رحلة إلى الشمس.. باركر في مهمة لجلب الأسرار

مها عطاف

رؤية – مها عطاف

“انظر إلى الشمس فوق النيل غاربة، واعجب لما بعدها من حمرة الشفق، غابت وأبدت شعاعا منه يخلفها، كأنما احترقت بالماء في الغرق”.. لطالما كانت الشمس هي السر الأكبر، لولاها ما تعاقب الليل والنهار، أو سقطت الأمطار، ونمت الأشجار، وتفتحت الأزهار، إنها تلك كرة اللهب الهائلة، التي يتأثر بها الإنسان أينما ذهب، وإذا غابت عنه انقلبت حياته رأساً على عقب، فهي سر الحياة على الأرض، التي يسعى العلماء دومًا إلى اكتشافها ورفع الغموض عنها.

الرحلة المنتظرة

في سابقة تاريخية للبشرية لم يعرف لهم مثيل، أعدّت ناسا العدة للرحلة الأولى نحو الشمس، وأطلقت اليوم الأحد مسبار باركر، أول مركبة فضائية من صنع الإنسان تصمم لعبور الغلاف الجوي للشمس، بعد أن تم تأجيل العملية أمس السبت، بسبب مشكلة في ضغط الهيليوم رصدت قبل دقائق من الإقلاع، وكانت وكالة ناسا تحاول -على مدار السنوات الماضية- حل لغز الشمس، والتي إذا اقتربنا منها سنجد منطقة “الإكليل” التي تحيط بها، تتراقص فيها الرياح الشمسية المليئة بالبلازما بدرجات حرارة تصل إلى أكثر من 1666649 درجة مئوية، لذلك من سيقترب من تلك المنطقة، يجب أن يكون محصنًا جيدًا وبشكل غير مسبوق ضد الانصهار.

كيف سينجو “باركر” من الشمس

سيقترب مسبار باركر من السطح الشمسي، أكثر من أي مسبار قد أرسل سابقا، وسيدخل الهالة الشمسيّة “corona”، حيث تصل درجة الحرارة إلى ملايين الدرجات المئوية، ليدرس الجزء الخارجي من الغلاف الشمسي، ويقوم بالقياس والتصوير من أجل توفير معلومات عن الشمس، وبهذا سيحدث ثورة في فهمنا لها ولمنطقة الإكليل الخارجية، وتوسيع معرفتنا بأصل وتطور الرياح الشمسية، وسيقوم بمهام مثل تتبع حركة الطاقة والحرارة عبر الغلاف الجوي للشمس، واستكشاف الظروف المتغيرة في النظام الشمسي، كما سيساهم في تطوير قدرتنا على التنبؤ بالتغيرات في بيئة الفضاء الأرضية، والتي تؤثر بدورها على الحياة والتكنولوجيا على الأرض.

وكانت أشد وأفخر أنواع الدروع الحرارية ستصهر عندما تختبر ظروفًا كتلك التي في جوار الشمس، بالعودة لثمانينات القرن الماضي، فقد أسهمت درجات الحرارة السطحية على كوكب الزهرة، في الانهيار السريع للإلكترونات في المسبار الذي أرسلته روسيا حينها، إذ وصلت درجات الحرارة لحوالي (460) درجة مئوية، بينما تتكون بنية المسبار باركر، من درع حراري متين جدًا، والاختلاف يكمن في الحرارة ودرجة الحرارة، جنبًا إلى جنب مع كثافة الفضاء.

وللتمّييز بين المصطلحات، فإن درجة الحرارة (Temperature) هي قياس لسرعة حركة الجسيمات المنتقلة، في حين أن الحرارة (Heat) فهي قياس لكمية الطاقة التي تنقلها فعليًا، ففي الفضاء يمكن الحصول على جسيمات تتحرك بسرعة كبيرة، لكنها لا تنقل الكثير من الحرارة بسبب الفضاء الكبير بين الجسيمات.

وهذا يعني أن الدرع الحراري سيتعرض لحرارة تصل درجتها حتى 1370 درجة مئوية فقط، إذ أنه مصنوع من لوحين من الكربون المدعم بألياف الكربون، بسماكة (11.5) سنتيمتر وبذلك سيحمي معظم الأدوات على متن المسبار.

ولقد تم طلاء الجانب المواجه للشمس بطلاء لامع سيراميكي أبيض اللون، وهذا من شأنه أن يحرف أكبر قدر ممكن من ضوء الشمس بمقدار 2.4 مترًا في القطر، كما يزن الدرع (72.5) كيلوغرام، إذ يعود هذا الوزن إلى خفة وزن المادة الرغوية، والمُدهش في المسبار بأنه يبقي كل شيء خلفه عند درجة 30 مئوية أو أقل.

باركر في مهمة لجلب الأسرار

على متن صاروخ فضائي عملاق، سيحمل المسبار “Parker Solar Probe” إلى الشمس، وهو أول مسبار يطلق في مهمة كهذه، سمي المسبار بهذا الإسم نسبة لعالم الفيزياء الفلكي المعاصر “يوجين باركر” والذي اقترح في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين عددًا من المفاهيم والفرضيات حول كيف تبعث النجوم طاقة خارجية، وفي ذلك شمسنا، كما وصف نظامًا معقدًا كاملًا من وجود البلازما، ووضع باركر أيضًا تفسيرًا لمنطقة الإكليل الشمسي شديد الحرارة، وتقترح نظريته أن الانفجارات الشمسية منتظمة لكن صغيرة تسمى “nanoflares”، حيث تسبب كمية وافرة منها إنتاج درجات حرارة هائلة.

اللقاء الأول بعد 3 أشهر

بعد انطلاق الصاروخ من قاعدة كيب كانافيرال في فلوريدا الأمريكية، بسرعة تصل إلى 40233.6 كم/ ساعة إلى مداره، سيبدأ المسبار رحلته بالدوران حول الشمس، وخلال عملية التحليق والدوران سيصنع المسبار 24 مدارًا حولها، باستخدام جاذبية كوكب الزهرة من أجل عمل سبع معاينات للجاذبية. يبدأ المسبار بالاقتراب تدريجيًا حتى يصبح على بعد 6.2 مليون كم من الشمس، وبهذا يكون اللقاء الأول بينهما قد تم بعد مرور 3 أشهر من انطلاقه.

7 سنوات حول الشمس

سيمر باركر 24 مرة على بعد نحو 6.2 مليون كيلومتر من سطح الشمس، وهي أقرب مسافة يبلغها جهاز من صنع البشر، لذلك ستستمر مهمته سبع سنوات؛ أي حتى 2025، ويوازي حجمه حجم سيارة صغيرة، ويحمل أجهزة مخصصة لدراسة الغلاف الجوي للشمس ومراقبة سطحها.
https://twitter.com/NASA/status/1028545295523635200
https://twitter.com/NASA/status/1028539066768347138
https://www.youtube.com/watch?v=UQBAqFKqTVs

ربما يعجبك أيضا