نحو رؤية لهيكلة منظومة الدعم (3)

هيثم البشلاوي

رؤية
بقلم/ هيثم البشلاوي

كنا قد توقفنا في الطرح السابق عند المستوي الثاني من الرؤية المقترحة لإعادة هيكلة الدعم المتمثل في ضرورة إنشاء شبكة قومية للبيانات تكون مهمتها جمع وتوحيد بيانات المواطنين من مختلف الوزارات والمصالح الحكومية والعمل علي ميكنتها بالكامل وتحري المعلومات المغلوطة ودمج جميع البيانات في تبويبات يتم من خلالها توحيد بيانات المواطنين من حيث الدخل والحالة الاجتماعية والممتلكات، وكل ما يمكن جمعة وتبويبه في قاعدة بيانات موحدة، وعلى تلك الخلفية وقبل أن نخوض في طرح الرؤية المقترحة لمشروع تقسيم قاعدة البيانات الدعم إلى ثلاث شرائح ينبغي علينا طرح أهم المعايير التي يجب مراعاتها في عملية تقسيم مستحقي الدعم إلى شرائح، ويمكننا استعراض  تلك المعايير المتبعة كالتالي:

المستوى الثالث: الدعم النوعي.. تقسيم قاعدة البيانات إلى ثلاث شرائح مستحقة

أولًا: معايير تحديد الشرائح المستحقة للدعم:

المعيار الأول : معدلات الدخل العام كمؤشر لتحديد شرائح الدعم
رغم حالة الجدل الواسعة حول إمكانية ربط الدعم بالدخل وتبعات ذلك من شطب عدد كبير من المواطنين من مظلة منظومة الدعم، الأمر الذي يطرح تساؤل الشارع حول مستقبل الدعم بشكل عام والبطاقات التموينية بشكل خاص، إلا أن تلك الحالة تفتقر إلى معايير واضحة للفصل في جدوى عملية الربط من عدمه، وخاصة مع  الاعتقاد السائد أن تلك الآلية هي الوحيدة التي تضمن عدالة تقسيم الشرائح المستحقة للدعم، ويعتبر هذا المعيار هو حجر الأساس والتحدي الأكبر في المنظومة المقترحة لتوجيه الدعم باستهداف الأسر المستحقة من خلال جمع معلومات دخل الأسر والتحقق منها من مصادر مستقلة وهو ما تم طرحة في المستوى الثاني، وعلى ذلك تكون تلك الآلية  تتمتع بدرجة عالية من الدقة، ورغم فاعلية هذا المعيار إلا أنه بحاجة إلى وقت طويل لتكون شبكة البيانات القومية المقترحة جاهزة للعمل إضافة إلى تكلفة إدارتها المرتفعة، وهو ما يستلزم الاستعانة بمعايير عاجلة تسهل وتمهد تفعيل هذا المعيار فور جاهزيته للتطبيق.

المعيار الثاني: الاستهداف الذاتي.. التحليل الديموغرافي للسكان
يعتبر هذا المعيار الأكثر شيوعا في العالم حيث يتم دعم السلع الأساسية لكل المواطنين ورفع الدعم عن السلع والخدمات التي من المتوقع أن يقل طلب المستهلك عليها كلما ارتفع دخله ومن أهم مزايا هذا المعيار أنه لا يتطلب جمع معلومات دقيقة عن دخل المستهلكين  أو أي خصائص أخرى، مما يخفض من التكلفة المالية والإدارية للمعيار ، ورغم أن تلك الآلية تعمل على تحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية لوصول الدعم لمستحقيه من الفقراء ومحدودي الدخل من خلال الاستهداف الذاتي لاحتياجات الأفراد ليقرر بنفسه اشتراكه في برنامج الدعم من عدمه ويعتمد هذا المعيار على رصد  القطاعات المستحقة أو المستبعدة من  الدعم التي يصعب رصدها مثل تحديد قطاعات الأنشطة التجارة والاقتصادية الغير رسمية التي لا توجد لها سجلات رسمية والتي تشكل الفجوة بين البيانات الرسمية للدعم وبين الواقع الفعلي للشرائح المستحقة، وهنا يأتي دور التحليل الديموغرافي وذلك بالاعتماد على مسح إنفاق للأسر الذي يستخدم بعض المؤشرات الدالة التي تساعد على تحديد مستوى معيشة الأسرة ويكون من الصعب التلاعب فيها مثل:

حجم الأسرة، والمستوى التعليمي لرب الأسرة، ومعدل الإعالة بها، والموقع السكني ونوعيته، وفاتورة الكهرباء والغاز , معدل الأمية بين الفئة العمرية التي تزيد عن 15 سنة, الأسر التي لا تتوافر لها المرافق (مياه شرب نقية, كهرباء, صرف صحي).

ويتم وضع تلك المؤشرات ضمن نموذج  للتحليل الإحصائي وتحديد الوزن والأهمية النسبية لكل مؤشر من مؤشرات المعيار وهذا المعيار مؤهل ليكون النموذج الأمثل لمقترح تقسيم شرائح الدعم بما يضمن تغطية المناطق التي توجد بها تباينات كبيرة في مستويات المعيشة كالمناطق الحدودية والصحراوية أو في المناطق التي تنتشر بها عمالة الأطفال أو تلك التي لا تصل إليها المرافق والخدمات ومن أنجح الدول التي استخدمت هذا المعيار المكسيك حيث استخدمت عدة مؤشرات لتحديد النقاط المركزية المستحقة للدعم الكامل, ورغم تعدد مزايا هذا المعيار إلا أغلب السلع والخدمات القابلة للاستهداف الذاتي رديئة ومحدودة  وهو عيب يمكن التغلب علية برفع الجودة، كما أن هذه الآلية رغم ارتفاع تكلفتها المالية والإدارية إلا أنها أسرع وأقل بكثير من حيث التكلفة والوقت المستغرق في عملية المسح الشامل المتبعة في المعيار الأول كما أنها قد تثير بعض الجدل السياسي نظرا لأنها تركز على  بعض المناطق الجغرافية وتستبعد مناطق أخرى من مظلة الدعم، وهو ما يثير بعض الشرائح المستحقة بالمناطق المستبعدة.

ختاما: على خلفية استعراض تلك المعايير الدولية يمكن لمصر أن تعمل على استحداث نموذجها الخاص ليكون مزيجا بين تلك النماذج الدولية، بما يتناسب مع تباينات الأوضاع الديموغرافية للمجتمع المصري، وذلك من خلال دمج نقاط القوة لكل معيار كمؤشر في توجيه الدعم بآلية واضحة ومجدولة ومن ثم تقسيم المستحقين للدعم إلى ثلاث شرائح وهو ما سنتناوله في الطرح اللاحق.

يتابع

ربما يعجبك أيضا