المصالحة مع طالبان.. حقيقة أم وهم؟

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

استخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أفغانستان استراتيجية الضغط على حركة طالبان؛ للعودة إلى طاولة التفاوض، واشنطن باتت ترى اليوم أن حركة طالبان جزء من النسيج الاجتماعي للشعب الأفغاني، وأن الاستمرار في قتالها لم يعد له جدوى.

فيما أعلن وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، أن واشنطن ستواصل الضغط على حركة طالبان لتحقيق مصالحة في أفغانستان.

وقال ماتيس إن “استراتيجية الولايات المتحدة في أفغانستان حاليًا تقوم على إعادة تنظيم القوات الأفغانية، ومساعدتها ومرافقتها في العمليات المختلفة”، وتابع: “من بين أبرز ما تقوم عليه الاستراتيجية الأمريكية هو الوصول إلى المصالحة في أفغانستان”.

ومضى قائلًا: “من خلال التاريخ، فإن الصراعات يتم حلها عن طريق المصالحة”. مستشهدًا بتجربة كل من أيرلندا الشمالية وجنوب أفريقيا.

وتابع: “نعمل عن كثب مع الأفغان وحلفائنا في حلف الناتو (شمال الأطلسي) لإنهاء هذه الحرب”.

ويقول مسؤولو طالبان إنهم تحدثوا مباشرة إلى مسؤول أمريكي كبير بشأن أفغانستان وباكستان في دولة خليجية، حيث يوجد لطالبان مكتب سياسي.

طالبان

فيما تسعى حركة طالبان لتحقيق مكاسب على الأرض لاستخدامها في محادثات السلام التي يتوقع المراقبون، انعقاد جولة جديدة منها قبل نهاية العام الجاري، وكان وفد من طالبان زار أوزبكستان الجارة الشمالية لأفغانستان في وقت سابق هذا الشهر؛ لبحث عملية السلام في البلاد.

ترى طالبان أن “الانهيار الأمني عنصر مطلوب للتفاوض من موقع القوة”.

وترأس رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان محمد عباس ستانيكزاي، مباحثات سياسية “نادرة” مع مسؤولين في أوزبكستان على رأسهم وزير الخارجية الأوزبكي، ومثّل “ستانيكزاي” حركة طالبان في مباحثات استمرت 4 أيام.

واجتمع وفد طالبان بوزير الخارجية الأوزبكي عبد العزيز كميلوف، إضافة إلى مبعوث أوزبكستان الخاص لدى أفغانستان عصمت الله إرغاشيف.

وجاءت الزيارة بدعوة من الرئيس الأوزبكي شوكت ميرزيوييف، في محاولة للتوسط من أجل إحلال السلام في أفغانستان.

قال المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان في قطر، سهيل شاهين إنّ المباحثات شهدت الحديث عن معظم القضايا بدءا من انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان حتى آفاق السلام ومشاريع التنمية المحتمل تمويلها من قبل أوزبكستان.

وأضاف في تصريحات للوكالة الأمريكية، اليوم، أنّ “المسؤولين الأوزبك تطرقوا إلى المخاوف الأمنية التي قد تحيط بمشروعات التنمية (المحتمل أن يتولّوا تمويلها)”.

وتابع: “طالبان أيضا تبادلت مع المسؤولين الأوزبك رؤيتها فيما يتعلق بانسحاب القوات الأجنبية والمصالحة مع أفغانستان (الحكومة)”.
الحكومة الأفغانية

وفي يناير/كانون الثاني عرض الرئيس أشرف عبد الغني على طالبان محادثات سلام دون أي شروط وتخلت الولايات المتحدة عن رفضها السابق للتحدث مع طالبان قائلة إنها مستعدة للمشاركة في عملية تقودها أفغانستان.

وقد أقرت الحكومة الأفغانية، بانعقاد محادثات مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة “طالبان”، بشأن السلام بالبلاد، وذلك في أول رد فعل رسمي حول ما أثير مؤخرا بشأن الموضوع.

وقال الرئيس التنفيذي للحكومة الأفغانية، عبدالله عبدالله، في تصريحات بثتها وسائل إعلام محلية، إن حكومة بلاده “على دراية بهذا الأمر (المحادثات بين واشنطن وطالبان)، والهدف الرئيسي من (الاجتماع) هو تمهيد الطريق لمحادثات سلام رسمية بين طالبان والحكومة”.

في المقابل، رفض عبدالله الذي ترأس، اليوم، اجتماعا لمجلس وزراء بلاده، بثّته هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسميين، فكرة “التنازل عن أي أرض في البلاد لطالبان”، والتي كان قد طرحها سابقا قلب الدين حكمتيار، زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني، كخطوة لـ”بناء الثقة”.

