انتفاضة سعودية.. طرد السفير الكندي وتجميد العلاقات ورسالة شديدة اللهجة

حسام السبكي

حسام السبكي

قررت المملكة العربية السعودية التكشير عن أنيابها مجددًا، وهذه المرة جاءت في وجه الادعاءات بل الافتراءات التي ساقتها كندا حول ملف “حقوق الإنسان”، الذي أصبح مثل “حصان طروادة”، يمتطيه كل من يبحث عن الصيت والسمعة، على حساب واحدة من أقوى وأهم دول منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.

الهبّة السعودية جاءت في وقت متأخر من مساء أمس الأحد، عبر بيان شديد اللهجة من وزارة الخارجية السعودية، ردًا على التصريحات غير المسؤولة من قبل وزيرة الخارجية الكندية والسفارة الكندية في المملكة، بشأن ما أسمته “نشطاء المجتمع المدني” الذين تم إيقافهم في المملكة، والتي حثت السلطات السعودية على الإفراج “الفوري” عنهم، ما شكل تدخلًا سافرًا وغير مقبول، وجب الرد عليه سريعًا وبقوة.

وبسرعة رد الفعل الرسمي، جاءت تفاعلات منصات وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا، حيث تم تدشين هاشتاج أو وسم “#السعوديه_تطرد_السفير_الكندي”، والذي حمل هجومًا شديدًا على كندا، بعد تعديها على السيادة السعودية، شارك فيها العديد من المسؤولين والشخصيات العامة، فضلًا عن الآلاف من المغردين والنشطاء السعوديين والعرب.

رد سعودي قوي

أعربت وزارة الخارجية السعودية في بيانٍ أصدرته، اليوم الإثنين، عن استغرابها من الموقف السلبي من قبل دولة كندا، بعد تصريحات صدرت عن وزيرة الخارجية الكندية والسفارة الكندية في السعودية حول ما أسمته “نشطاء المجتمع المدني” الذين تم إيقافهم في السعودية، والتي حثت السلطات السعودية على الإفراج عنهم “فورًا”.

وأكدت وزارة الخارجية السعودية أن هذا الموقف السلبي والمستغرب من كندا يُعد “ادعاءً غير صحيح” جملةً وتفصيلاً، ومجافيًا للحقيقة، وأنه لم يُبنَ على أية معلومات أو وقائع صحيحة، وأن إيقاف المذكورين تم من قِبل الجهة المختصة، وهي النيابة العامة؛ لاتهامهم بارتكاب جرائم توجب الإيقاف، وفقًا للإجراءات النظامية المتَّبعة التي كفلت لهم حقوقهم المعتبرة شرعًا ونظامًا، ووفَّرت لهم جميع الضمانات خلال مرحلتَيْ التحقيق والمحاكمة.

كما أكدت الوزارة أن الموقف الكندي يُعد تدخلاً صريحًا وسافرًا في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية، ومخالفًا لأبسط الأعراف الدولية وجميع المواثيق التي تحكم العلاقات بين الدول، ويُعد تجاوزًا كبيرًا وغير مقبول على أنظمة السعودية وإجراءاتها المتبعة، وتجاوزًا على السلطة القضائية في السعودية، وإخلالاً بمبدأ السيادة؛ فالمملكة العربية السعودية عبر تاريخها الطويل لم ولن تقبل التدخل في شؤونها الداخلية، أو فرض إملاءات عليها من أي دولة كانت، وتعتبر الموقف الكندي هجومًا على المملكة العربية السعودية؛ يستوجب اتخاذ موقف حازم تجاهه، يردع كل مَن يحاول المساس بسيادة المملكة العربية السعودية. ومن المؤسف جدًّا أن يرد في البيان عبارة (الإفراج فورًا)، وهو أمر مستهجن، وغير مقبول في العلاقات بين الدول.

وإن المملكة العربية السعودية وهي تعبِّر عن رفضها المطلق والقاطع لموقف الحكومة الكندية فإنها تؤكد حرصها على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بما فيها كندا، وترفض رفضًا قاطعًا تدخُّل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية وعلاقاتها بأبنائها المواطنين. وإن أي محاولة أخرى في هذا الجانب من كندا تعني أنه مسموح لنا بالتدخل في الشؤون الداخلية الكندية.

ولتعلم كندا وغيرها من الدول أن السعودية أحرص على أبنائها من غيرها؛ وعليه فإن السعودية تعلن استدعاء سفير خادم الحرمين الشريفين في كندا للتشاور، وتعتبر السفير الكندي في المملكة العربية السعودية شخصًا غير مرغوب فيه؛ وعليه مغادرة السعودية خلال الـ(24) ساعة القادمة، كما تعلن تجميد التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة كافة بين السعودية وكندا، مع احتفاظها بحقها في اتخاذ إجراءات أخرى.

خسائر كندية
“العقاب السعودي” على التدخل الكندي في شؤون المملكة، لاشك سيحدث هزة اقتصادية عنيفة بالنسبة للدولة الواقعة في أقصى قارة أمريكا الشمالية، فالمملكة تعد حاليًا، ثاني أكبر سوق للصادرات الكندية في المنطقة، وهو ما يعني تكبد كندا خسائر وأضرار كبيرة في حال استمرار تجميد العلاقات -المعلن اليوم من قبل الرياض- بين البلدين.

فالمملكة لا تزال مصدراً هاماً للطلاب الأجانب الذين يدرسون في كنـدا، فهناك ما يزيد على 15 ألف طالب سعودي في كندا، من بينهم 800 من الأطباء والأخصائيين المقيمين الذين يقدمون الرعاية للمواطنين الكنديين.

