزل، التي تعود للشهيد سعد الذي باشر العمل فيه قبل أشهر من الحادثة، إلا أن القدر لم يمهله الكثير لإنهائه، ثم يعود لوصف الخطوات التي مشاها سعد وزجته عندما حملت البطانية، بعد استهداف المنزل بزجاجات حارقة، وكل ظنها أن طفلها الرضيع علي بداخلها، وكانت الفاجعة أنها فارغة، والرضيع يحترق بنيران المستوطنين.

وأغلق الشاب عزت دوابشة باب المنزل المحروق، وفتح يديه بالدعاء لأخذ الحق من المستوطنين الإرهابيين، بعد أن أقرت المحكمة المركزية في مدينة اللد، بإلغاء جميع الاعترافات التي انتزعت تحت الضغط الجسدي عن أحد المتهمين في قضية محرقة عائلة دوابشة، وقضت بأن معظم اعترافات المتهم الرئيسي مقبولة، فيما رفضت قبول اعترافات المتهم الآخر وهو قاصر، حسب مصادر عبرية.

في الجهة الشمالية من بلدة دوما يعيش الطفل دوابشة الناجي الوحيد من المحرقة، بين أحضان عائلة جده لوالدته حسين دوابشة، الذي بنى فيه عالمه الخاص بعيدا، وما زال يتذكر كل لحظة كلما حك جسده، الذي أكلت النيران منه الكثير، فمسيرة العلاج طويلة جدا.

ويؤكد الجد دوابشة 53 عاما أن رحلة علاج الحروق التي تغطي أكثر من 60% من جسد الطفل أحمد طويلة، ويخضع لعملية ليزر كل ثلاثة أشهر.

“الطفل أحمد احتفل بعيد ميلاده الثامن في التاسع عشر من تموز الماضي، كبر وزادت معاناته وأصبح يعي ويدرك أكثر، وأصبح الجرح عميقا، وزادت أسئلته واشتياقه لأبويه”، يقول الجد حسين دوابشة.

ويضيف: “بعد ثلاث سنوات زادت المعاناة أكثر، فقبل عشرين يوما استيقظ من النوم قريب الساعة الثانية فجرا، وأخذ ينادي يريد الذهاب إلى أمه وأبيه، بعد رؤيته حلما بأنهما سافرا وتركاه وحيدا”.

 في كل مرة يحاول البعض سؤال الطفل دوابشة عن الحروق في جسده، يتهرب من الإجابة، فيقول: “نحن اتفقنا الحديث عن الخيول فقط”.

 الطفل دوابشة يحب الحيوانات كثيرا، إلا القطط التي يعتبرها مزعجة ويكره وجودها في المنزل، وهو لا يعلم أنها أصبحت الآن تقطن منزله المحروق الذي هجره منذ ثلاث سنوات ولم يزره قط.

فمنذ بداية انتفاضة الأقصى في 28/ 9/ 2000 وحتى شهر آذار/ مارس 2018، استشهد أكثر من 3026 طفلا، وجرح أكثر من 17000 طفل، واعتقلت قوات الاحتلال أكثر من 15000 طفل، وما يزال في سجون الاحتلال 300 طفل بحسب تقارير هيئة شؤون الأسرى، وتحتجزهم في سجني مجدو وعوفر، بينما تحتجز الفتيات في سجن هشارون.

وتفيد تقارير لهيئة شؤون الأسرى بأن 95% من الأطفال الذين يتم اعتقالهم يتعرضون للتعذيب والاعتداء خلال اعتقالهم، الذي يتم بعد منتصف الليل، حيث يقوم جنود الاحتلال بعصب أعينهم وربط أيديهم، قبل انتزاع اعترفات منهم بالإكراه في غياب محامين أو  أفراد العائلة أثناء الاستجواب.

فقوات الاحتلال تعتقل سنويا قرابة 700 طفل من محافظات الوطن كافة، لكن خلال السنتين الأخيرتين وتحديدا منذ اندلاع هبة القدس في تشرين أول 2015 وصلت حالات الاعتقال الى ما يقارب 15 الف حالة من بينها أكثر من 3000 حالة اعتقال إداري ما بين قرار جديد وتجديد، إضافة إلى أكثر من 4000 حالة اعتقال في صفوف الأطفال القاصرين إذ قامت قوات الاحتلال بحملات اعتقال مكثفة بحق الأطفال الفلسطينيين، واعتقل منذ تلك الفترة وحتى بداية تشرين أول 2017 أكثر من 4000 طفل، بتهمة الإخلال بالنظام العام وإلقاء الحجارة على قوات الاحتلال والمستوطنين، كما تدعي تلك القوات، فيما يتعرض طلبة المدارس إلى انتهاكات على الحواجز العسكرية المقامة على مداخل المدن والقرى والمخيمات، وسعت إسرائيل عبر تشريعاتها إلى تشديد العقوبات على الأطفال الفلسطينيين، الذين تقل أعمارهم عن 14 عاماً، ورفع سقف السجن الفعليّ بحقهم ليصبح 20 عاما، وبلغ عدد الأطفال حتى نهاية شهر تشرين أول / أكتوبر 2017 ، 250 طفلا يقبعون في سجون الاحتلال و59 سيدة من بينهن 11 طفلة قاصر

وفي عام 2017 اعتقلت قوات الاحتلال 1467 طفلا في كافة محافظات الوطن، ومنذ يناير 2017 ولغاية 28/3/ 2018 اعتقلت قوات الاحتلال 371 طفلا في مختلف المحافظات الفلسطينية.

ويواجه الأطفال أيضاً مشاكل الفقر المتفشي، بسبب تردي الوضع الاقتصادي، والحصار المستمر، لا سيما في قطاع غزة، مما يضطر الكثير منهم إلى ترك مدارسهم والتوجه إلى سوق العمل. وبحسب تقرير للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2013، فقد بلغت نسبة عدد الأطفال الفلسطينيين الملتحقين بسوق العمل من الفئة العمرية 10- 17 عاما نحو 4.1 بالمائة، وأشار آخر تقرير لوزارة العمل إلى أنه يوجد 102 ألف طفل فلسطيني دون سن 18 عاما  في سوق العمل، في حين بلغ عددهم عام 2011 نحو 65 ألف طفل.
 

ربما يعجبك أيضا