مكافحة داعش

صحيفة التايمز قالت إن طالبان طلبت من أمريكا وقف الغارات الجوية في أفغانستان حتى تستطيع سحق تنظيم الدولة حيث تستعد لشن هجوم كبير.

ويسعى مسلحو طالبان لتعاون ضمني مع القوات الأمريكية والأفغانية لوقف الغارات الجوية في منطقة الصراع لتجنب ضرب قوات طالبان وهي تواجه عدوا مشتركا “تنظيم الدولة”.

نصائح لطالبان

بحسب “رويترز” قال مسؤولان في حركة طالبان إن هناك بعض الدول الإسلامية وأطراف أخرى تربطها علاقات طيبة بالحركة طالبوا بوقف إطلاق النار في عيد الأضحى.

وقال مسؤول بطالبان ”أصدقاؤنا ينصحونا بضرورة الإعلان عن وقف لإطلاق النار لمدة أربعة أيام بمناسبة عيد الأضحى حتى يتمكن شعب أفغانستان من الاحتفال بالعيد بسلام مثلما حدث قبل شهرين“.

وأضاف المسؤول وهو عضو بمجلس شورى الحركة “كالعادة تباينت الآراء حول وقف إطلاق النار كما حدث في المرة الماضية خلال عيد الفطر لكن زعيمنا الأعلى الشيخ هيبة الله أخونزاده سيؤدي دوره وسيعلن إما وقف إطلاق النار أو يطلب من المقاتلين الاستمرار في قتالهم”.

وقال زعيم آخر بالحركة إنه يأمل أن تعلن قيادتهم وقفا لإطلاق النار لأنه ساهم في المرة الماضية في كسب قلوب وعقول شعب أفغانستان حيث شوهد مقاتلون وجنود عزل يسيرون جنبا إلى جنب في شوارع كابول ومدن أخرى.

وحين سُئل من هم “الأصدقاء” قال المسؤول إن طالبان لديها أصدقاء وحلفاء في مناطق كثيرة من العالم.

الوضع الميداني

حركة طالبان شنت في الأيام السابقة اكبر هجوم لها هذا العام للسيطرة على مركز ولاية غزنة والقتال مستمر منذ يوم الجمعة الماضي، وقد تراجعت حدة الموقف في مدينة غزنة، شرقي البلاد، حيث قالت حركة طالبان إنها أمرت مقاتليها بالانسحاب بعد خمسة أيام من القتال الذي أدى لمقتل وإصابة المئات وحول المدينة إلى حطام محترق.

فيما شنت حركة طالبان هجوما على موقع عسكري في إقليم بغلان بشمال أفغانستان، اليوم الأربعاء، أسفر عن مقتل ما يصل إلى 44 من أفراد الجيش والشرطة، وقال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان إن الحركة استهدفت قاعدة عسكرية ونقطتي تفتيش في بغلان مما أسفر عن مقتل 70 من قوات الأمن الأفغانية كما استولت على مركبات مدرعة وذخيرة.

ويقول محللون إن الهجوم الكبير لطالبان على مدينة غزنة بشرق أفغانستان ليس سوى استعراض للقوة من قبل المتمردين الذين يتعرضون لضغوط لإجراء محادثات سلام.

الفرص المتاحة 

وقال المحلل العسكري جواد كوهيستاني ومقره كابول “تحقيق انتصار عسكري وميداني كبير قبل محادثات قد تكون مهمة ومباشرة، يمكن ان يعطي طالبان وزنا سياسياً أكبر”، وقال رحيم الله يوسفزاي، الخبير بشؤون طالبان والمنطقة، إن طالبان لا ترغب في السيطرة على غزنة، بل أن تُظهر فحسب أنها قادرة على ذلك.

وأضاف إن “الاستراتيجية تتعلق بشن هجمات كبيرة واستعراض القوة والسيطرة على المدينة أو البلدة لبضعة أيام وإطلاق سراح أسراهم والاستيلاء على بعض الأسلحة والمال وبث الخوف ثم المغادرة”.

وقدّر دبلوماسي رفيع المستوى على دراية بالمفاوضات التي أدت إلى وقف إطلاق النار أن فرص عقد محادثات بين طالبان والولايات المتحدة “50-50”.

وأضاف المسؤول “طالبان تريد التحاور مع الولايات المتحدة مباشرة عن الانسحاب لأنها لا تريد اقتسام الفضل في الانسحاب مع الحكومة”.

ورغم أن واشنطن قاومت لفترة طويلة المباحثات المباشرة مع طالبان، فقد قال المسؤول إن التطورات الأخيرة تشير إلى أن “الولايات المتحدة أقل رفضا لذلك الآن”.

ربما يعجبك أيضا