أما عن حجم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، فقد صدر تقرير رسمي من قطاع الشؤون الاقتصادية التابع لغرفة الشرقية الصادر في أكتوبر 2016، تحدث خلاله عن ارتباط المملكة العربية السعودية وكندا بعلاقات اقتصادية وتجارية قوية، جعلت كندا إحدى الشركاء الرئيسين للمملكة، وهو ما تظهره الإحصائيات التالية:

* بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 12.3 مليار ريال عام 2015، وفقا للبيانات الأولية الصادرة من الهيئة العامة للإحصاء.

* حقق الميزان التجاري بين البلدين فائضا لصالح كندا يقدر بنحو 314 مليون ريال في نفس العام 2015.

* بلغت قيمة صادرات المملكة إلى كندا عام 2015 م نحو 6008 مليون ريال سعودي، وفقا للبيانات الأولية الصادرة من الهيئة العامة للإحصاء.

أما عن الصادرات، فقد تنوعت صادرات المملكة إلى كندا بين زيوت نفط خام ومنتجاتها “بولي بروبلين”، بلاطات لباد، هيدروكربونات لا دورية مشبعة (هسكانات)، تمر طازج، وغيرها من السلع والمنتجات.

وفيما يخص واردات المملكة من كندا فبلغت عام 2015 نحو 6322 مليون ريال سعودي، وانخفض معدل نمو واردات المملكة من كندا إلى 1.8% عن العام السابق، بمقدار 113 مليون ريال.

وتتمثل أهم واردات المملكة من كندا في القمح، والسيارات، ومنصات الحفر العائمة أو الغاطسة، وغيرها من السلع والمنتجات.

وبشكلٍ عام، تخضع العلاقات الاقتصادية والتجارية السعودية الكندية إلى عدة اتفاقيات تجارية، في مقدمتها “اتفاق تعاون اقتصادي وفني” بين حكومتي البلدين وقع في أكتوبر من العام 1987 م، والذي بمقتضاه يسعى الطرفان لتطوير التعاون الاقتصادي والفني بينهما، كما يسهم مجلس الأعمال السعودي الكندي بشكل كبير في تقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.

تضامن عربي وإسلامي

أكدت مملكة البحرين تضامنها التام مع المملكة العربية السعودية وتأييدها المطلق لما تتخذه الرياض من إجراءات للرد على التصريحات الكندية بشأن من وصفتهم بـ”نشطاء المجتمع المدني”.

ونشرت الخارجية البحرينية، وهي أول دولة عربية تعلن تضامنها مع السعودية، بيانا أكدت فيه على تضامنها التام مع السعودية في مواجهة أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية وتأييدها المطلق لما تتخذه من إجراءات ردا على تصريحات الخارجية الكندية.

وأعربت البحرين في بيانها عن أسفها لموقف كندا وتدخلها المرفوض جملة وتفصيلا في الشؤون الداخلية للسعودية استنادا إلى معلومات غير صحيحة تتنافى تماما مع الحقيقة والواقع.

وأكدت المنامة على وقوفها في صف واحد مع السعودية في كل ما يحفظ أمنها واستقرارها، مشددة على ضرورة احترام أنظمة المملكة والسلطة القضائية فيها والالتزام بالأعراف والمواثيق الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول.

من جهته أكد رئيس البرلمان العربي مشعل بن فهم السلمي على تضامن البرلمان العربي التام مع السعودية فيما اتخذته من قرارات وإجراءات بشأن ما صدر عن وزيرة الخارجية الكندية والسفارة الكندية في المملكة.

كما دانت رابطة العالم الإسلامي ما صدر عن الحكومة الكندية من تدخل سافر في الشؤون الداخلية للمملكة، مشيرة إلى أحقية المملكة في اتخاذ ما تراه مناسبا.

الحوثي يصطاد في الماء العكر

كعادة الميليشيا الانقلابية الإرهابية، ومن يقفون إلى جانبها ويدعمونها، فقد دأبت على استغلال الأحداث وليِّها وتطويعها لخدمة مشروعهم التوسعي المؤسف، حيث دعا الحوثيين إلى فتح سفارة كندية في عاصمة اليمن المغتصبة “صنعاء”!.

فقد قدم ما يسمى بـ”رئيس اللجنة الثورية العليا لدى الحوثيين، “محمد علي الحوثي”، اليوم الإثنين دعوة إلى كندا بفتح سفارة لها في العاصمة اليمنية صنعاء.

وقال الحوثي -في تغريدة على موقع “تويتر”- “ندعو الدولة الكندية إلى فتح سفارة لها بالجمهورية اليمنية فعاصمتها صنعاء ترحب بذلك”.

انتفاضة شعبية

عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال عدة أوسمة أبرزها “#السعودية_تطرد_السفير_الكندي” و”#السيادة_أفعال_وليست_أقوال”، عبر الشعب السعودي عن غضبه وسخريته في الوقت نفسه من التدخل الكندي السافر في شؤون المملكة.

وفيما يلي نستعرض أبرز ردود الأفعال:

الخلاصة

وختامًا نؤكد، أن الحزم السعودي في مثل هذه المواقف ليس هو الأول من نوعه في مثل هذه القضايا؛ لأن المملكة سبقت باتخاذ مواقف حازمة مع بعض الدول، عندما حاولت تلك الدول التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وجاءت الأزمة الكندية لتعلن قوة الموقف السعودي ضد أي دولة تهدد السلم والأمن الداخليين مهما كان حجمها أو العلاقات المتبادلة معها.

ربما يعجبك أيضا